حجبت فضيحة الرسومات الكارتونية وما رافقها من تهريج وضجيج إعلامي حدثين على درجة بالغة من الأهمية، يهمان بالأساس حاضر المسلمين في فرنسا والماضي المشع للإسلام: الحدث الأول سياسي والثاني فني؛ ففي التاسع عشر شهر شتنبر المنقضي، وفي عز الصخب الذي أثاره الفيلم المسيء إلى النبي محمد (ص)، أعلن جان-مارك أيرو، الوزير الأول الفرنسي، عن طرحه مشروعَ قانون يمنح حق التصويت في الانتخابات البلدية والمحلية للأجانب الذين يقيمون في فرنسا بكيفية شرعية منذ 5 سنوات والذين يؤدون واجباتهم الضرائبية. ليس المقترح بجديد؛ فقد سبق للرئيس الأسبق فرانسوا ميتران، لما ترشح في الثمانينيات لرئاسة الجمهورية، أن قطع على نفسه عهدا باتخاذ ما يلزم من تدابير من أجل أجرأة المقترح المذكور. لكن وبالرغم من مصادقة مجلس النواب عليه عام 2000، فإن اليسار، وعلى رأسه الحزب الاشتراكي، لم ينجح يوما في فرض هذا المطلب وإدخاله حيز التطبيق؛ كما أن اليمين واليمين المتطرف، ممثليْن في التجمع من أجل حركة شعبية وفي الجبهة الوطنية، تصديا بلا هوادة لهذا المطلب. ولا يزال التقاطب والجدال بين اليمين واليسار حول الموضوع ينشط الحياة السياسية في فرنسا، فقد انتفض حزب التجمع من أجل حركة شعبية قبل أسبوعين لطرح عريضة تحذر من خطر «الكومينوتاريزم»، الطائفية والإثنية، في حال تمرير هذا المشروع. غير أن الرد جاء على يد 75 نائبا برلمانيا من الأغلبية بتوقيعهم عريضة يطالبون فيها فرانسوا هولاند بالوفاء بوعده. وعلى صفحة «ليبيراسيون»، وقع الخضر (نواب برلمانيون، نواب في مجلس الشيوخ وفي البرلمان الأوربي) بيانا يناشدون فيه الرئيس بتطبيق المقترح رقم 50 من برنامجه الانتخابي ومنح الأجانب مواطنة جديدة تؤهلهم للاندماج في النسيج الاجتماعي الفرنسي، هم الذين يساهمون في البناء الفرنسي. في هذه الأثناء، حرك اليمين واليمين المتطرف إحدى الفزاعات العتيقة القائلة بمحاولة اليسار «زرع عنصر دخيل في جسم الهوية الوطنية الفرنسية»! المؤكد أن المعركة لا زالت في أشواطها الأولى ولم يكسبها اليسار بعد؛ كما أنه من غير المستبعد أن تغير الحكومة رأيها خوفا من الظهور بمظهر المتحالف مع «الأجنبي»، وهي كلمة أصبحت رديفة للإسلامي السلفي. ولا غرابة إن كان وزير الداخلية، مانويل فالس، الملقب ب«ساركوزي اليسار»، أول من أعرب عن تحفظه على تصويت الأجانب، متذرعا بأن هذا المطلب لا يشكل أولوية الأولويات بالنسبة إلى الحكومة. وبصريح العبارة، فهو يشاطر اليمين الأطروحة القائلة بأنه داخل كل مسلم يكمن متطرف! يبقى أن طرح الحكومة لمشروع القانون خطوة مهمة لا ندري هل ستليها خطوات عملية أخرى أم ستتراجع عنها مثل ما فعل فرانسوا ميتران لما أعلن أن الفرنسيين ليسوا بالنضج الكافي لتقبل فكرة تصويت الأجانب؟ الحدث الثاني هو افتتاح جناح الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر. بعد قرابة عشر سنوات من الأشغال وتكلفة مالية بلغت مائة مليون أورو، دشن أخيرا في الثامن عشر من شتنبر الماضي، على مساحة 3000 متر مربع، قسم الفنون الإسلامية الذي يعد بحق معلمة فنية وذاكرة جماعية وجامعة لفنون الإسلام، يمتد تاريخها ما بين القرن السابع والقرن التاسع عشر؛ ويضم الجناح 14000 قطعة أثرية بتكملة 3500 مشغول فني تم اقتناؤه من متحف الفنون الزخرفية؛ وبباحة فيسكونتي، يتموج سجاد مذهب يدعو الزائر إلى رحلة في ربوع حضارة بصيغة الجمع وإلى الوقوف على ما يدين به الغرب لهذه الحضارات في ميادين العلوم والفنون والفلسفة والجماليات. يبقى السؤال: هل بمقدور نتاج قسم الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر، وما يزخر به من كنوز ومآثر إسلامية، تصحيح نظرة الزوار الغربيين إلى المسلمين وإلى العالم الإسلامي الذي أضحى، في متخيلهم، «حزمة متفجرات»؟ هل بمستطاعه «غسل» هذه الحضارة وشعوبها من الكليشيهات ومن التصورات القادحة التي تقدم المسلمين كأناس «يتغذون بالعنف ومنه»؟ المهم أن آثار العرب والمسلمين هنا تدل عليهم وأنها تبقى دعوة مفتوحة للغرب إلى أن يربي عينه وعقله على النظر إلى الآخر بطريقة مغايرة.