هل السجون المغربية في طريقها لتصبح مراكز للتخريب حيث المخدرات والفساد والرشوة متفشية بكثرة؟ هل تحولت كذلك إلى مراكز للاحتضار؟ هذا ما يبدو من خلال مختلف الشهادات وأشرطة الفيديو على موقع يوتوب، آخرها نقل الرعب الذي يسود في سجن بوالمهارز. هذا الفيديو، الذي يدوم أكثر من ثلاثين دقيقة يظهر، من بين أمور أخرى، توزيع المخدرات في جرعات ويكشف عن عدم صحية الزنازين واكتظاظها. وفي هذا السجن الكئيب الذي توجد فيه زهرة بودكور ورفقاؤها وكلهم طلبة وكلهم تم تعذيبهم بوحشية في كوميسارية جامع الفناء والتي قامت شهاداتهم بجولة في العالم.. دون جدوى. فهؤلاء الطلبة الذين كان جرمهم الوحيد هو أنهم طالبوا بتحسين شروط حياتهم داخل الحي الجامعي، يعيشون اليوم محنة حقيقية. وهكذا، فقد تم إلقاؤهم في غرف مزدحمة قذرة يوجد فيها العشرات من سجناء الحق العام، وذات رائحة كريهة ويأكلهم القمل والطفيليات الأخرى. أما زهرة، فبالكاد تعيش في غرفة بها 50 سجينة وحيث الحد الأدنى من العيش غائب. والأكثر من ذلك، فهؤلاء الطلبة السجناء يتعرضون يوميا للترويع والاستفزاز من طرف السجانين، وإضافة إلى ذلك، ففي كل زيارة تتعرض أسرهم لممارسات تعسفية ومهينة. هذه الوضعية هي التي وصفها سنة 1991 السجين السياسي السابق نور الدين جاير الذي أكد أنه في الفترة التي كان فيها «عدد السجناء ثلاثة أضعاف العدد المطلوب... وكان عدد من السجناء يظلون واقفين الليل بكامله بسبب عدم وجود مكان كاف. وبعد عدة أيام، يضطرون إلى الذهاب إلى مصحة السجن بسبب تورم أقدامهم». أما السجناء السياسيون الذين تم اعتقالهم في موجة القمع التي اجتاحت سيدي إفني منذ 7 يونيو الماضي والمتواجدون في سجن إنزكان، فإن ظروف سجنهم لا يمكن تصورها، إنها كابوس. وهكذا فلكل سجين مجال حيوي لا يتعدى 85 سنتمترا مكعبا. وهذا يعني أنه لا يمكن أن يستلقي وبذلك فإنه يظل باستمرار واقفا 20 ساعة على 24 ساعة أيام الأسبوع و24 ساعة على 24 ساعة أيام نهاية الأسبوع والعطل. الظروف الصحية مروعة وتؤدي إلى تفشي الأمراض خاصة الجلدية منها، كما يعزز الاختلاط انتشار الأمراض المعدية. كما أنه لكل 1400 سجين لا يوجد طبيب واحد. أما المصحة الطبية التي تبلغ مساحتها 24 مترا مربعا وتضم 16 سريرا من طابقين فتجمع 28 سجينا مرضى بالسكري، السل، والربو وكذلك الروماتيزم والسيدا. أما في ما يخص عنبر الأحداث الذي يطلق عليه اسم «الرضيع»، فيضم 26 زنزانة، مساحة كل واحدة منها أقل من 35 مترا مربعا وتضم أكثر من 400 سجين من 5 إلى 17 سنة دون نسيان الزنزانة المخصصة للمختلين عقليا والمرضى النفسيين التي توجد قرب الزنازين الانفرادية، والتي تضم 70 سجينا. وهذا رغم أنه حسب القانون المغربي لسنة 1998 الخاص بالمؤسسات السجينة ف«الاعتقال يجب أن يتم في ظروف جيدة من حيث النظافة والمرافق الصحية، سواء في ما يتعلق بإدارة المباني أو شروط النظافة الفردية، أو ممارسة الأنشطة الرياضية والتغذية المتوازنة». في الحقيقة، ما يهم المسؤولين اليوم ليس تحسين وضعية السجناء لكن الإجراءات الأمنية، لذلك تم تعيين حفيظ بنهاشم على رأس إدارة السجون التي أصبحت تابعة للوزارة الأولى. وبطبيعة الحال فإن لا أحد يمكنه مساءلة الوزير الأول. ويتمثل الهدف الرئيسي، على ما يبدو، الذي من أجله تم تعيين الذراع الأيمن لإدريس البصري، هو وضع السجناء الإسلاميين. ولنتذكر أنه بعد أحداث 16 ماي 2003، فقد وجهت المحاكم اتهامات إلى 2112 منهم ونطقت ب903 أحكام نهائية... وهذا حسب وزارة العدل. ومنذ وصوله إلى رأس إدارة السجون، رفض السيد بنهاشم استقبال ممثلي جمعيات حقوق الإنسان وكذا ممثلي المرصد المغربي للسجون. وبقيامه بذلك، فإنه أكد أن الحكم الجديد هو استمرار للحكم القديم. لكن بطبيعة الحال فإن السيد بنهاشم ليس المسؤول الوحيد. وبصمتهما، فإن «زعيمه» عباس الفاسي، و«رئيسه السابق» الراضي يتحملان المسؤولية الكاملة في ما يحصل في السجون، بما فيها الوفيات المشبوهة في صفوف السجناء ومن بينهم أحمد ناصر والسي بوشتى البودالي. الأول، الذي كان عمره 95 سنة، معاق جسديا يستعمل كرسيا متحركا للتنقل، وقد لفظ أنفاسه الأخيرة في 14 فبراير 2008 في السجن الفلاحي آيت مومن، وقد حكم عليه بثلاث سنوات سجنا بسبب المس بالمقدسات وازدراء موظف خلال تأديته لعمله. أما الثاني، فكان معاقا ذهنيا. وفي صورة التقطت له لحظات قبل وفاته، ظهر عاريا تماما ومربوطا مع قضبان الزنزانة في سجن عين القادوس، وآثار التعذيب بادية على جسده. وقد قامت هذه الصورة بجولة في العالم دون أن تثير أي رد فعل من طرف المسؤولين المغاربة. لكن، الفاسي والراضي وبنهاشم ليسوا وحدهم من عليهم، يوما ما، أن يكونوا موضوع مساءلة حول هذه الوفيات المشبوهة ومعاناة آلاف السجناء، لأنه يجب أن يضاف إليهم قياديو أحزاب في الحكومة وأخرى في المعارضة وغالبية النواب والمستشارين الذين لم يحركوا ساكنا من أجل شجب وإدانة هذه الانتهاكات. في الواقع، فإن الوزير الأول ووزير العدل وبنهاشم وسياسيين آخرين لم يقضوا في حياتهم ليلة واحدة في زنزانة لا يملك فيها كل واحد منهم سوى 85 سنتيمترا مكعبا. وكما يقول المثل: «ما يحس بالمزود غير لوكل به» و«سال المجرب ولا تسال الطبيب».