ظهرت قبل يومين بشكل مكثف ومستتر مجموعة من القطع الخزفية المصنفة تراثا وطنيا وعالميا تعود لكبير صناع الخزف المعلم بوجمعة العملي، القبائلي الذي استدعاه الماريشال ليوطي سنة 1918 ليطور خزف آسفي انطلاقا مما درسه بمدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، ثم بعدها مما استفاد منه من تقنيات صناعة الأشكال والألوان من المصنع الوطني الفرنسي لمدينة سيفر، الشهير باحتفاظه على سرية صناعة أشكال الخزف التي تعود إلى الحضارات الفارسية والعثمانية والأندلسية. واستنادا إلى معطيات ميدانية توصلت إليها «المساء»، فإن عصابة بآسفي مكونة من مجموعة من الحرفيين والوسطاء، تقوم بوضع توقيع مزيف لبوجمعة العملي على قطع خزفية تبدو قديمة من النظرة الأولى، ويعيدون إدخالها إلى فرن تقليدي لطهيها من جديد حتى يصبح التوقيع جزءا لا يتجزأ من القطعة المزيفة، وشبه أصلي. هذا، وقد وقفت «المساء» على نموذج من هذه القطع المزيفة التي أكد زيفها خبير في الخزف، فيما تتراوح أثمان بيعها بين 3 آلاف حتى 7 آلاف درهم للقطعة الواحدة، بالرغم من كون قيمتها الحقيقية لا تتجاوز 40 درهما على أبعد تقدير، في حين يتم اختيار الزبائن بصفة جد دقيقة بين أوساط السياح أو جامعي التحف من غير القادرين على التفريق بين الأصلي والمزيف في خزف العملي. وحسب أحد الباعة بسوق تل الخزف بآسفي، فإن عمليات مشابهة تظهر بين فينة وأخرى، وتتخذ الحذر والسرية في عرضها للبيع، حتى لا ينكشف أمرها، وأن الأمر يتعلق بنصب واحتيال حقيقي على المواطنين، الذين ينخدعون بشرائهم تحفا مزيفة لبوجمعة العملي، الذي توفى سنة 1971، وخلف وراءه إرثا خزفيا رفيع القيمة، لا يتواجد حاليا بالأسواق بل في المعارض والمتاحف الوطنية والدولية ولدى المجموعات الخاصة لكبار جامعي التحف بالمغرب وخارج التراب الوطني، خاصة بفرنسا وكندا والولايات المتحدةالأمريكية. وعلى علاقة بالموضوع، أبدى عدد من باعة الخزف بآسفي تذمرهم من انتشار هذه الظاهرة التي تفسد سمعة السوق، وأن السلطات الوصية على القطاع كمندوبية الصناعة التقليدية والغرفة ومندوبية وزارة الثقافة التي تتوفر على متحف وطني للخزف بآسفي، تلتزم الصمت أمام هذه العمليات المشبوهة في تزييف التراث الخزفي لآسفي وللمغرب، وأن أصحاب هذا التزييف والاحتيال معروفون في سوق تل الخزف، في وقت تشتهر فيه مدينة الدارالبيضاء بتنظيم مزادات علنية لتحف موقعة باسم العملي وبن ابراهيم والسوسي والوزاني والغريسي والركًراكًي، في علنية تامة وبتسليم وثيقة رسمية تثبت للمشتري أصلية القطع من قبل خبراء محلفين من المغرب وفرنسا. يشار إلى أن بوجمعة العملي من مواليد سنة 1890 بقرية قريبة من تيزي أوزو بمنطقة القبائل الجزائرية، اشتهر بتصميمه وتزيينه لقطع خزفية أعاد من خلالها استلهام الحضارات الفارسية والأمازيغية والأندلسية والتركية، واشتغل أيضا على الحضارة العربية، وحافظ على الطابع الآسفي القديم للقرن الثامن والتاسع عشر، وحصل سنة 1922 على الميدالية الذهبية في المعرض الكولونيالي بمرسيليا، وأخرى مماثلة سنة 1937 من المعرض الدولي لباريس، كما وُشح بعدد كبير من الأوسمة الشريفة من طرف الملك الراحل محمد الخامس الذي صنع له تحفا عالية القيمة والجمالية.