اتصل سجين عبر الهاتف وبدأ في سرد ما يجري داخل السجن: هل تعلم بأن مدير السجن يبيع «البورطابلات» مقابل ألف أو ألفي درهم للهاتف الواحد، وأن سماسرته هم الذين يبيعون بطاقات التعبئة بمختلف أشكالها، وأن كل بطاقة تباع بأكثر من ثلاثة أضعاف سعرها الرسمي؟ لم ينتظر السجين جوابا وأكمل: مدير السجن يتلقى أيضا هدايا كثيرة من تجار مخدرات، وتصله كل أسبوع قنينات «ويسكي» و«فودكا» ومختلف أشكال النبيذ، يتكلف بجلبها سجناء من عيار ثقيل، يأتون بها من مدن معروفة ويقدمونها هدية إلى المدير وأعوانه مقابل أن يتصرفوا في السجن كما لو أنهم في منازلهم. يتصل سجين آخر ويقول: لدينا مدير يقضي نهاية الأسبوع رفقة أشخاص وازنين في فيلا بمنطقة (...)، حيث يسهرون حتى الصباح رفقة الشيخات. إنه يجمع الملايين من حالة الفوضى التي يزرعها داخل السجن، ويتلقى إتاوات أسبوعية أو شهرية من المساجين الأغنياء، سواء كانوا تجار مخدرات أو غيرهم. سجين آخر يتكلم بغضب ويقول: جاءني حارس السجن المسمى (...)، وأعطاني ثلاثة كيلوغرامات من الحشيش وطلب مني أن أبيعها السجناءَ. قال لي إنه سيعطيني نصيبي من الأرباح، لكني أعرف أنه يكذب، لأن كل ما سيفعله هو أنه سيتوقف عن مضايقتي فترة من الوقت. ويضيف السجين: قلت للسجان إني موافق، ثم أخذت الحشيش وزعمت أني سأبيعه، لكني طلبت فورا مقابلة مدير السجن ووضعت كمية الحشيش فوق مكتبه وحكيت له كل ما جرى، لكن عوض معاقبة حارس السجن، وجدت نفسي أُنقل من السجن الذي كنت فيه، والقريب من عائلتي، نحو سجن آخر في مدينة بعيدة، بل وضعوني بين سجناء محكومين بالإعدام. سجين أرسل رسالة مع أحد أفراد عائلته. تقول بعض فقرات الرسالة: مروجو المخدرات الكبار يتاجرون أيضا في أمكنة النوم، ويتاجرون كذلك في أعراض سجناء يضعونهم في خدمة سجناء مهووسين جنسيا. وفي شهر فبراير الماضي، انتحر أحد السجناء بواسطة خيط حذائه، حيث اقتحم الحارس زنزانتنا وهو يدخن وطلب منا أن نقرأ الفاتحة على السجين المنتحر. سجين آخر اتصل هاتفيا وقال بصوت خفيض: هل عرفتم سبب موت السجين (...) يوم أمس؟ لقد مات بجرعة كوكايين مغشوشة باعه إياها أحد حراس السجن. لقد انتفخ جسده وظل يصرخ الليل كله ثم مات. في الصباح حملوه إلى المستشفى، بعد أن مات، وقالوا إنه مات هناك. امرأة عجوز، أم لسجين، تشتكي بمرارة: الله ياخُذ فيهم الحق. إنهم «يبهدلوننا» في أبواب السجن. أسافر من مدينتي نحو المدينة التي سجن فيها ابني لكي أقدم إليه أكلا ومالا، ودائما أدفع الرشوة للحراس لكي يدخلوا الأكل لابني، لكنهم يأخذون أحسن ما فيه. إنهم يشتمون النساء، من قريبات السجناء، ويسمعونهن ألفاظا نابية ويتحرشون بهن. هؤلاء وحوش وليسوا حراسا. يتصل سجين آخر ويقول: اسمعني جيدا، أوصلوا إلى وزير العدل أن المدير (...) في سجن (...) صار يستعمل الخلوة الشرعية، التي تسمح للسجناء المتزوجين بلقاء زوجاتهم، لأغراضه الخاصة. إنه يكتري تلك الغرف لسجناء ميسورين وتجار مخدرات يأتون بعاهرات أو صديقات في عدة أيام في الأسبوع. إن ثمن الخلوة غير الشرعية يتجاوز أحيانا مليون سنتيم. أحد أقرباء سجين يتصل مفزوعا ويقول إن السجناء هناك لا يجدون قطرة ماء يشربونها، وأن سعر كوب ماء صار أغلى من كأس نبيذ في حفل رأس السنة. أما الماء من أجل الاغتسال فصار ترفا لا يناله إلا ذوو حظ عظيم. ويضيف الرجل قائلا: إدارة السجن قالت للسجناء إن المدينة كلها تعاني من شح المياه، لكن السجناء ليسوا أحرارا مثل باقي السكان لكي يتحركوا للبحث عن الماء، إنهم مثل فئران في جحر، وسيموتون لو تأخر تزويدهم بالماء. رجل، يزعم أنه يعرف، قال: هل سمعتم بهروب ذلك السجين الشهير والغني من سجن (...)؟ إنه لم يهرب قط. لقد كان يخرج كل ليلة ليسهر في أي مكان ثم يعود صباحا. ومرة شرب كثيرا ونام ثم عاد متأخرا إلى السجن فوجد لجنة تفتيش. قال له الحراس لا يمكنك أن تعود إلى الزنزانة لأنك مسجل كهارب، ثم هرب رغم أنفه.