سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أثلاتي: الخطاب الملكي كان عتابا مباشرا لممثلي الأمة تضمن إشارات توجيهية محددة للسلوك الرقابي تدعو إلى القطع مع الممارسات المتجاوزة والتطوير الجذري للعمل البرلماني
يحلل طارق أثلاتي، الأستاذ الباحث في العلوم السياسية ورئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، في هذا الحوار، مضامين الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، ويتطرق إلى أهم ما حمله هذا الخطاب في تركيزه على مجموعة من التوجيهات الملكية، وكيف يجب على البرلمانيين أن يتعاملوا مع هذه الرهانات المطروحة عليهم. - ما هي القيمة الإضافية المرتقبة للمدونة الأخلاقية التي دعا الخطاب الملكي إلى خلقها، في سبيل تخليق الحياة البرلمانية؟ الشيء المؤكد هو أن الخطاب الملكي كان دقيقا ومركزا في محددات جوهرية، تلخص الإكراهات المحتملة لكل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، في ظل ظرفية دقيقة من تاريخ المغرب، لكي تضطلع كل سلطة بأدوارها المرتبطة بالمجال التشريعي في أهم القضايا المكملة للدستور، كما أن الخطاب جاء في صيغة ملتمسات توجيهية تجسيدا للدور القوي للمؤسسة الملكية في حلحلة الأوضاع السياسية بأبعادها الدستورية، استشرافا لأيام بعيدة عن اللامبالاة السياسية. طلب جلالة الملك من المؤسسة التشريعية صياغة «مدونة أخلاق ذات بعد قانوني»، يأتي في سياق التذكير بالضمانة الأساسية التي قدمها الملك للشعب من خلال خطاب 9 مارس، الذي كرسه دستور يوليوز 2011، وهي القطيعة مع الممارسات القديمة التي التصقت بالبرلمان في مرحلة ما قبل الربيع المغربي. ومن هذا المنطلق، كان تأكيده على النواب للتحلي بالشجاعة والحزم في مواجهة توقعات الشارع المغربي، وذلك في إشارة إلى السياق الزمني الذي دخله المغرب ما بعد الانتخابات التشريعية في نوفمبر، وهي إجمالا دعوة لممثلي الشعب إلى الابتعاد عن سوء تقدير المرحلة وتقدير مكانة البرلمان في الدستور الجديد، من حيث إنه مصدر وحيد للتشريع الذي توسعت مجالاته، وكذلك سلطاته في تقويم السياسات العمومية، ووضع قوانين مؤسسة خلال الولاية التشريعية، بل إن الخطاب جاء ليلقي باللوم على المؤسسة التشريعية، إذ بعد عشرة أشهر من الاشتغال، بدا واضحا أن المدة قد خضعت لمنطق المزايدات السياسوية بين الأغلبية والمعارضة، ومحاولة الظهور بمظهر الحزب القوي لدى المواطن، دون تعميق الاهتمام بالصلاحيات المخولة له دستوريا لضبط إيقاع الحكومة، سواء في علاقتها مع البرلمان أو في مدى تتبع تدبير السياسات العمومية. - الخطاب الملكي حث أيضا على الإسراع بإخراج القوانين التنظيمية، هل يمكن اعتبار ذلك عتابا ملكيا لممثلي الأمة بسبب بطء وتيرة اشتغالهم؟ حث الملك ممثلي الأمة على الإسراع بإخراج القوانين التنظيمية هو عتاب مباشر، وتحميل للمسؤولية في ظرفية لا تقبل البطء أو التباطؤ، لأن هذه المسألة بالذات جسدت صورة سيئة عن مقاربة اشتغال المؤسسة التشريعية التي تعكس مدى عدم قدرة البرلمان على الانضباط للهندسة القانونية في مضامين الدستور، بما يخدم المرحلة التاريخية الدقيقة بالمغرب دون تجميد الوضع كما يحصل حاليا، لأن استمرار حالة شبه الجمود يعطي انطباعا للمتتبعين داخليا وخارجيا بأن هناك سوء تقدير للمرحلة التي يمر بها المغرب؛ وتحميل الملك المسؤولية الكاملة لممثلي الأمة تجد أساسها في أن السلوك البرلماني لم يرتق بعد إلى مستوى السلطات الجديدة للبرلمان والرهانات المطروحة عليه، ومن البديهي أن يتضمن الخطاب الملكي، المستشرف للأفق الدستوري الجديد لممثلي الأمة، إشارات توجيهية محددة للسلوك الرقابي والتشريعي، تدعو إلى القطع مع الممارسات المتجاوزة والتطوير الجذري للعمل البرلماني، إذ إن حالة التردد والتذبذب غير مفهومتين وغير مقبولتين، لأن تنزيل الدستور لا يعني انتظار التعليمات، بل التحلي بالشجاعة والحزم في ممارسة صلاحياته الدستورية. - وردت الإشارة إلى مجلس المستشارين في الخطاب الملكي، كيف تتوقع حل هذا الإشكال القانوني ارتباطا بالقانون التنظيمي للجهوية الموسعة؟ بدا واضحا حث الملك للبرلمانيين على المشاركة في أعمال المؤسسة التشريعية مع احترام المعارضة، مطالباً بالوصول إلى مصالحة مع كل الذين أصابتهم خيبة أمل في العمل السياسي، وذلك انطلاقا من أهمية المؤسسة التشريعية في البناء الدستوري الجديد، داعيا البرلمان إلى إعطاء الأولوية في التشريع للجهوية كنظام للإدارة في المملكة، مع إعادة النظر في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية في البرلمان، وذلك قبيل الانتخابات المحلية التي ينتظرها الرأي العام، غير أن واقع حال مجلس المستشارين يجسد حالة التيه التي فرضها المنطق السياسي على القانوني، لأن اشتغال مؤسسة دستورية بمضامين دستورين أمر غير مقبول ولا يحسب قيمة مضافة لتوجهات المغرب الكبرى، فمجلس المستشارين لا زال خاضعا لقوانين دستور 1996، بينما الجهوية التي يراهن عليها المغرب كمدخل أساسي للإصلاحات وإقامة بناء الدولة الحديثة لا زالت تراوح مكانها، نظرا للعقم الدستوري الذي يصيب المؤسسة التشريعية، و هو أمر يسيء لسمعة البلاد في عدم احترام القانون الأسمى من طرف ممثلي الأمة؛ و لعل المزايدات السياسية وحب المسؤولية دون محاسبة لا زالت سمة أساسية في منطق التعامل مع المقتضيات الجديدة للدستور. - الخطاب الملكي ركز أيضا على إصلاح المنظومة القضائية، كيف يمكن للبرلمان أن يساهم في هذا الإصلاح إلى جانب الهيئة العليا للحوار حول إصلاح القضاء؟ شدد الملك على ضرورة مساهمة المؤسسة التشريعية في ملف إصلاح العدالة، انطلاقا من الالتزام بالدستور، وجعل استقلالية القضاء حجرا للزاوية، وبالتالي التوجيه الملكي في هذا الباب جسدته الدعوة إلى الانكباب على وضع القوانين التنظيمية للقضاء من خلال الإحالة على الالتزام بروح الدستور، كما أن دور البرلمان في هذا الباب تعكسه قدرة ممثلي الأمة على وضع قوانين هيئات الحكامة الساهرة على الالتزام بمقتضيات الدستور. فالاستقلال الكامل للسلطة القضائية يعني أنه لا يجوز باسم أي سلطة سياسية أو إدارية، أو أي نفوذ مادي أو معنوي، التدخل في أي عمل من أعمال القضاء، أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال، ولا يجوز لأي شخص أو مؤسسة من السلطة التنفيذية، ولو كان وزير العدل، أن يتدخل لدى القضاء بخصوص أي قضية معروضة عليه للبت فيها، أو ممارسة ضغط مباشر أو غير مباشر للتأثير على المحاكم فيما تصدره من أحكام قضائية، وألا يخضع القضاة وهم يزاولون مهامهم إلا لضمائرهم، ولا سلطان عليهم غير القانون. ولضمان الاستقلال التام للقضاء، وتحصينه في مواجهة الضغوط والمغريات، وضمان نزاهته وفعاليته، لابد من تنزيل مفهوم القضاء كسلطة قائمة بذاتها، وتوفير الشروط المادية والمعنوية الضرورية لحسن سير العمل القضائي، وتوفير الضمانات الكافية لتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية في مواجهة كل الجهات التي يُحكم ضدها على قدم المساواة، فمسؤولية البرلمان اليوم تاريخية وكبيرة في تنزيل قوي لبنود الدستور في المجال القضائي بما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية المرجوة. - الخطاب الملكي دعا إلى «تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة»، هل هذا دليل على وجود بعض العراقيل في وجه هذا التفعيل؟ لعل ترجمة الفصل الخامس من الدستور، الذي يعتبر الأمازيغية لغة رسمية للمملكة، إلى سياسات عمومية تعطي للأمازيغية المكانة التي تستحقها، من شأنها أن تعزز المكتسبات التي تحققت في كل المجالات، خلال العشرية الأخيرة بفضل التوجيهات الملكية، ومن شأن إصدار القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية في مرحلة يعيش فيها المغرب وضعا سياسيا متميزا وتحولا تاريخيا أن يبعد القضية الأمازيغية عن الحسابات الضيقة والمزايدات السياسية التي تصاحبها سواء من الداخل أو من الخارج. فالمؤكد أن التأخير الحاصل بالبرلمان في تنزيل بنود الدستور يحيل على معارك سياسوية، بين المزايدين على مستوى التأويل القانوني لمضامين الدستور، بل يحيل على أنواع متعددة من الديماغوجية، من قبيل أن ما ورد في الدستور مجرد ذر للرماد في العيون من أجل تجاوز توعكات الربيع العربي. - هل تعتقد أن البرلمان والحكومة قادران على الاستجابة للتطلعات الملكية في ظل هذه الانتظارات الكبرى؟ في الواقع الاستجابة للتطلعات الملكية من طرف البرلمان والحكومة ترتبط بقدرة المؤسستين على تفعيل التنزيل للدستور في إطار احترام مرجعية الوثيقة وروحها، وذلك من خلال تأويله تأويلا ديمقراطيا، فالدعوة الملكية لإعطاء الأولوية لقوانين الجهات ومجلس المستشارين بصفتها مرتبطة بهيكلة الدولة والسلطة التشريعية، والتعجيل بقوانين القضاء باعتباره الضامن لاستقلال السلطة القضائية ولتحقيق العدالة الاجتماعية كضمانة أساسية للرقي بالمجتمع، كلها أمور تتطلب تفاعل المؤسستين التشريعية والتنفيذية مع كل القضايا المطروحة بجدية وواقعية، لاستكمال عملية التأسيس للمنظور الديمقراطي في العلاقة بين الملك و ممثلي الأمة من جهة، ومع الشعب مباشرة من جهة أخرى وفي ذلك التزام بروح الخيار الديمقراطي والطابع البرلماني الوارد في الوثيقة الدستورية.