لا أقصد بسؤالي الشريط القصير «مهما يكولوا» لمخرجه هشام عيوش الذي فاز، رغم أنف الكل، بجائزة في الدورة العاشرة للمهرجان المتوسطي للفيلم القصير، لأنه سبق لي أن كتبت مقالا نقديا عن هذا الشريط منذ أكثر من سنة عند عرضه في المهرجان الوطني للفيلم، وبالتالي لا أريده أن يحدث ضجة إعلامية اليوم على حساب كاتب هذا المقال، وإن لم يكن الشريط القصير الوحيد الذي يشير إلى الشذوذ الجنسي، علما بأن مشاركة الشريط «قسرا» في مسابقة المهرجان المتوسطي زادته فضيحة إلى فضيحة مضمون الشريط الذي لا يهدف مخرجه إلى معالجةٍ جمالية أو فنية أو اجتماعية، سوى استفزاز مشاعر المغاربة، كما اتضح ذلك مع الرسالة التي وجهها إلى الجمهور والتي يهدي فيها شريطه إلى الشواذ جنسيا. وهذا دليل واضح على أن الأوضاع السينمائية في بلادنا لم تتغير، وأنه لا جديد تحت شمس الدستور الجديد الذي يركز على مبدأ الديمقراطية في كل شيء؛ فهل لأن هشام عيوش هو أخ إمبراطور الإنتاج السمعي البصري في المغرب الذي لا يخضع لمراقبة أو محاسبة؟ طبعا، نتحدث عن نبيل عيوش الذي أقام الدنيا وأقعدها، منذ سنوات، حينما تم منع فيلمه «لحظة ظلام» (2002) من التداول لاحتوائه على لقطات جنسية شاذة، وهي نفس (أو أكثر) اللقطات الجنسية الشاذة التي يوظفها في شريطه الأخير «خيل الله» الذي شارك به في دورة «كان» الأخيرة، ولا شك أن هذا الشريط سيشارك في الدورة المقبلة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة؛ فلنا موعد، إذن، مع ضجات سينمائية أخرى. وللتذكير، فإن حزب العدالة والتنمية حينما كان في المعارضة هو الذي تزعم منع شريط «لحظة ظلام» من التداول، وسأعود إلى هذه النقطة. قلت إن سؤالي طرحته تزامنا مع حدث هام له علاقة بموضوع الشذوذ الجنسي، وله دلالته الرمزية، لأنه يمس بسمعة المغرب على المستوى الدولي؛ فقد منعت السلطات القرقيزية (قرقيزستان بلد مسلم طبعا) في الأيام القليلة الماضية شريطا وثائقيا حول الشذوذ الجنسي كان من المفروض أن يشارك في المهرجان السينمائي الدولي «عالم واحد» الذي يعنى بحقوق الإنسان؛ وقد منع الفيلم لأنه، حسب اللجنة المانعة، «متطرف وصادم ويحرض على الكراهية بين الأديان». وقد تحركت، كما هو معروف، آلة المنظمة العالمية لحقوق الإنسان لتشجب هذا المنع بحجة كونه ضد «حقوق الإنسان». وطبعا، هذا التحرك مقصود لأن المانع بلد مسلم؛ في حين أن تصرفات مماثلة أو شبه مماثلة وقعت ولم تتحرك المنظمة، نظرا إلى أن تلك التصرفات نابعة من بلدان غربية هذه المرة. الأخطر في الأمر أن الشريط الذي يحمل عنوانا مستفزا «أنا شاذ وأنا مسلم»، وهو من إخراج الهولندي كريس بلوني، يسلط الضوء على الشواذ المغاربة في العديد من المدن المغربية، خاصة الشباب، الذين يتحدثون في الشريط بكل طلاقة عن شذوذهم وعن «معاناتهم» -حسب زعمهم- في وسط مسلم. والسؤال المركزي هنا هو: كيف حصل المخرج على تأشيرة التصوير من طرف المر كز السينمائي المغربي؟ ومن الوزارة الوصية؟ وهو نفس ما كنا نطرحه عندما تعلق الأمر بالأفلام الأجنبية حول الدعارة في المغرب. إن هذا الشريط وصمة عار على جبين المسؤولين على الشأن السينمائي في بلادنا، لأنه يسيئ إلى المغرب على المستوى الدبلوماسي العربي-الإسلامي والدولي بصفة عامة. ولطالما تحدثت في عدة مقالات عن مثل هذه الأشرطة الأجنبية التي تصور على أرضنا رغم أنها تطعن في مقدساتنا ومعتقداتنا وفي تاريخنا وتسيء إلينا. ولطالما نادينا باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إيقاف هذه الأشرطة أو، على الأقل، إحداث تغيير في سيناريوهاتها وأهدافها. وهنا، أعرج على حدث مماثل وقع منذ عدة شهور، ويتعلق الأمر بشريط سينمائي يحمل شكلا الجنسية «الفرنسية» تحت عنوان «جيش الخلاص»، وهو من إخراج الكاتب المغربي المعروف بشذوذه الجنسي عبد الله الطايع. وقد تداولته بعض الصحف الوطنية والأجنبية عندما فكر المخرج في مشروعه السينما. هذا الأخير حصل على رخصة التصوير بكل سهولة في شهر يونيو 2012، رغم أن الشريط (الذي يشارك فيه الممثل أمين الناجي الذي قام بدور الفنان الراحل الحياني) مستنبط من السيرة الذاتية للمخرج الذي يتحدث فيها عن شذوذه، بمعنى أن الشريط سيسلط الضوء على ممارسته لشذوذه الجنسي. ومن غير المستبعد أن يشارك هذا الشريط هو الآخر في المهرجان الوطني للفيلم رغم جنسيته «الأجنبية»، لأن الواقع أثبت أن أشرطة مماثلة أصبحت مغربية نظرا إلى مشاركة ممثلين مغاربة فيها أو إلى إنتاجها المشترك، والأمثلة متعددة. قد يكون المخرج حرا في ذاته وفي حياته الشخصية، ولاسيما أنه يعيش في بلد أجنبي يبيح له ذلك، لكن الأمر يختلف عندما يصبح الأمر علنيا وعاما ومفروضا، ضدا على القانون والدين وقيم المغاربة المعروفة برفضها لكل ما هو شاذ ولكل ما يخرج عن الطبيعة البشرية ويفسد ثقافة أبنائهم وتربيتهم. سؤالي، مرة أخرى، هو: كيف أشر المركز السينمائي المغربي على هذا الشريط الذي يتخذ من الجنسية الفرنسية ذريعة للتصوير؟ وحتى إن كان شريطا أجنبيا، فهل يسمح ذلك للمركز السينمائي المغربي بأن يعطي لنفسه الحق (ومن ورائه الوزارة الوصية) في ضرب قيم المغاربة؟ أم إن الشأن السينمائي في المغرب، بعدما انخرط جزء منه في التطبيع مع الكيان الصهيوني، يريد أن يطبع مع الشذوذ الجنسي وأن يصبح بوقا لتمريره، بعدما قام بنفس الدور جزء كبير من الأدب الحالي المكتوب بالفرنسية؟ وهنا أتوجه إلى الوزارة الوصية التي يقودها وزير من العدالة والتنمية لطالما ندد بمثل هذه الأشرطة المتعسفة على قيم المغاربة ومعتقداتهم، عندما كان مسؤولا عن جريدة «التجديد»: لماذا يتم اليوم الصمت إزاء هذه الأشرطة؟ ما الذي تغير اليوم؟ كيف يتم التغاضي عن إعطائها تأشيرة التصوير؟ أم إن السيد الوزير لا يعلم بذلك؟ ولو صح ذلك لكانت هذه كارثة. فإذا كان المركز السينمائي المغربي تحت وصاية وزارة الاتصال، فهذه الأخيرة مسؤولة عن تصوير هذه الأفلام، إلا إذا كانت الوصاية شكلية فقط؟ فالمسألة تحتاج، إذن، إلى توضيح. ونحن على بعد أيام قليلة عن المناظرة الوطنية للسينما، نقول: إن السينما فعل ثقافي بامتياز، وهو فعل مسؤول؛ كما أن تدبير الشأن السينمائي (الذي يدخل في تدبير الشأن العام) هو تدبير مسؤول ويجب أن يراعي هوية المجتمع الذي ينتمي إليه؛ وليس لأحد أن يفرض على المغاربة إيديولوجيته أو تصوره للأشياء بحجة حرية الإبداع؛ فهذه ليست حرية وإنما فرعنة وعربدة يجب إيقافها لأنها أساءت إلينا كمغاربة وإلى إبداعنا السينمائي الذي غالبا ما يأتي بدون لونه الثقافي المغربي، رغم تزايد إنتاجه ورغم تقنينه، وحتى وإن تم تلميعه بكتاب أبيض أو وردي، فالتعليم عرف كتابه الأبيض من قبل ولم نرَ إلا سوادا وقتامه. نتمنى أن تطرح المناظرة بجدية وبصراحة هذه المواضيع الشائكة، وأن تجيبنا بصراحة: ما مكانة القيم والهوية في إبداعنا السينمائي؟ هل يؤخذ بعين الاعتبار هذا الجانب القيمي الذي يحفظه الدستور للمغاربة أم إن السينمائيين فوق أي اعتبار قانوني وديني ومعتقداتي؟ وهل سنرى مزيدا من الإنتاجات السينمائية الأجنبية المهينة لنا؟ وأخيرا، إذا كانت هناك ضغوطات تمارس على المغرب من طرف قوى خارجية، بخصوص الشذوذ الجنسي، كما هو الشأن بالنسبة إلى الإجهاض أو أشياء أخرى، فإن على المسؤولين عن المشهد السينمائي في بلادنا أن يعلنوا ذلك للمغاربة، حتى تزال عنهم المسؤولية أمام التاريخ، وحتى ينخرط المجتمع المدني (الذي أعطاه الدستور الجديد صلاحية كبرى) في التصدي لهذه الضغوطات وفي الحفاظ على الهوية الثقافية والاجتماعية لهذا البلد المسلم الذي يميز بين الانفتاح على الآخر وبين إهانة الآخر. ناقد سينمائي