بحال جديد عاد عيد الأضحى إلى طنجة هاته السنة، بعد أن قرر المجلس الجماعي، مدعوما بسلطات الولاية، تغيير وجهة سوق الماشية بشكل مفاجئ إلى منطقة «بوخالف» البعيدة نسبيا عن وسط المدينة، وهو القرار الذي خلط أوراق تجار المواشي، الذين اعتبروا أنه جاء متأخرا، كما سبب ارتباكا للسكان، الذين صاروا متأكدين من أن نقل السوق الجديد والمصاريف الإضافية التي صرفها تجار المواشي ستقتطع من أموالهم في النهاية. سوق مرتجل لم يجد تجار المواشي بدا من تنفيذ قرار المجلس الجماعي القاضي بإغلاق سوق سيدي إدريس، ونقل سوق الماشية إلى منطقة بوخالف في مدخل المدينة، بعد أن استعان المجلس بالقوات العمومية لتنفيذ قراره بشكل فوري. فالتجار القادمون من المناطق الشرقية للمغرب ومدن أخرى كبني ملال أو خنيفرة، إلى جانب أولئك القادمين من القرى المجاورة لطنجة، خصصت لهم مساحة عارية لا تتوفر على أية تجهيزات أو بنيات تحتية، وهذا ما دفعهم إلى الاحتجاج مرارا قبل أن يذعن بعضهم للأمر الواقع، فيما قرر آخرون حمل ماشيتهم صوب مدن أخرى. نقل سوق المواشي إلى المكان الجديد، رغم أنه أراح سكان منطقة سيدي إدريس من فوضى تعم التجمعات السكنية أثناء موسم العيد وبعد انتهائه أيضا بفعل مخلفات السوق، إلا أن اختيار المكان طالته انتقادات كثيرة، نظرا لكونه عبارة عن أرض طينية ستجعل من الصعب استمرار العمليات التجارية عند تساقط الأمطار، إلى جانب غياب المرافق العمومية الضرورية وانعدام ربطه بشبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي إلى جانب ضعف الأمن. بمجرد الوصول إلى المنطقة المخصصة لسوق الماشية، يتضح أن قرار المجلس الجماعي لم يخل من «ارتجالية»، كما وصفته أحزاب المعارضة في المجلس ذاته، فهاته المنطقة الشاسعة لا توجد بها أي مبان قد يخصصها التجار لأنفسهم ولمواشيهم، كما أن افتقارها للربط بالطريق المعبدة جعل المجلس الجماعي يشق طريقا مرتجلة على عجل مليئة بالأحجار والمطبات، الأمر الذي جعل القادمين إلى السوق يبدون استياءهم من السوق الجديد. ولا يخفى على أي زائر للسوق الجديد، أن عدد التجار المستقرين فيه، بعد أن نصبوا خياما في محيط السوق، أقل بكثير من أولئك الذين اعتادوا الاستقرار بسوق سيدي إدريس، حيث كانوا يؤجرون المحلات التجارية والمساكن. ولكن بمجرد الابتعاد عن وسط السوق والتوجه نحو الأماكن السكنية في محيط جامعة عبد المالك السعدي القريبة من المنطقة، يتضح أن التجار أنشؤوا لأنفسهم سوقا آخر خارج محيط السوق الجديد، قرب الحرم الجامعي، حيث بات الطلاب يجاورون الخرفان، والأساتذة الجامعيون يجاورون «الكسابة». أغلب التجار الذين أجبروا عنوة على التنقل إلى السوق الجديد اختاروا أن يعرضوا مواشيهم على الطريق المؤدية إلى الجامعة، وفي محيط الحرم الجامعي، ومنهم من التجؤوا إلى استئجار المحلات التجارية القريبة من المنطقة، حتى إن بعض المحلات أوقفت نشاطها التجاري لتؤجر محلاتها لتجار المواشي، بأثمنة مغرية تصل إلى 10 آلاف درهم بالإضافة إلى خروف سمين وذلك لمدة لا تتجاوز 15 يوما، وهذا ما يبرر أن الرواج التجاري بالقرب من الجامعة أكثر من نظيره في سوق الماشية. لهيب الأسعار اعتاد سكان طنجة على ارتفاع أسعار المواشي في السنوات العشر الأخيرة، لكنهم هاته السنة كانوا على موعد مع ارتفاع جديد لا تبرره موجة الجفاف ولا سيول الفيضانات، حيث إن «ضريبة» نقل تجار المواشي إلى السوق الجديد، وما رافقها من ضياع أموال كراء محلات في منطقة سيدي إدريس ومصاريف التنقل صوب الوجهة الجديدة، ستقتطع من أموال المواطنين. انخفاض عدد التجار هاته السنة، شجع من بقي منهم في طنجة على رفع أثمنة الأضاحي بشكل صاروخي، حيث يندر أن يجد المشترون تاجرا يعرض خرفانا تقل أثمنتها عن 2500 درهم، وهي أثمنة خرفان صغيرة الحجم، في حين تجاوزت أثمنة باعة آخرين حاجز ال 5000 درهم، وقد عرفت الأيام الأولى لافتتاح السوق الجديد فقدان السيطرة على الأثمنة وتفاوتا كبيرا بين القدرة الشرائية والتوقعات التي حددتها أثمنة المواسم الماضية، وأثمان هاته السنة، بالإضافة إلى انتشار غير مسبوق للوسطاء المعروفين ب»الشناقة»، الذين استغلوا فرصة فراغ السوق وتفضيل عدد كبير من الباعة الرجوع بمواشيهم، ليجدوا لأنفسهم موطئ قدم في السوق الجديد مساهمين في رفع الأسعار أكثر. كل تلك العوامل دفعت المواطنين إلى البحث عن بدائل جديدة، تمثلت في التوجه صوب المناطق القروية المجاورة لطنجة، أو حتى تلك البعيدة عنها نسبيا، مثل سوق الأربعاء والقصر الكبير والعرائش، فيما فضل آخرون الانتقال إلى بلدية اكزناية التي لا تدخل ضمن النفوذ الترابي لجماعة طنجة، الأمر الذي جعل تجارة المواشي فيها هاته السنة تعرف رواجا كبيرا. وفضل عدد كبير من تجار المواشي تحدي قرار المجلس الجماعي وكراء محلات تجارية لعرض مواشيهم وسط المدينة، فيما قام آخرون بنفس العملية في الضواحي والمناطق شبه الحضرية، وهذا النوع من التجارة عرف رواجا كبيرا، وصار الفرق بين أثمنة سوق المواشي والمحلات التجارية بينا وجالبا للزبائن من وسط المدينة. جدل مهني وسياسي أثار القرار المفاجئ للمجلس الجماعي نقل السوق إلى منطقة أخرى جدلا كبيرا بين الأوساط المهنية والسياسية، انطلقت باحتجاجات تجار المواشي أنفسهم، والذين انتقلوا إلى مقر المجلس الجماعي للتعبير عن رفضهم الانصياع لهذا القرار الذي اعتبروه متأخرا وسيتسبب لهم في أضرار مادية كبيرة. غرفة التجارة المعنية بشكل مباشر بهذا القرار، اعتبر رئيسها، عمر مورو، في اتصال مع «المساء»، أن قرار نقل السوق اتخذ متأخرا، كما أن المكان المحدد له يفتقر للتجهيزات، لكنه أضاف أن القرار كان سيكون إيجابيا لو اتخذ بشكل مبكر، كما عاب على المجلس الجماعي اتخاذه هذا القرار دون إشراك المهنيين ودون استشارة الغرفة. وأضاف مورو أن التجار الذين يحظون بمساندة الغرفة هم التجار المهنيون المرتبطون بالمؤسسة، وليس أولئك القادمون من مدن أخرى لممارسة التجارة دون ضوابط قانونية، مشيرا إلى أن هذا السوق الذي افتتح بقرار مؤقت سبب خسائر للجماعة أيضا، نظرا لكونها تكفلت بإعداد الطريق وإيصاله بشبكة الكهرباء، لكنها لا تستطيع استخلاص أية مستحقات بالنظر لكون القرار غير نهائي، كما أن ترك السوق بدون تسييج، حسب رئيس غرفة التجارة في طنجة، سمح للجميع بعرض مواشيهم دون رقابة.