في أحد الشوارع سيارة مركونة وعلى زجاجها الأمامي ملصق، به ألوان حمراء وخضراء، مع عبارة بحروف أنيقة: هيئة الأساتذة الباحثين. لا أحد يفهم لماذا يلصق أحد على زجاج سيارته ملصقا يشير إلى صفته أو مهنته، لكنها «دايْرة» ملصقات هذه الأيام، إلى درجة نخاف معها أن نجد سيارات عليها ملصقات بالأحمر والأخضر مع عبارة: مستخدم بمصنع الحاج علال. في سيارات كثيرة ملصقات، ودائما بالأحمر والأخضر، بها عبارات مثل: «هيئة المحامين» أو «هيئة القضاة» أو «هيئة الأطباء». وبما أن مهن الله لا تنتهي، فإن أناسا كثيرين يلصقون دائما شيئا في الزجاج الأمامي لسياراتهم.. أحيانا ينسون وضع ملصقات الضريبة، لكنهم لا ينسون وضع هذه الملصقات العجيبة. أغرب ما يلصقه البعض على سياراتهم ملصقات، ودائما بالأحمر والأخضر، تحمل عبارة: هيئة الشرفاء الفلانيين، وهؤلاء عادة ما يحملون بين أوراق السيارة بطاقة شرف اشتروها بألف درهم وبها عبارة، موجهة إلى من يعنيهم الأمر، تقول: «المرجو تسهيل مأمورية حامل هذه البطاقة». لا أحد يعرف هذه المأمورية التي ينبغي تسهيلها، وهل يعني ذلك مسامحة «الشريف» عندما يمر في الضوء الأحمر، أو معاملته على أنه «حْشايْشي شريف» عندما يُضبط حاملا طنا من المخدرات في صندوق سيارته. هناك أيضا تلك الملصقات التي تدل على أن صاحبها دكتور. في الماضي، كان الناس يقرنون الدكتور بالطبيب، ويمكن أن نفهم أن يلصق الطبيب ملصقا على سيارته في حال السفر الطويل، لأنه عند وقوع حادث فلن ينفع الناس غيره. لكن اليوم صار بإمكان مختص في دق «السّفيفة» للقفطان الفاسي أن يحصل على الدكتوراه في هذا التخصص، ثم يلصق على زجاج سيارته ملصقا يشير إلى أنه دكتور. الذين يلصقون هذه العلامات لهم فيها مآرب كثيرة، والدليل على ذلك أنهم دائما يجعلونها بالأحمر والأخضر، يعني ألوان الراية المغربية، وهي أيضا الألوان المرتبطة بالأجهزة الأمنية. هذه الظاهرة يمكن أن تكون موضوع برامج تلفزيونية مثيرة، بحيث يحضرها محللون نفسيون واجتماعيون لكي يشرحوا لنا لماذا يضع المحامي والصحافي والطبيب والأستاذ والجمركي والقاضي و«الشريف» والبرلماني والأمني وغيرهم ملصقات تشير إلى صفاتهم ومهنهم على الزجاج الأمامي لسياراتهم. ربما الهدف الأول من ذلك هو محاولة إرهاب رجال الأمن على الطريق، يعني أنه على كل شرطي أو دركي أن يفكر ألف مرة قبل أن يحرر مخالفة ضد صاحب السيارة التي تحمل ملصقا بالأحمر والأخضر. إنها حالة مرضية غريبة. قبل بضعة أسابيع سمع الناس خبرا عن شرطي يخالف القانون وهو يسوق سيارة شرطة في طنجة، فتم تسجيل محضر مخالفة ضده وأدى الشرطي مبلغ 700 درهم، وانتهى الأمر. لو أن هذا الخبر وصل إلى جميع الذين يضعون تلك الملصقات التافهة على سياراتهم فأكيد أن العقلاء منهم سيزيلونها فورا، لأنهم سيدركون أن سيارة شرطة «بقدّها وقديدها» لم تنقذ راكبها من محضر مخالفة، فبالأحرى ملصقات سخيفة. لو أننا عددنا كل هؤلاء الذين يضعون ملصقات على سياراتهم فسنجدهم يعدّون بمئات الآلاف، إنهم يشكلون مجتمعا كاملا من عشاق الظهور أو من الراغبين في التعالي على القانون أو من الذين تقول لهم زوجاتهم ضع ملصقا على السيارة حتى يعرف الناس أنك مهم. ما يقوم به حاملو الملصقات الملونة يعكس ظاهرة مستفحلة بين الناس، لأن الذين لا يملكون طريقة لوضع الملصقات يتصرفون بدورهم بطرق تعكس أنهم أناس مهمون؛ فكل مغربي يضع في هاتفه المحمول لائحة طويلة من الأرقام التي يعتقد أنها ستفيده في وقت الشدة. يدخل الشخص مستشفى فلا يجد بُدّا من تركيب رقم ومهاتفة شخص لمساعدته على تلقي العلاج، ويدخل محكمة فيتصل، ويدخل إدارة فيتصل، وتقع حادثة في الطريق بين سيارتين فيتصل صاحباها معا بجهة لمساعدتهما، وقد يتصلان بنفس الشخص أو الجهة دون أن يدريا ذلك، يريد شخص جواز سفره أو بطاقة تعريفه فيتصل لكي لا يقف في الطابور، وهكذا تمتد هذه الحالة وتتلوى مثل أفعى عملاقة. كل هذا يشي بأن المجتمع دخل حالة مرضية غريبة وخطيرة، وهي حالة تشير إلى أن القانون لفظ أنفاسه بشكل رسمي ونهائي في هذه البلاد.