اليوم تطفئ «المساء» شمعتها السادسة.. وهي شمعة بشعلة صامدة قاومت الكثير من العواصف، الطبيعية والمفتعلة، شعلة تلخّص سنوات من الكد والعمل وبذل الغالي والنفيس من أجل أن تصل جريدة رائدة، كل صباح، إلى يدي القارئ، جريدة للجميع، لكل المغاربة.. كانت «المساء»، في البداية، مجرّدَ حلم رومانسي جميل في ذهن مؤسسيها رشيد نيني ومحمد العسلي، وسرعان ما تحوّل هذا الحلم إلى واقع، بعد أن التحق بهذه التجربة جيل من الصحافيين الشباب، في مقدمتهم توفيق بوعشرين وعلي أنوزلا وسمير شوقي وأسماء أخرى لا يتسع المجال لذكرها.. وكبرت «المساء» بسرعة، حين تلقّفها المغاربة مثل مولود طال انتظاره، وسارت قدُما نحو المكان الذي اختاره لها الناس لكي تصبح الجريدة الأولى في المغرب، وهو المكان الذي ما تزال تتبوؤه، بفضل ثقة رأسمالها الأول وهم قراؤها الأوفياء، وهي ثقة حقيقية وراسخة في جريدة لم تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، ولم تولد وخلفها أكوام المال، ولم تولد لكي تنحاز إلى هذا ضد ذاك، ولا لمناصرة طرف على آخر، بل جاءت «المساء» لكي تنحاز إلى طرف واحد اسمه هذا الوطن، بكل فئاته. في سنتها السادسة، تشد «المساء» بحرارة على أيدي كل الذين بذلوا الوقت والجهد من أجل أن تكون دائما الجريدة الرائدة في المغرب. ف«المساء» لا تنسى، أبداً، كل صحافي وكل إداري وكل عامل فيها، مهما كانت وظيفته، من أعلى مرتبة في الهرم الإداري إلى عاملة النظافة.. لأنهم ساهموا، جميعا، بقسط وافر لكي تكون جريدة المغاربة جميعا.. نحن، حتى وإن تفرّقت بنا السبل، لا ننسى الجميل ونشدّ بحرارة على أيدي كل الذين ساهموا بإخلاص في بناء هذه الجريدة حتى لو غادروها.. إنّها سنة الحياة. و»المساء» تطفئ شمعتها السادسة، تشرئبّ بعنقها نحو المستقبل، فنحن لا نلتفت كثيرا نحو الماضي، حتى لو كان هذا الماضي مثقلا بالجراح ويحمل أوزارا كثيرة ارتُكِبت في حقنا، وعلى رأس هذه الجراح اعتقال وحبس رشيد نيني بحكم جائر وافتعال المضايقات لمحمد العسلي وتوظيف القضاء ل«خنقنا» بالغرامات الثقيلة.. نطفئ شمعة «المساء» السادسة، وخلفنا عشرات من القضايا التي نُتابَع فيها أمام المحاكم، وهو ما نعتبره «عاديا» في بلد ما يزال البعض فيه يعتبرون الصحافة عدوا وليس منارة للمجتمع، لذلك حاولوا كثيرا أن يطفئوا نور هذه المنارة بأفواههم، لكننا مستمرون، بعون الله، ولو كره الكارهون. في سنتنا السادسة، نؤكد أن «المساء» جريدة لكل الناس، فليست لنا أجندة خاصة وليست لنا طموحات شخصية ولا مادية ولا سياسية ولا اجتماعية، ولا يوجد من يفتي علينا ما يجب أن نفعله وما لا يجب أن نفعله، فبوصلتنا واضحة ومُحدَّدة: نحن إلى جانب هذا الشعب.. ونحن إلى جانب هذا الوطن، في السراء والضراء. نعتبر أنفسنا في «المساء» صوتا للجميع، ولا نتردد في استضافة من يختلف معنا، ونقدم الرأي والرأي الآخر، وفاء لقيّم المهنية والديمقراطية، لكننا لا نخفي أن أعداءنا هم أنفسهم أعداء الوطن والشعب، إنهم الفاسدون.. في الذكرى السادسة لميلاد «المساء» لن نمارس، أبدا، ذلك الزهو الفارغ بالقول إننا جريدة المغاربة الأولى وإننا قانعون بذلك، بل نستشعر جيّدا ثقل المسؤولية التي يفرضه علينا موقعنا في قلوب الناس، ونحس بأن هذا الموقع الذي بوّأنا إياه قراؤنا الأوفياء يفرض علينا تحديات جسيمة، وهي تحديات نؤديها من وقتنا وصحتنا وجهدنا وقلقنا.. ومع ذلك نعِد قراءنا الأوفياء بأننا سنكون دائما عند حسن ظنهم، وسنسير، في مقبل الأيام، نحو مزيد من تطوير أدائنا المهنيّ والحرفي على جميع المستويات، ونعدهم بأننا نحمل لهم مفاجآت كثيرة، حيث ستظل «المساء» وجبة يومية كاملة الوصفات في كل المجالات التي تهمّ الناس، في الخبر القويّ الصادق، وفي السياسة والثقافة والرياضة والاقتصاد والتاريخ والتحقيقات القوية والرأي الحر السديد. في ثقافتنا الصحافية، نعتبر أن الصحيفة التي لا تفاجئ قراءها لا تستحق عناء اقتنائها من الأكشاك، وأن الصحيفة الحية هي التي يساورها دائما ذلك القلق الوجوديّ الصعب: ماذا سنقدّم لقارئنا غدا؟!.. لدينا أمل كبير في مستقبل هذا الوطن، ولدينا أمل كبير في أن يفهم «أولئك الناس» أن الصحافة عجلة أساسية في قاطرة الأمم والشعوب.. أنها نور كاشف يُحوّل الظلام الدامس إلى نهار، حتى لا يتجرأ اللصوص والنّاهبون على أرزاق وقُوت الضعفاء.