سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنبركة : مثول الدليمي أمام القضاء الفرنسي جاء في إطار اتفاق بين المغرب وباريس قال إن ما يهم عائلة المهدي أكثر هو شهادة الشتوكي والعشعاشي والحسوني والقادري وليس مصيرهم القضائي
يحكي البشير، نجل المهدي بنبركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني الذي تم اختطافه واغتياله سنة 1965، في اعترافاته ل«المساء»، عن تفاصيل حياة والده ونضاله ضد الاستعمار ومشاركته في اتفاقية «إيكس ليبان» قبل أن يعود ليقول إن هذه الاتفاقية كانت خطأ. كما يروي البشير تفاصيل أخرى حول المسؤوليات التي تقلدها والده بعد الاستقلال، وحول اختلافه مع تلميذه الحسن الثاني، وحول موقفه المساند للجزائر ضد المغرب في حرب الرمال، وكيف أصبحت عائلة المهدي تحمل جوازات سفر جزائرية وتقيم في مصر؛ كما يرد البشير بنبركة على اتهام والده باغتيال عباس المسعدي، ويتوقف طويلا عند واقعة الاختطاف بفرنسا، ويرد على تهمة «التخابر» مع المخابرات الإسرائيلية والتشيكوسلوفاكية الموجهة إلى والده، وكيف قررت أسرة المهدي بنبركة العودة إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، وكيف حز في نفس والدته ألا يستقبلها الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان صديقا للعائلة وكان يقيم في بيتها كلما حل بمصر، وكيف «تُماطل» الدولة المغربية ممثلة في حكوماتها، وضمنها وزيران للعدل من حزب الاتحاد الاشتراكي، هما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي، في الكشف عن حقيقة قضية المهدي بنبركة. - ما هي العراقيل التي ورثها الرؤساء الفرنسيون اللاحقون عن الرئيس الجنرال شارل دوغول، ولا زالت تحول دون كشف الحقيقة في ملف المهدي بنبركة؟ مثلا، عندما أصدر قاضي التحقيق باتريك راماييل قرار إيقاف دولي في حق مجموعة أسماء من الأمن والأجهزة الاستخباراتية المغربية، لم توصل وزارة العدل الفرنسية هذا الأمر إلى «الأنتربول». في نفس الوقت، قمت أنا ببعث رسالة إلى ساركوزي ليتدخل كرئيس للدولة من أجل مساعدة القضاء في رفع طابع السرية عن ملفات المخابرات في هذه القضية، فجاءني الجواب من أحد مستشاريه، حيث طلب مني الاتصال بمسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية، كما لو كانت القضية بالنسبة إليه قضية خارجية. وعندما قابلنا، رفقة الأستاذ موريس بيتان، المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية كان همهم الأوحد هو إقناع قاضي التحقيق بإلغاء مذكرته القاضية بالإيقاف الدولي للمسؤولين المغاربة، وذلك للحفاظ على العلاقات الودية بين فرنسا والمغرب. هكذا، نلاحظ أن الرئيس ساركوزي، ورغم أن لا علاقة له بالقضية، فضل أن تبقى مجريات الأمور والمتورطين فيها طي الكتمان، وذلك عبر عرقلة أعمال القضاء والبحث الذي تقوم به عائلتنا. - لنعد إلى الرئيس شارل دوغول، ففي عهده قام المغرب بتقديم الجنرال أحمد الدليمي للمحاكمة في فرنسا. كيف اعتبرتم هذا الأمر؟ بخصوص هذا الأمر، ستأتي لاحقا شهادات تفيد بأن مثول الدليمي أمام قاضي التحقيق كان في إطار اتفاق فرنسي مغربي، كمحاولة للخروج من الأزمة عبر تقديم الدليمي كقربان ليحمل هذا العبء مقابل أن يكون الحكم عليه مخففا. - من قال هذا؟ مصدر موثوق به. - هل كان القضاء الفرنسي مستقلا طيلة مدة اشتغاله على قضية المهدي بنبركة؟ في قضية المهدي، كل قضاة التحقيق الذين تعاقبوا على الملف حاولوا القيام بعملهم بكل همة واستقلالية رغم كل العراقيل التي كانت توضع أمامهم. أما السلطات القضائية الحكومية فلم تكن عادلة كما يجب؛ فخلال محاكمتي 1966 و1967، مثلا، لاحظنا أنه لم تتم تلبية أي من طلبات محامينا من طرف رئيس المحكمة، حيث إن كل الأسئلة الحرجة التي كان من المفترض أن توجه إلى المتهمين رفض رئيس المحكمة أن يقوم دفاع العائلة بطرحها، وهي أسئلة تلامس طبيعة العلاقات بين الأجهزة الأمنية المغربية والفرنسية، وقد كان رفض رئيس المحكمة لهذه الأسئلة رفضا مطلقا وقطعيا. وخلال المحاكمة الثانية في ربيع 1967 والتي كان الدليمي حاضرا، فيها قامت هيئة الدفاع بالانسحاب لأن الوقت، في تقديرها، لم يكن كافيا للقيام بالتحقيق في المعطيات الجديدة مع ظهور الدليمي كطرف، خصوصا وأن هيئة الدفاع التي كانت العائلة قد أوكلت إليها النيابة عنها في القضية منذ البداية توفي أربعة من أعضائها خلال مدة وجيزة، وبالتالي كان علينا توكيل هيئة دفاع أخرى، وهذه الهيئة لم تكن تملك الوقت الكافي للتحقيق في القضية كما يجب. - في هذا السياق، من المثير أن عددا من الأشخاص الذين التفوا حول قضية بنبركة، من شهود ومحامين ومتورطين، ماتوا في ظروف غامضة وخلال فترات متقاربة! أحد المتورطين في القضية وهو جورج فيغون، الذي كان هاربا وكان يدلي بحوارات وشهادات للصحافة مرفقة بصور له أمام مقرات البوليس الفرنسي، تم العثور عليه منتحرا عندما اقتحم البوليس المنزل الذي كان مختبئا فيه، بداية 1966، وقد نشرت الجريدة الفرنسية الساخرة «لوكنار أونشيني» عقب الحادث مقالا بعنوان: «فيغون ينتحر برصاصتين في ظهره». أما المتورطان الرسميان، أي أوفقير والدليمي، فقد توفيا، كما هو معلوم، في ظروف غامضة؛ حيث قيل إن أوفقير انتحر بعد المحاولة الفاشلة لقلب النظام وإن الدليمي توفي في حادثة سير بعد لقاء مع الحسن الثاني بالقصر الملكي؛ كما تمت تصفية ثلاثة من رجال العصابات الذين لجؤوا إلى المغرب في المعتقل السري «P.F.3»، بعد اختطافهم من طرف الدليمي خلال الفترة الممتدة بين انقلابي 1971 و1972، أما رابع رجال العصابات هؤلاء فقد مات في مستشفى ابن سيناء سنة 1978. وهناك كذلك حادث وفاة التهامي الأزموري، الطالب الباحث الذي كان المهدي قد كلفه بالقيام ببحث تاريخي عن حركات التحرر من أجل فيلم «باسطا». وقد كان التهامي رفقة المهدي ساعة اختطافه، وهو من قام بإيصال خبر اختطاف المهدي إلى مجموعة من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في فرنسا، قبل أن يعمد إلى إبلاغ البوليس وتقديم شهادته. وبعدها بحوالي خمس سنوات، قيل إنه وجد منتحرا في غرفته، لتكون تلك من حالات «الانتحار» الغامضة التي ارتبطت بقضية المهدي. - لكن لا زال بعض المتهمين-الشهود على قيد الحياة؟ نعم، لا يزال هناك شهود مغاربة على قيد الحياة، وأتمنى لهم طول العمر ليتمكنوا من المساعدة في رفع الغموض والكشف عن حقيقة اختطاف واغتيال المهدي بنبركة. وأريد هنا أن أؤكد على أمر مهم، فبالنسبة إلينا، نحن الذين تهُّمنا شهادة هؤلاء، شخص مثل ميلود التونسي يعرف الكثير عن هذه القضية لأنه كان موجودا في باريس في تلك الفترة، وشخص مثل العشعاشي أو الممرض الحسوني كانا أيضا موجودين، وبالتالي فهما يعلمان الكثير عن القضية؛ كما أن هناك الجنرالين عبد الحق القادري وحسني بنسليمان اللذين يعلمان بما حدث بشكل غير مباشر. هؤلاء الأشخاص كلهم تهمنا شهاداتهم بشكل كبير. الشيء الذي أريد التركيز عليه هو أن اختطاف واغتيال المهدي جريمة سياسية قامت بها أجهزة أمنية رسمية؛ ولإنصاف كل ضحايا سنوات الرصاص وعائلاتهم، يجب قبل كل شيء أن تكشف كل الحقيقة حول ما جرى لكل الذين ما زالوا مجهولي المصير، وأن تحدد بشكل واضح وعلني كل المسؤوليات، سواء المتعلقة منها بالأشخاص أو بالأجهزة. بهذا الشكل، ليس من المهم محاكمة فلان أو علان بل المهم وضع حد للإفلات من العقاب بتشخيص وتحديد كل المسؤوليات.