رغم معاناة صالح (إقليم اخريبكة) من تبعات الفقر والهشاشة الاجتماعية طيلة سنوات، لم تغير هذه الأوضاع من عزيمته في البحث عن ابن يكفله رفقة زوجته، حيث انهالت عليه «النصائح» من المعارف وأفراد العائلة، لإيجاد حل عاجل يمكّنه من الإنجاب، فدشّن هذا المتقاعد مشوار إيجاد حل للوضع، بالبحث عن المشعوذين والأطباء ومؤسسة للرعاية الاجتماعية والقضاء لمحاولة للتخلص من «الوحدانية»، بعدما أصبحت حالته حديثَ الناس بسبب عقمه. تردد الشخص العقيم، أكثر من مرة، على محلات الشعوذة، بعدما كان يعتقد أن سبب عقمه يعود إلى «السحر». وبعدما طرح مشكله على المشعوذين، فاجأه هؤلاء أن مشكلته بسيطة ولديها «حل»، شريطة اتباع نصائحهم وممارستها في وقتها المحدد، فتفاءلت زوجة صالح، هي الأخرى، بقرب الحصول على مولود يقيهم شرّ «الوحدانية»، فما كان من زوجها إلا اتّباع أوامر المشعوذين في تناول الأعشاب المخصصة لحل مشكل العقم. ظل صالح يتناول هذه الأعشاب، لمدة سنة ونصف، وكلما قصد مشعوذه تفاءل خيرا بحمل زوجته، إلا أن صالح اكتشف، بعد مراحل عسيرة من تناول الأعشاب، انعدام الأمل في تحقق طموحاته، وهو ما زاد من يأسه ومضايقة المعارف والأصدقاء. لكن صالح كان محظوظا، بعدما تدخل له أفراد عائلته في البحث عن طبيب متخصص، حيث اعتقد هذا العجوز، مرة أخرى، أن مشكله يسير نحول الحل، وكشف للطبيب المختص جميعَ المراحل التي بحث فيها عن المولود والتخلص من عقمه. وبعد تشخيص لحالته الصحية والنفسية وإجراء تحاليل طبية، فاجأ الطبيب المختص صالح باستحالة تحقيق مطلبه في الإنجاب، ليصطدم بكلام الطبيب، ببرودة دم: «حيواناتك المنوية ميتة».. ولا تستطيع التفاعل مع البويضة لحصول الإخصاب، مما أحدث صدمة نفسية قوية لهذا الرجل. وتكفل الطبيب بمنحه أدوية لتفادي إصابته بمرض نفسانيّ، لكن الصدمة الخطيرة هي التي أصيبت بها الزوجة بعد علمها بفقدانها الأمل في الإنجاب رفقة شريك حياتها، حيث تقاطرت «النصائح» من مختلف معارف وأصدقاء صالح بضرورة التوجه إلى دار للأيتام للحصول على طفل بالتبني، فعاد الأمل نسبيا إلى الأسرة. قرر صالح التوجه إلى دار للأيتام، حيث تربّص أمامها لمعاينة الأطفال الصغار، وهم يدخلون ويخرجون من الدار، فاقتنع، في نهاية المطاف بضرورة كفالة طفل من مؤسسة الرعاية الاجتماعية. كان صالح صريحا في كلامه مع مسؤولي المؤسسة، الذين حاولوا الحصول منه على جميع المعطيات حول حالته الاجتماعية والمادية ومعرفة الأسباب الرئيسية في عدم إنجابه، فطلبت منه المؤسسة مهلة قبل تلبية طلبه، إلى حين استشارة المسؤولين واتباع المساطر القانونية التي تشرعها وزارة العدل في تبني الأطفال المتخلى عنهم. عاد صالح، مرة أخرى، رفقة زوجته، إلى مركز حماية الأطفال المتخلى عنهم، فكان جواب المسؤولين هو ضرورة توجّه طالب الكفالة إلى مكتب قاضي التحقيق، فسرد هذا المتقاعد من جديد تفاصيل عن أسباب عدم إنجابه من زوجته، كما كان صريحا في الحديث أمام القاضي حول أوضاعه الاجتماعية والمادية والنفسية، بعد أن تلقى صدمة أخرى انضافت إلى الصدمات السابقة، لكنه أخبِر أن القانون يمنع ضمنيا كفالة الأيتام على العائلات التي لا تتوفر على شروط مادية، بإمكانها أن تضمن للطفل المكفول العيش في وضع مريح.. ظل صالح ينتظر، على أحرَّ من الجمر، ما ستكشف عنه الأبحاث القضائية بمساعدة أعوان السلطات المحلية، لكنّ الحظ كان دائما «معاكسا» لهذا الرجل الخمسيني، بعدما توصلت المحكمة الابتدائية بتقرير يفيد أن صالح لا يتوفر على الإمكانيات المادية والنفسية اللازمة لكفالة طفل يتيم، ولذلك رفضت المؤسسة الاجتماعية طلبه بناء على القوانين الصادرة عن القضاء، رغم «اختيار» صالح «الابنَ» وتعوده على زيارته بين الفينة والأخرى داخل ملجأ الأيتام، إلى درجة أنه أصبح يناده «وْلدي».. لكن الوضع الاجتماعي لهذا الرجل حال دون أن يكون «والد» الطفل بالتبنّي، فتأكد هذا المتقاعد أن الأمل صار منعدما في المشعوذين والأطباء المتخصصين ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، التي تفرض شروطا صارمة للسماح للراغبين في ذلك بالتكفل بالأطفال المتخلى عنهم، رغم «اكتظاظ» هذه المؤسسات بالمئات منهم.. بعد انسداد جميع الأبواب في وجه صالح، بدءا من المشعوذين وبائعي الأعشاب والأطباء، وأخيرا مؤسسات الرعاية الاجتماعية، بدأ صالح يفكر في حل «انتقاميّ» لوضعه الصحي بسبب العقم ووضعه الاجتماعي والمادي، فكان «حله» الأخير هو التفكير في تبني طفل من البادية ومنحه نسبَه العائلي، فتوجه إلى إحدى القرى القريبة المجاورة لخريبكة، وبحث عن أحد أعوان السلطات المحلية للتحري بشأن نسوة يبحثن عن كفيل لأولادهن.. ظل عون السلطة على اتصال دائم بصالح، إلى أن توصل، عن طريق الصدفة، بمعلومات تفيد بوجود فتاة قاصر ترغب في الوضع، بسبب علاقات جنسية غير شرعية.. قبلت الفتاة وأمها بمنح المولود لصالح، شريطة عدم كشف السر في القضية وإخبار المولودة الرضيعة، في المستقبل، بوالدتها البيولوجية، حيث تلقت العائلة جميع التطمينات حول كفالة ابنتها ورعايتها وتربيتها وحمايتها، إلى جانب النفقة على الأم في حالة تعرضها لمكروه. ابتهج صالح فرحا ووافق على جميع الشروط التي فرضتها عائلة الطفلة، حيث وجد حلا لمشكلته النفسية والاجتماعية، ولم يُكلّفه هذا الحل سوى 100 درهم سلّمها لعون السلطة الذي تكلف بالبحث له عن طفلة بالتبني، حيث ظلت هذه الأسرار محصورة بين صالح وعون السلطة وعائلة الطفلة، رغم «الفضول» الذي واجهه المتبني من قِبل العائلة ومعارفه، دون أن يتمكنوا من اكتشاف حقيقة عائلة الطفلة الحقيقية، بعدما كان يؤكد لهم أنه تكفل بها من مؤسسة الرعاية الاجتماعية، بعد سلوك مساطر قانونية.. وأمام عدم اكتشاف الأمر، اضطر صالح إلى منح نسبه العائلي إلى الطفلة المتكفَّل بها، حيث استطاع الحصول على جميع الوثائق بطريقة غير قانونية لتسجيلها في كناش الحالة المدنية، وكأن هذه المولودة من إنجاب زوجته، من بعد مرور أكثر من سبع سنوات انكشفت الفضيحة، إلا أن صالح نفذ جميع شروط العائلة، حيث صارحت زوجته الابنة المتبنية بعائلتها الحقيقية، التي تقطن بإحدى القرى، وبدأ تبادل الزيارات بينهما، دون أن يكون لذلك أي تأثير نفسي على حياتها.