يتجلى سوء حظ أحمد بلافريج في أنه جاء في عهد كان فيه علال الفاسي الزعيمَ الأبرز لحزب الاستقلال. صحيح أن نجمه سطع بشكل قويّ عندما قرّر المستعمر الفرنسي نفي صاحب «النقد الذاتي» إلى الغابو،ن مبعِدا إياه عن قادة الحركة الوطنية، وكان بلافريج أبرزَهم من جهة حزب الاستقلال. غير أنه ظل يعمل، حتى بعد أن صار أمينا عاما، تحت «ظل» علال الفاسي.. ظل علال الفاسي «الرجلَ رقم واحد» في هرم الاستقلال، وبعده يأتي باقي الزعماء. ومع ذلك، استطاع أحمد بلافريج أن يضمن لنفسه موطئ قدم بين أبرز الشخصيات التي أطّرت الحركة الوطنية ونشطت الحياة السياسية في السنوات الأولى من الاستقلال. واستطاع أن يتبوأ مناصب عليا في أولى حكومات المغرب المستقل. يعتبره كثيرون المهندسَ الحقيقيّ للجهاز الدبلوماسي المغربي، لكونه أول من وضع لبنات وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وأرسى آليات عملها، بعد أن أنيطت به مسؤوليتها في حكومة امبارك البكاي الثانية، إذ وقع عليه الاختيار من قِبل الملك الراحل محمد الخامس لتولي حقيبة الشؤون الخارجية، قبل أن يزكيه لمنصب الوزير الأول، وبات أول أمين عامّ لحزب الاستقلال يتولى هذا المنصب، في حكومة احتفظ فيها لنفسه بحقيبة الشؤون الخارجية، حيث كانت الدبلوماسية أحبَّ أعمال السياسة إلى قبله. ومعلوم أن أي وزير أول مغربي لم يستطع أن يجمع بين هذين المنصبين، كبيرَي الأهمية، على مدى عقود، وتحديدا إلى غاية سنة 1995، حين عين الملك الراحل الحسن الثاني عبد اللطيف الفيلالي وزيرا أولَ ووزيرا للشؤون الخارجية والتعاون، بعد فشل مشاورات القصر وأقطاب الكتلة الديمقراطية في التوصل إلى اتفاق نهائي لتدشين مرحلة التناوب التوافقي. لم يعمّر أحمد بلافريج طويلا على رأس الحكومة التي ترأسها في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي. فقد عجّل قيام رفاق عبد الرحيم بوعبيد، التي تولى في الحكومة ذاتها منصب الوزير الأول ووزير الاقتصاد والمالية، بالانشقاق عن حزب الاستقلال وتوجهه نحو تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بوأد هذه التجربة الحكومية. علم بلافريج أن نهاية حكومته قد أزفت مباشرة بعد تلقيه استقالة الزعيم بوعبيد من مهامه، فالتمس من الملك محمد الخامس إعفاءه بدوره. بعد فشل هذه التجربة، عاد أحمد بلافريج إلى التدبير الحكومي، حيث تولى مسؤولية حقيبته المفضلة، وزارة الشؤون الخارجية، بين سنتي 1961 و1962. وبعد هذه التجربة الحكومية القصيرة، سيصبح أحمد بلافريج ممثلا شخصيا للملك، حيث كان كثيرَ التنقل في كل أرجاء العالم دفاعا عن القضايا المغربية في المحافل الدولية قبل أن يقهره المرض ويغيبه عن الساحة السياسية.