مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية المزمع إجراؤها في شهر نونبر من العام الحالي 2012، تبرز أسئلة متشعبة حول أهمية اللوبي اليهودي في تلك الانتخابات، من جهة، وقدرته على استمالة المواقف الأمريكية إلى جانب توجهات المؤسسة الإسرائيلية، من جهة أخرى. ويبدو أن زيارة مت رومني، المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، قبل فترة وجيزة لإسرائيل كانت بمثابة إعلان بدء حملته الانتخابية لكسب ود يهود أمريكا الذين يصل عددهم إلى 5.5 ملايين يهودي، حيث إن لإسرائيل حظوة كبيرة لدى اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتبعا لذلك، حاول رومني أن يزيد من رصيده في أوساط يهود أمريكا بإعلانه من إسرائيل أنه يجب تدعيم الخيار العسكري لوضع حد للتخوف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني، بل أكثر من ذلك أن أحد معاونيه المقربين صرح بأن رومني سيحترم أي قرار إسرائيلي محتمل لضرب إيران حتى ولو كان دون أخذ الضوء الأخضر من الولاياتالمتحدة. وفي المقابل، يسعى أوباما إلى إرضاء المؤسسة الإسرائيلية من خلال الحديث الدائم عن العلاقات الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حين أصدر عدة قوانين من شأنها دعم إسرائيل على كافة الصعد. المرشحان ومؤشرات استرضاء اللوبي بدأ كلا المرشحين، باراك أوباما من الحزب الديمقراطي ومت رومني من الحزب الجمهوري، حملاتهما الانتخابية لاقتراع من المتوقع أن يكون ساخنا، حيث سيسعى المرشحان إلى تجيير كل الأوراق المتاحة من أجل الوصول إلى البيض الأبيض. ومن المؤشرات ذات الدلالة محاولات المرشحين استرضاء وكسب ود اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، سواء لكسب أصوات ولايات حاسمة كفلوريدا وبنسلفانيا أو عن طريق الدعم المادي للمرشح الرئاسي، وذلك على الرغم من نسبة اليهود التي لا تتعدى اثنين في المائة من مجموع سكان أمريكا خلال العام الحالي 2012. بيد أن تأثير اليهود يتعدى نسبتهم بشكل لافت، ومرد ذلك تنظيمهم القوي ودرجة مشاركتهم العالية في التصويت في الانتخابات الأمريكية بشكل عام، والأهم من ذلك تبوُّؤ الكثير من اليهود مواقع اقتصادية مفصلية، فضلا عن الاستئثار الواضح لليهود بوسائل الإعلام الهامة والفاعلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتبعا للأهمية النسبية لقدرات ونفوذ اللوبي اليهودي المنظم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بدأ المرشحان إطلاق تصريحات تشير إلى دعم إسرائيل، فقام الرئيس أوباما باستصدار قانون لدعم أمن إسرائيل عن طريق منح إضافية لتمويل مشروع منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ، وقد استقبل العديد من الشخصيات الإسرائيلية مؤخرا. وفي مقابل ذلك، احتوت التصريحات المتلاحقة لرومني -وخاصة أثناء زيارته لإسرائيل قبل فترة وجيزة- اعترافه العلني والواضح بمدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، فضلا عن اعتباره أمن إسرائيل مصلحة قومية أمريكية هامة. وفي مقابل ذلك، وصف المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها في الأراضي الفلسطينية بكونها ليست نتاج قيود احتلال. إسرائيل وأمريكا والعروة الوثقى يمكن الجزم بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 قد اتبعت نهج الحركة الصهيونية في الاعتماد على حليف خارجي، وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها لتكريس نمط معين من القوة، وتوظيفه في اتجاهين: الأول يتمثل في اتجاه بناء المشروع الصهيوني وتوفير مقومات البقاء له؛ أما الاتجاه الثاني فيكمن في استحضار القوة للتصدي للتحديات الخارجية لإسرائيل، ونقصد هنا هاجس الخوف الإسرائيلي من محيطها العربي الذي يرى فيها دولة أنشئت في ظروف استثنائية على حساب الشعب العربي الفلسطيني وأرضه. وفي هذا السياق، يذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين لتكون مصدرا أساسيا لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت إسرائيل بناء علاقة وطيدة بألمانيا الغربية سابقا، فاستفادت من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية. والثابت أنه بعد إنشائها عام 1948، استطاعت إسرائيل استحضار الحليف الأمريكي الحاضر بقوة في إطار خريطة العلاقات الدولية التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية، وتميزت العلاقة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل منذ العام المذكور بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الدول الأخرى في العالم، وظهرت المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط من جهة، فضلا عن نشاط اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية ودوره في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، من جهة أخرى. ويشير المتابعون إلى أن حرب يونيو عام 1967 كانت بمثابة الحد الفاصل الذي كانت فيه إسرائيل تلعب دورا هامّا في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيس في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولاياتالمتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل. الفيتو الأمريكي الجاهز دائما لقد مولت إسرائيل حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة. وتؤكد دراسات مختلفة أن المساعدات الأمريكية برزت بكونها أحد أهم مؤشرات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين، السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية. وقد تجلى ذلك في الدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على الدول العربية، ومن أهم ملامح الدعم الأمريكي لإسرائيل سياسة الضغط المستمر على المنظمة الدولية التي أجبرت على إلغاء القرار الدولي الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل قبل عدة سنوات. بيد أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل كانت على الدوام حجر الزاوية في إطار الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، فحلّت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية، مثل التضخم في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، كما حدّت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، من طائرات ودبابات وغيرها. وبالعودة إلى المساعدات المالية لإسرائيل، تشير دراسات متخصصة إلى أن قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل التراكمية خلال الفترة الممتدة ما بين 1948 و2012 قد وصلت إلى 116 مليار دولار، نحو 60 في المائة منها على شكل مساعدات عسكرية، و40 في المائة مساعدات اقتصادية. ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأمريكية الحكومية التراكمية المباشرة لإسرائيل إلى نحو 125 مليار دولار بحلول عام 2015. وتبقى الإشارة إلى أنه على الرغم من أن 78 في المائة من أصوات اليهود الأمريكيين كانت لمصلحة أوباما في الانتخابات السابقة، فضلا عن استطلاعات الرأي الأمريكية التي أشارت -قبل زيارة رومني لإسرائيل مؤخرا- إلى أن نسبة 68 في المائة من الناخبين اليهود المسجلين يؤيدون باراك أوباما، في مقابل 25 في المائة للمرشح الجمهوري رومني، فإن أوباما -الذي لم يزر إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، والذي شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في عهده خلافات كثيرة على خلفية الموقف الإسرائيلي من عملية التسوية مع الطرف الفلسطيني ورفض إسرائيل مبدأ تجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية- بحاجة إلى أشكال عديدة من الإشارات يؤكد من خلالها دعم أمن إسرائيل وتوجهات المؤسسة الإسرائيلية المختلفة، للاستحواذ على نسبة كبيرة من أصوات اليهود في الولاياتالمتحدةالأمريكية.