في المغرب، هناك قاعدة ذهبية معروفة وهي «شي يديرها وشي يزلق فيها». ولعل آخر ما يؤكد هذه القاعدة هو الحكم الذي أصدرته الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ضد «راديو مارس» بالتوقيف لمدة 48 ساعة والغرامة بسبب تصريح حول الجمهورية المغربية قاله هشام عيوش لمايكروفون أحد برامجها. وعوض أن تطبق النيابة العامة القانون مثلما طبقته الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وتقرر متابعة صاحب التصريح «الجمهوري»، فضلت أن تقتصر العقوبة على الراديو بمفرده. طبعا فاسم مدير الراديو ليس «عيوش»، ولذلك فالقانون سيطبق عليه بالحرف. أما ابن عيوش المدلل فقد سكت حتى سكت وعندما نطق «طبز» لها العين مرة أخرى. هكذا أكد هشام عيوش ما كان متداولا منذ مدة من كونه كان يقود سيارته في الدارالبيضاء فإذا بالشرطة توقفه وتعتقله وتقوده إلى مخفر الأمن. والسبب، في نظره، تافه وسخيف، ويتعلق بوضعه على سيارته يافطة تحمل شعار «ثورة الحمص». في مخفر الأمن، سألوه عن القصد من حمل يافطة تتحدث عن «ثورة الحمص» بشكل بارز في سيارته. فبدأ الولد يدخل ويخرج في «الهضرة»، إلى أن جاء والده وخلصه من تلك الورطة قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. فالوالد يعرف جيدا ما معنى المس بالمقدسات. وقد جرب بنفسه ذلك عندما حاول التطبيع مع موضوع الشذوذ الجنسي في مجلته «كلمة» خلال الثمانينيات، قبل أن يتم سحب العدد من السوق ويتم توقيف المجلة. وطبعا، لم تتم متابعة نور الدين عيوش ولا محاكمته، تماما كما لم تتم متابعة ابنه اليوم، وكل ما في الأمر أن الأمن بحث عن «المتورطين» في الملف وأعطاهم «طريحة ديال العصا». ومن ذلك اليوم، فهم عيوش الدرس و«قلبها» إشهار وتفرغ للصفقات وجمع المال ونسي مجلته إلى الأبد. لكن يبدو أن آفة «التبرزيط» هي كل ما ورثه عن والده. فقد قال الولد هشام عيوش، في آخر حوار أعطاه لمجلة نسائية، إنه لا يدين لأبيه بشيء، بل يدين بكل شيء لأمه الفرنسية، ميشيل، التي صنعته كما هو اليوم. وميشيل هي الزوجة الفرنسية الأولى لعيوش، أم المخرجين السينمائيين نبيل وهشام عيوش. الجديد في موضوع هشام عيوش وقضيته مع «الجمهورية المغربية» و«ثورة الحمص»، هو أنه امتلك الجرأة لكي يعترف بحقيقة ينكرها كثير من أبناء الفشوش. فقد قال، مجيبا عن سؤال حول الدور الذي لعبه الوالد نور الدين عيوش في إخراج شعرة ابنه من هذه العجينة الحامضة التي وضع نفسه فيها: «كون كنت ولد الشعب كون لقيت المشاكل»، يعني أن هشام عيوش «حيت ماشي ولد الشعب ما لقاش المشاكل»، أي أنه ولد «شي حاجة خرا من غير الشعب». ببساطة شديدة، هشام عيوش يضع نفسه ضمن أبناء «الألبة» الذين لا يسري عليهم القانون في المغرب. وهو يقولها ويفتخر بها، وهذه على الأقل مزية تحسب له. أكثر من ذلك، فهشام عيوش يذكّر من هو بحاجة إلى تذكير بأنه عاش وكبر في فرنسا، أي أنه مواطن فرنسي يحمل جواز الجمهورية الفرنسية، بلاد الثورة والثوار. وطبعا، ليس «ثورة الحمص» التي كان يحمل شارتها في سيارته، وإنما ثورة إسقاط العرش وقطع رأس الجالس فوقه ودك سجن «لاباستيل». وهو إذ يفتخر بكونه يدين بما هو عليه اليوم لأمه الفرنسية أساسا، عوض والده المغربي الذي يحتاج مساعدته في كل مرة «يزبلها»، فإنه يريد أن يقول إن تربيته فرنسية وأفكاره فرنسية وحتى أحلامه وطموحاته فرنسية. أما المغرب فيصلح لشيء واحد فقط، عندما يحتاج ابن عيوش المدلل ميزانية لإنجاز فيلم سينمائي فإنه يشهر جنسيته المغربية ويقدم طلبا إلى المركز السينمائي المغربي للحصول على الدعم، وهو بالمناسبة الدعم الذي يخرج من جيوب دافعي الضرائب المغاربة الذين يمثلون عموم الشعب، الذي لا ينتمي إليه هشام عيوش. فالشعب، في نظره، لا يصلح سوى لدفع الضرائب التي يستفيد منها هؤلاء المخرجون السينمائيون الذين يحمل أغلبهم جنسيات أجنبية، والذين لا يتذكرون جوازات سفرهم المغربية إلا عندما يصطفون أمام شباك المركز السينمائي المغربي للحصول على مئات الملايين من الدراهم كل سنة. وبما أن هؤلاء المخرجين السينمائيين العباقرة يحملون جنسيات أجنبية، فلماذا لا يتقدمون بسيناريوهات أفلامهم إلى لجان القراءة بالمراكز السينمائية لهذه الدول التي يحملون جنسياتها طلبا للدعم؟ لماذا لا يطلب نبيل عيوش وهشام عيوش دعم المركز السينمائي الفرنسي ماداما مخرجين فرنسيي الجنسية؟ ولماذا لا يطلب أحمد بولان دعم المركز السينمائي الإيرلندي مادام يحمل الجنسية الإيرلندية؟ ولماذا لا يطلب نور الدين الخماري دعم المركز السينمائي النورويجي ما دام يحمل الجنسية النرويجية؟ ولماذا لا يطلب داود ولاد السيد وليلى المراكشي وزينون وعزيز السالمي وليلى كيلاني وكثيرون غيرهم الدعم من المركز السينمائي الفرنسي ماداموا يحملون الجنسية الفرنسية؟ والشيء نفسه بالنسبة إلى ابني حكيم نوري الإسبانيين، عماد وسهيل، (أو سويل كما يحلو لهم مناداته) واللذين لم يجدا من يمول أفلامهما السخيفة في إسبانيا فجاء بهما إلى الرباط أبوهما حكيم نوري، الذي جاء بدوره إلى السينما من «الديوانة»، لكي يأخذا أموال دافعي الضرائب كدعم لتصوير فيلم سخيف اسمه «أبواب جهنم»، وفيلم آخر أسخف من الأول اسمه «الرجل الذي باع العالم» شاركا به في مهرجان مراكش الدولي وخرجا منه خاوي الوفاض. «لاواه الرجل الذي باع القرد وضحك على من شراه، ماشي الرجل الذي باع العالم». السبب في عدم تجرؤ هؤلاء المخرجين على طلب دعم المؤسسات السينمائية العمومية للدول الأوربية التي يحملون جنسياتها هو معرفتهم الأكيدة بأن أفلامهم لن تستطيع الحصول على مليم واحد من أموال دافعي الضرائب دون أن تخضع للمحاسبة والمراقبة، هذا إضافة إلى سخافة قصص أفلامهم وضحالة مستواها الفني والسينمائي والتي يجب أن يكون أعضاء لجنة القراءة حميرا لكي يوافقوا على منحها تأشيرة الدعم. وعلى ذكر «تاحيماريت»، فقد أصبحت الموضة اليوم عند بعض هؤلاء المخرجين هي تبرير عدم فهم الجمهور لأعمالهم السينمائية و«طبزاتهم» الإعلامية بكونهم أقرب إلى الحمير منهم إلى أي شيء آخر. وقد قالها مخرج «ملائكة الشيطان» أحمد بولان، في آخر حوار أجرته معه مجلة أسبوعية، عندما قال متحدثا عن نفسه: «هناك من يعتبرني ذكيا وهناك من يعتبرني مجنونا، لكنني شخصيا أعتبر نفسي حمارا عديم التربية». وتكفي للتأكد مما يقوله بولان عن نفسه العودة إلى أفلامه وتصريحاته وتصرفاته في المناسبات العامة لفهم التربية التي يقصدها بالتحديد. وسيرا على هذه العادة الحمارية الجديدة، «أعزكم الله»، قرأنا للمخرج المبتدئ هشام عيوش الشيء نفسه في آخر حوار أعطاه لمجلة معروفة عنها مساندتها لحركة «الحمير الجدد» التي تجلت خصوصا في تبنيها ودفاعها عن حركة «حمير وبيخير»، يعترف فيه دفعة واحدة بكونه «حمار» و«مكلخ» و«ماشي مهم». ورغم هذه الكمية «المحتمرة» عفوا، المحترمة، من «التكلاخ» و«تاحيماريت» التي ينسبها المخرج المبتدئ إلى نفسه، فإن ذلك لم يمنع مدير المركز السينمائي نور الدين الصايل، فرنسي الجنسية بدوره، من تبني أفلام هذا «المكلخ»، وإعطائه 450 مليون سنتيم من أموال دافعي الضرائب لكي يصور «تاحيماريت ديالو» ويعرضها على المغاربة. وعندما لا يفهم الجمهور هذه «التاحيماريت» المصورة يجيبهم المخرج بأنه فنان يتكلم في العبث، يعني «بزاف عليكم تفهمو داك الشي ديالي». وهو التبرير نفسه الذي أعطاه الأخوان نوري مباشرة بعد عرض فيلمهما «الرجل الذي باع العالم» في مراكش وخرج المتفرجون من القاعة وعلامات الحيرة بادية على وجوههم. فقد اكتشفوا أنهم «ماقشعو حتى لعبة» في هذا الفيلم العجيب الذي اختاره الصايل لكي يمثل المغرب. وقد ذكرني موقف الجمهور الذي لم يفهم فيلم الأخوين نوري بما أجاب به أحد أساتذتنا أحد الطلبة عندما فشل في إدخال فكرة إلى رأس الطالب، حيث قال له: - نتا يا إما حمار يا إما ما قاريش، القراية راك قاري، حمار الله أعلم... وهكذا كانت نتيجة إعطاء الدعم لهشام عيوش هي «نجاحه» في تصوير لفيلم «ماعند بوه لا ساس لا راس» اعترف عيوش بنفسه بأن الجمهور لم يأت لمشاهدته. هشام عيوش يتحدث عن العبث، وطبعا يقصد العبث بمفهومه الفلسفي أي L'absurde. لكنه يجهل أن العبث الحقيقي الذي يمارسه ليس العبث الفلسفي وإنما العبث «الفلايسي» بأموال دافعي الضرائب. وفي الوقت الذي بدد فيه عيوش 450 مليون سنتيم على فيلم سخيف، نرى كيف يضرم الدكاترة المعطلون النار في أجسادهم بسبب 3000 درهم في الشهر يحلمون بها منذ تخرجهم. مشكلة هؤلاء «الدراري»، الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، هي أنهم يخلطون بين الحكمة والحمق وفلسفة العبث كما مارسها وتحدث عنها كبار الفلاسفة، وبين «تاحيماريت» و«التكلاخ» و«الفشوش» و«جيب يا فم وطلق»، معتقدين، عن غباء حينا وعن سوء نية أحيانا أخرى، أن هذه هي الطريق الأسرع إلى الشهرة والمجد والثروة. رسالة هؤلاء «الدراري» ورسالة المركز السينمائي الذي يمول أفلامهم والصحافة التي تقف وراءهم واضحة: «اللي بغا يربح خصو يكون مكلخ». بعبارة أوضح، شعار «حمير وبيخير» انتقل من الخطاب الصحافي إلى الخطاب السينمائي. «الله يحد الباس وصافي».