تعتبر مبادرة التنمية البشرية، منذ أن نادت بها الأممالمتحدة منذ ما يربو عن 15 سنة، بمثابة النواة الصلبة التي انبثقت عنها الأسس والمرتكزات الرامية إلى تأهيل إنسان الألفية الثالثة، باعتبار أن هذا الأخير يبقى هو الثروة الحقيقية لأي بلد، هذا إذا ما علمنا بأن قدرات بلدان عصر العولمة تقاس على أساس ثروتها البشرية وما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وكفأة.. طاقات قادرة على الخلق والتفاعل مع كافة الأوضاع بفعالية ونجاعة. لقد آمنت البلدان المتقدمة منذ زمن بعيد بأهمية الإنسان وقدراته غير المحدودة في الخلق والإبداع، فتبنت أسس الديمقراطية، وأرست قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وأعلت من قيمة الفرد وأهميته في صنع الحاضر والمستقبل، ذلك أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم، وما التنمية البشرية سوى توسيع خيارات البشر، لقد ظل هذا الشعار الذي رفعته الأممالمتحدة إحدى أهم المرتكزات التي قامت عليها فلسفة مقاربة المشروع الإنساني كذات منتجة وفاعلة في شتى المجالات، إذ لم يقتصر مفهوم التنمية البشرية على تأهيل القدرات البشرية في جوانب محددة، كتحسين الخدمات الاجتماعية والمعرفية وتحقيق مستوى معين من العيش الكريم، بل أصبح يمتد إلى الاستفادة من مهارات وقدرات الإنسان في مجالات العمل من خلال توفير فرص الإبداع الإنساني والمساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في إطار مقاربة شمولية للتنمية. يشمل مفهوم التنمية البشرية، إذن، مناحي مختلفة من حياة الأفراد، تتفاعل فيه سياقات وأبعاد مختلفة تتجاوز ما هو ذاتي نفعي محض إلى ما هو مجتمعي مركب.. إنها ترسيخ للقيم المحفزة على العمل والداعية إلى ضرورة تحقيق التقدم في شتى الميادين. لقد قام المغرب، في السنين الأخيرة، بنهج مجموعة من السياسات التنموية ذات الطابع الاجتماعي والمستمدة أساسا من مبادئ الحكامة الجيدة القائمة على :المساواة؛ الديمقراطية الاجتماعية؛ محاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية؛ القضاء على الرشوة الزبونية والمحسوبية؛... إلخ. كل هذا تكلل باعتماد بلادنا على مقاربات استراتيجية تتوخى التنمية الاجتماعية، ولا أدل على ذلك من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعطيت انطلاقتها سنة 2005، والتي لا يستطيع أحد أن يشكك في ما حققته من نتائج إيجابية في الرقي بمستوى عيش المواطنين في ما يخص عدة ميادين اجتماعية كالصحة والتعليم والتشغيل، مما انعكس بصورة إيجابية على تحسين مستوى عيش الفقراء، وخاصة من يقطن منهم البوادي والمناطق النائية. إن مركزية مفهوم التنمية البشرية وتعقد ارتباطاته بالحكامة الديمقراطية والتنمية الشاملة تطرح إشكالية تقاطعاتهما، خاصة في الدول النامية مثل المغرب، التي راهنت على الليبرالية الاقتصادية والتعددية السياسية والانتقال الديمقراطي، إلا أنها لازالت تعاني من مشاكل في تنميتها البشرية، ولا أدل على ذلك من احتلال المغرب الرتبة 123 من أصل 177 دولة خلال سنة 2004 حسب التقرير الدولي للتنمية البشرية لسنة 2006 الصادر عن برنامج الأممالمتحدة للتنمية، هذا علاوة على أنه مازال يعاني من تعاظم آفة الأمية التي تقدر بنسبة 55 في المائة. وبالرغم من الإنجازات المحققة في ميدان التنمية البشرية في بلادنا، لازالت الأخيرة تعاني من عدة نقائص اجتماعية وديمقراطية مرتبطة بالنوع الاجتماعي، وكذا من ضعف الاندماج الداخلي والخارجي لهياكلها الاقتصادية. إن الرقي بمسلسل التنمية البشرية في بلادنا مشروط بضرورة تحديد نقطة الإقلاع أو الانطلاق ثم نقطة الوصول، لا لشيء إلا لأن الحكامة الجيدة هي دعوة صريحة إلى بناء ديمقراطية تشاركية مؤسسة على الدقة والمساهمة والمشاركة والتوافق في صنع وتنفيذ وتقييم برامج التنمية على أرض الواقع، كما أنها قناة أساسية تمكن من الاستفادة من نتائج التنمية المستدامة.