سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شعرت ببرد شديد في الحجز فمنحني ضابط إسباني سترته الرسمية وبتّ بها ليلة كاملة السجناء المتهمون بتهريب الحشيش يعتبرون داخل السجن رجالا يحظون بالاحترام.. وأسوأ السجناء هم المتهمون بالاغتصاب
في هذه المذكرات، يحكي مهرب تائب مسيرته المثيرة في تهريب الحشيش عبر البحر، بين المغرب وإسبانيا. مسيرة فيها الكثير من الإثارة والتشويق، لكنها أيضا مذكرات من أجل العبرة واستلهام الدروس. - من هم السجناء الآخرون الذين كانوا في سجن قادس؟ كان معنا كولومبيون، وأغلبهم متهمون بالاتجار في الكوكايين. كان هناك أيضا جزائريون كثيرون، وكلهم تقريبا متهمون بالسرقة. كان الجزائريون متفاهمين كثيرا مع المغاربة. كان معنا سجناء من سبتة، وأغلبهم تم ضبطهم بعد أن بلعوا مخدرات، هم غالبا يبلعون كيلوغراما أو كيلوغرامين ليعبروا بها الحدود بسلام. كان هناك أيضا سجناء كثيرون من كل الجنسيات، فرنسيون وإنجليز وإيطاليون وأفارقة وغيرهم. أتذكر أنه كان معنا سجين يهودي، وهو اليهودي الوحيد في السجن، وعمره كان حوالي 28 سنة، ولا أعرف نوع التهمة التي سجن بسببها، لكنني لا زلت أتذكره جيدا لأنه كان يبحث عن السجناء المسلمين لكي يتناول معهم وجبات الأكل لأنها حلال. أنت تعرف أن اليهود بدورهم يأكلون فقط اللحم المذبوح مثلنا، وكان يجلس معنا ويأكل إلى جانبنا، لكنه صموت وكتوم جدا. كان هناك سجناء خطرون، خصوصا من الغجر، لكن يكفي ألا تؤذيهم لكي لا يقتربوا منك. كان استهلاك المخدرات الصلبة شائعا رغم الحراسة المشددة، وكانت الإبر المستعملة تنتشر في مراحيض السجن، وهناك أيضا الكثير من بقايا استعمال «البابيلا»، أي استنشاق الهيروين عن طريق الحرق، وكان «الغْرام» الواحد يقسّم على ثلاثين جرعة، وكل جرعة تساوي حوالي 200 درهم، إذا حسبناها بالعملة المغربية. أنا شخصيا كنت أخفي بعض الهيروين معي بطلب من رفيقي في الزنزانة. لم أكن أعرف وقتها عقوبة من تُضبط معه، وكان الحراس يفتشوننا ونحن عراة تماما ولم يضبطوها معنا لحسن الحظ. لقد غامرت فعلا لأنه لو ضبطت معي لصارت عقوبتي 12 سنة. - ألم يكن الحراس متورطين مع تجار المخدرات داخل السجن؟ لا أعتقد ذلك بالمرة، والحراس كانوا ملتزمين جدا بالقوانين والتعامل بصرامة مع كل السجناء على قدم المساواة، بل إنه لو دخل ذلك السجن شخص غني جدا فلن يعيش أفضل من أفقر سجين. المعاملة واحدة بين جميع السجناء. وعندما دخلت السجن أعطاني الحراس كتيّبا، بالإسبانية والعربية، يتضمن حقوق وواجبات السجناء، ولم أجد في الواقع شيئا مختلفا عن ذلك الكتيّب. - وكيف كان تعامل مختلف السجناء مع بعضهم البعض؟ السجناء المتهمون بتهريب الحشيش يعتبرون داخل السجن رجالا يحظون بالاحترام، وأسوأ أنواع السجناء هم المتهمون بالاغتصاب، وخصوصا اغتصاب الأطفال. وأتذكر مرة أني كنت أقف في الطابور في انتظار الحصول على وجبة الأكل، وفجأة جاء سجناء آخرون وانقضوا على سجين إسباني كان يقف أمامي وأشبعوه ضربا، حاول الهرب فتبعوه وكادوا يقتلونه ولم يتدخل أحد لتخليصه. بعد ذلك عرفت أن ذلك السجين دخل السجن بتهمة الاغتصاب، لذلك أراد سجناء آخرون الانتقام منه، لأن الاغتصاب تهمة حقيرة جدا. - كنتم إذن تحظون بأكل خاص لكم كسجناء مسلمين؟ نعم، وكان مدير السجن يعاملنا بطريقة خاصة. كان متزوجا بمغربية من تطوان، وكان يعرف جيدا عاداتنا وتقاليدنا. وعندما يحل شهر رمضان، كان يخصص لنا برنامجا خاصا، ونتناول الحريرة والتمر، وأحيانا كان يأتي لنا المدير ببعض النعناع من منزله ويعطيه لنا لصنع الشاي. وأتذكر أنه هو من أخبرنا بحلول رمضان لأن زوجته قالت له إن الصوم سيبدأ غدا. في العيد يفعل الشيء نفسه ويهنئنا بمقدمه. لا أعرف إن كان هذا المدير الإسباني مسلما أم لا، وهو كان ملتزما أيضا بالقانون ولا يفرق أبدا بين السجناء، رغم أنه تعرض مرة لاعتداء بالسلاح الأبيض من طرف سجين مغربي سابق حين ضربه بسكين على وجهه وترك له ندوبا غائرة يحاول المدير إخفاءها بلحية خفيفة. هذا المدير، بعد أن عرف يوما اسمي العائلي، سألني عن شخص في منطقتي يحمل نفس اللقب، وقال لي إنه صديق طفولته، وأنهما كانا يدرسان معا في المغرب، وأن مدير السجن مولود في نواحي تطوان، وبالضبط في «ديوانة البرج»، حيث كان والده يشتغل جمركيا أيام الحماية. - وكيف كان الحراس الإسبان يعاملونكم كسجناء مغاربة؟ كانوا يعاملوننا وفق ما يمليه القانون، مع بعض اللطف. لكني أتذكر أن بعض الحراس كانوا يلوموننا لأن المغرب منع الصيادين الإسبان من الصيد في المياه المغربية. كانوا يقولون لنا لماذا تمنع حكومتكم علينا الصيد مع أننا نعطيها المال والمساعدات، لكن هذا لم يكن يمنع من نتناول السمك في السجن. كانوا أيضا منزعجين من الكلام الذي يدور حول سوء معاملة السجناء الإسبان في السجون المغربية وسرقة أكلهم وضربهم. وأعتقد أن الإسبان الذين يتم إطلاق سراحهم يحكون كل شيء بعد ذلك عن واقع سجون المغرب، وذلك يثير هلعهم. - ألا تنتشر الرشوة بين حراس السجن في قادس؟ بالعكس، إنهم أحيانا يعطوننا من جيبهم إذا لاحظوا أننا لا نملك المال لشراء أشياء من متجر السجن. كانوا أيضا يعطوننا سجائر، لكنهم يرفضون دائما سجائرنا. ومرة قال لي الحراس إنهم مستعدون لجمع الكفالة اللازمة لإطلاق سراحي. وفي كثير من الأحيان يظل بعض السجناء المغاربة بدون ملابس، فيأتي لهم السجناء بملابسهم الخاصة من منازلهم. أنا شخصيا كانت لي تجربة لن أنساها، فعندما قبض علي منحوني أكلا جيدا وسألني القاضي هل ضربني أحد وأجريت لي فحوص طبية. وفي مفوضية الأمن كنت أرتدي لباسا خفيفا، فمنحني ضابط إسباني سترته الرسمية، وعليها نجوم وزخرفة، لكي أبيت بها. وفي الصباح أعدتها له بعد أن حصلت على ملابس جديدة. أنا لا أنزه حراس السجن أو غيرهم عن الرشوة أو أي شيء آخر، لكني أحكي ما رأيته وما عشته، ولم يصدر منهم في حقي يوما شيئ سيئ، بل أحتفظ لهم بذكريات جيدة جدا.