يعتبر الفعل السياسي من بين الركائز الأساسية التي يقوم عليها تكريس المهمة التأطيرية الموكولة إلى الأحزاب السياسية التي يعهد إليها برسم خارطة طريق سياسية واقتصادية، ومن ثمة اجتماعية، تساهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في تطوير الميادين المتعلقة بالتنمية المستدامة. إن الواقع الحزبي المغربي ذي النمط التعددي يتطلب منا وقفة تأمل في ما يتعلق بالنتائج التي تم أو التي لم يتم تحقيقها، هذا الأمر لا يمكننا الوصول إلى معرفته بدون التطرق إلى الإيديولوجيات الحزبية السائدة، سواء تعلق الأمر بما هو يميني يساري أو بما هو معتدل إسلامي. لقد عرف المغرب، منذ حصوله على الاستقلال، تحولات جذرية عميقة كان المساهم الأكبر في انطلاقها أحزاب سياسية استطاعت خلق حكوماتٍ كان شغلها الشاغل هو التفاعل مع منطق مرحلة ما بعد الاستعمار الذي خلف حالة من اللاتوازن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي تطلب تضافر جهود كل الفاعلين من أجل إعداد سياسة «بريس ترويكا» أو إعادة بناء صرح الدول المغربية بشكل تراعى فيه الديانة والعادات والتقاليد. كل هذا يمكن أن نستشفه من خلال منطوق الدساتير المغربية المتعاقبة التي تضمنت في طياتها نصوصا قانونية حافظت على نمطي الأصالة والتحديث. وبالفعل، استطاع المغرب تحقيق مجموعة من النتائج الإيجابية التي انعكست بشكل مباشر على مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، إلا أنه مع تزايد النمو الديمغرافي الكوني وبروز اتحادات دولية اتخذت من العمل التشاركي منهاجا لها، وكذا بروز عدد من الهولدينكات الاقتصادية الصرفة، أصبحت الأنماط السياسية السائدة، باعتبارها المسؤول الأول عن وضع سياسات التخطيط التنموي، متجاوزة، لا لشيء إلا لأنها أصبحت محكومة بمظاهر العولمة المفرطة والقائمة على السرعة والجودة والتدبير الجيد. إن المغرب وبحكم انتمائه، إلى حضيرة الدول السائرة في طريق النمو، نجده لم يتمكن من مسايرة التطور العولماتي السائد في كل أنحاء العالم، الشيء الذي يمكن إرجاعه إلى مجموعة من الأسباب المرتبطة مباشرة بطبيعة النمط السياسي السائد في بلادنا والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: - ضعف قنوات التواصل الحزبي مع المواطن، مما يخلف في غالب الأحيان لدى هذا الأخير شعورا بالتيه السياسي، ومن ثمة يخلق لديه حالة من النفور من العمل السياسي، الأمر الذي ينعكس بصفة مباشرة على نسب المشاركة ويساهم في تجذر ظاهرة العزوف السياسي في بلادنا؛ - سيادة مظاهر التعصب الإيديولوجي الحزبي، حيث إن معظم الأحزاب ظلت تتشبث بمجموعة من الأفكار التي أصبحت متجاوزة في ظل المتغيرات الكونية المرتبطة بتحديات العولمة، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على معدليْ النمو الاقتصادي والاجتماعي، وكذا الإنمائي الحزبي؛ - سيادة النظرة الأحادية الضيقة الحزبية في التعاطي مع مجموعة من المشاكل التي تعوق مسلسل التنمية في بلادنا، الأمر الذي أدى في غالب الأحيان إلى خلق بلبلة مجانية واسعة داخل الأوساط الحزبية، مما نجده قد أثر بصورة سلبية على جودة الأداء الحزبي، وبالتالي فإذا ما تأملنا التشكيلات الحكومية السابقة أو الحالية، ستبين لنا سيادة منطق ضعف التنسيق البين-حزبي؛ علما بأنه حتى مع وجود ميثاق للأغلبية الحكومية فقد طفت على السطح عدة مشاكل يمكن إرجاعها إلى تفشي ظاهرة التعصب إلى الانتماء الحزبي؛ - غياب مدارس للتكوين الحزبي داخل الأحزاب السياسية باعتبارها مؤسسات للتأطير والتوجيه السياسي، مما يخلق لدى الملتحق الجديد بالحقل السياسي حالة من التذبذب ويؤدي به، في غالب الأحيان، إلى فقدان الثقة في الفعل السياسي؛ - عدم ربط البرامج الانتخابية بالواقعين الوطني والدولي، مما يؤثر بصورة سلبية على تحقيق النتائج المرجوة منها؛ - سيادة منطق التواصل الحزبي المرحلي، حيث إن معظم الأحزاب المغربية لا تتواصل مع المواطن إلا في أوقات المواسم أو الذروة الانتخابية... إلخ. يمكن اعتبار مهمة التأطير السياسي النواة الصلبة التي أحدثت من أجلها الأحزاب السياسية، علما بأن بلادنا تزخر بنسبة عالية جدا من الشباب الذين، إن تمكنا من توجيههم توجيها صحيحا، سيساهمون لا محالة في الدفع بعجلة التنمية المغربية، هذه الشريحة التي نجدها قد ساهمت وبشكل فعال في بناء الصرح التنموي بمعظم الدول المتقدمة، ولا أدل على ذلك من أن الاتحاد الأوربي كان هو المستفيد الأول من خبرات الشباب المغربي، سواء من حملة الشهادات العليا أو اليد العاملة المؤهلة، وبالتالي فالدعوة موجهة إلى الأحزاب السياسية المغربية مجتمعة للقيام بإصلاحات جذرية لهياكلها الداخلية، وخاصة في ما يتعلق بضرورة إحداث وحدات تكوينية عصرية يعهد إليها بمهمتي التأطير والتوجيه الحزبيين، هذا إضافة إلى أنها قد أصبحت مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بنهج استراتيجية القرب السياسي المندمج والمبني على الانفتاح الداخلي والخارجي، وذلك بإقامة جسور للتعاون مع منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية واعتبارها مدارس للتكوين والتأطير القبلي المبني على قيم المواطنة الحقة. إن مواطن هذه الألفية العولماتية ليتطلع إلى بناء مغرب جديد ودولة منفتحة تقوم على تحقيق التنمية المندمجة والقائمة على النتائج، بهدف تحقيق النماء والرخاء الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فالدعوة موجهة إلى كل الفاعلين السياسيين، أغلبية ومعارضة، من أجل انفتاح كل منهما على الآخر، بهدف مواصلة بناء مغرب المواطنة الحقة، مغرب الانفتاح والتغيير.