كانت دقائق قليلة كافية لهدم معلمة «البريد» في آسفي، والتي شيدت على الطراز المغربيّ إبان الحماية الفرنسية، إلى جوار السور البرتغالي وأمام قصر البحر في ساحة الاستقلال، وهو الأمر الذي خلق ضجة وسط كبار مسؤولي الولاية والبلدية، حسب ما توصلت إليه «المساء» من معطيات دقيقة، بعد أن تبيّنَ أن السلطات المحلية والمنتخبة لم يكونا على علم بهذا الهدم واتضح، بعد التحريات الأولية، أن إدارة «بريد المغرب» لم تكن تتوفر على التراخيص القانونية المعمول بها في مجال هدم البنايات الإدارية والمنشئات السكنية. وقال محمد كاريم، رئيس بلدية آسفي،في اتصال ل«المساء» به، إن المصالح البلدية لم ترخص مطلقا لأي جهة بخصوص هدم المعلمة التاريخية المعروفة ب«البوسطة القديمة»، مضيفا أن مجلس مدينة آسفي فوجئ بقدوم جرافات ضخمة هدمت، بسرعة وبدون سابق إشعار ولا تراخيص، معلمة تاريخية طافت صورُها جميع أنحاء العالم عبر الصور التذكارية والبطاقات البريدية، وكانت قد شُيِّدت في السنوات الأولى من الحماية الفرنسية على طراز البريد المركزيّ في العاصمة الرباط والدار البيضاء. وعن الإجراءات التي ستتخذها بلدية آسفي إزاء هذا الأمر، قال محمد كاريم إن المصالح البلدية قررت، بعد إجراء محاضر معاينة، أن ترفع الأمر إلى القضاء، «خاصة بعدما تأكد لنا أن ملكية مقر البريد الذي جرى هدمه غير مصفاة بين شركتي اتصالات المغرب وبريد المغرب ولا يتوفران على أي ترخيص قانونيّ يسمح لهما بهدم هذه البناية التاريخية، التي تقع في محور المنطقة الحمائية لقصر البحر البرتغالي وإلى جوار السور البرتغالي، المصنفين ضمن قائمة المآثر التاريخية الوطنية»، حسب قوله. من جهته، كشف سمير كًودار، نائب رئيس مجلس مدينة آسفي والمفوضة له شؤون التعمير سابقا، أنه رفض إبان تحمله مسؤولية قطاع التعمير في بلدية آسفي الموافقة على هدم معلمة «البوسطة القديمة»، مشيرا في تصريح خص به «المساء» إلى أنه رفض شخصيا التوقيع ومنح الترخيص الخاص بهدم هذه البناية التاريخية، قبل أن يقول: «رغم أن الجهة التي هدمت هذه المعلمة لا تتوفر على ترخيص بذلك، فان الخسارة كبرى ولا تعوض بالنسبة إلى الهوية التاريخية لمدينة آسفي»، على حد تعبيره. إلى ذلك، قررت جمعية حوض آسفي، التي يرأسها وطنيا إدريس بنهيمة، رفع دعوى قضائية ضد «بريد المغرب»، وقال خلدون الوزاني، رئيس الفرع المحلي، في تصريح ل»المساء»، إن «هدم بناية «البوسطة القديمة» في آسفي هو اعتداء غير مسبوق على الموروث العمراني لآسفي»، قبل أن يضيف أن «مقر البريد كان في حاجة إلى ترميم فقط، لأن البناية كانت في حالة تقنية وهندسية بعيدة كل البعد عن ضرورات الهدم.. وفقدان هذه المعلمة، بحمولتها التاريخية ونقوشها وزخرفاتها وأعمدتها الضخمة وساعتها الحائطية، هو هدمٌ، مع سبق الإصرار، في حق التاريخ العمراني لمدينة آسفي»، وفق تعبيره.