- ماذا نعني بالحكامة؟ - وما هي علاقاتها وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ - وما علاقاتها بالتنمية الإنسانية عموما؟ - ما هي معاييرها؟ - كيف يمكن قياس فعالية ونتائج تطبيقها؟ الحكامة ،تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده. والحكامة الجيدة في أي مجتمع وأية مؤسسة حكومية أو غير حكومية تبقى من أهم الضروريات لإنجاح المشاريع التنموية. إلا أن تطبيقها يتطلب جوا تسوده الشفافية والمسؤولية ودولة القانون والمشاركة واللامركزية والتنسيق بين مختلف المتدخلين، فهل التجربة المغربية تندرج في هذا السياق؟ لممارسة الحكامة، لابد من توفر مجموعة من المعايير سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية، تشمل الدولة ومؤسساتها والإدارة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين كنشطاء اجتماعيين، وهي معايير قد تختلف حسب المنظمات وحسب المناطق. لذلك، فإن المعايير المعتمدة من طرف: (البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي للتنمية، تتمحور بالأساس حول تحفيز النمو الاقتصادي وحرية التجارة والخوصصة. (أما معايير برنامج الأممالمتحدة للإنماء تتجلى في: 1/ المشاركة: أي حق المواطنين في الترشيح والتصويت وإبداء الرأي ديمقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات، وتتطلب توفر القوانين الضامنة لحرية تأسيس الجمعيات والأحزاب وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية. 2/ حكم القانون: أي أن القانون هو المرجعية وسيادته على الجميع بدون استثناء وفصل السلط واستقلالية القضاء ووضوح القوانين وشفافيتها وانسجامها في التطبيق. 3/ الشفافية: وتعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال للجميع للاطلاع على المعلومات الضرورة مما يساعد على اتخاذ القرارات وتوسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومحاصرة الفساد. 4/ حسن الاستجابة: بما يعني قدرة المؤسسات والآليات على خدمة الجميع بدون استثناء. 5/ التوافق: وهو القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول إلى إجماع واسع حول المصلحة العامة. 6/ المحاسبة: محاسبة المسؤولين عن إدارتهم للموارد العامة وخصوصا تطبيق فصل الخاص عن العام من تعسف واستغلال السياسيين. 7/ الرؤية الاستراتيجية: أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية. ومن أجل أن تقوم الحكامة لا مناص من تكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني إذ لا يمكن أن نتحدث عن الحكامة دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية ولا وجود للحكامة إلا في ظل الديمقراطية. والحكامة تستوجب وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية والإدارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ولمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص. لذلك فإن بلوغ مستوى التدبير الرشيد والتشاور والتشارك رهين بتوفر مجموعة من الشروط المؤسساتية والقانونية التي تمنح الفاعل والمواطن الكفايات الضرورية لتسهيل عملية مشاركته وتعبيره عن آرائه. وهي ترتكز على تغيير العمل العمومي من خلال: 1/ إعادة النظر في احتكار الحكومة لتدبير الشأن العام بمنح القوى المحلية مجموعة من الصلاحيات في إطار تكريس مسلسل اللامركزية واللاتركيز في صناعة القرار السياسي. 2/ توفير الكفايات اللازمة القانونية والمؤسساتية التي تسهل عملية التواصل المجتمعي مع الفاعلين المحليين السياسيين والاقتصاديين ودعم قنوات التفاعل الأفقي كالمجتمع المدني. إن الحكامة الجيدة هي نتيجة وترجمة مباشرة لتبني اللامركزية ووضع إطار قانوني يمنح الفاعل السياسي والاقتصادي والمدني الشروط المناسبة لتحقيق المشاركة والعدالة والشفافية والإدماج. إنها الانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية، وهو ما يتطلب أجرأة وتفعيل المقتضيات الدستورية الجديدة (الفصل 12 - 14 - 15 - 136 - 139 والفصول من 161 إلى 170). فبقدر ما تدفع الحكامة الجيدة بضرورة تسييد قيم التسيير والتدبير الرشيد للموارد والإمكانات المتاحة اقتصاديا واجتماعيا، لأنها تدفع إلى إلزامية مصاحبة ذلك سياسيا ومؤسساتيا بنظم في الحكم لا ترتكن إلى تمثيلية الجسد الانتخابي حتى بأسمى صوره وأشكاله، بل وتذهب لحد جعله في قلب صناعة القرار إن لم يكن بالتمثيل الشاسع والواسع فعلى الأقل بالتشاور المكثف الذي يضمن التشاركية ولا يقتصر على مستوى الانتداب غير مضمون النتائج والتبعات. لقد آمنت البلدان المتقدمة منذ زمن بأهمية الإنسان وقدراته غير المحدودة في الخلق والإبداع، فتبنت أسس الديمقراطية وأرست قيم الحرية والعدالة الاجتماعية وأعلت من قيمة الفرد وأهميته في صنع الغد. فقدرات البلدان تقاس اليوم على أساس ثروتها البشرية وما تمتلكه حقيقة من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وكفأة قادرة على الخلق والتفاعل مع كافة الأوضاع بفعالية ونجاعة. فالبشر هم الثروة الحقيقية للأمم، وما التنمية البشرية سوى توسيع خيارات البشر. لقد ظل هذا الشعار الذي رفعته الأممالمتحدة أحد أهم المرتكزات التي قامت عليها فلسفة مقاربة مشروع الإنسان كذات منتجة وفاعلة في كافة المجالات فلم يقتصر مفهوم التنمية البشرية على تأهيل القدرات البشرية في جوانب محددة كتحسين الخدمات الاجتماعية والمعرفية وتحقيق مستوى من العيش الكريم، بل أصبحت تمتد إلى الاستفادة من مهارات وقدرات الإنسان في مجالات العمل من خلال توفير فرص الإبداع الإنساني والمساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في إطار مقاربة شمولية للتنمية. فمهوم التنمية البشرية إذن يشمل مناحي مختلفة من حياة الأفراد تتفاعل فيه سياقات وأبعاد مختلفة، تتجاوز ما هو ذاتي نفعي محض إلى ما هو مجتمعي مركب، إنها ترسيخ للقيم المحفزة على العمل والداعية إلى ضرورة تحقيق التقدم في شتى الميادين. لذلك، فإن مفهوم الحكامة له ارتباط وثيق بمفهوم التنمية، لاسيما لما انتقل محور الاهتمام من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي، ثم إلى التنمية الإنسانية، وظهر بجلاء عندما أصبحت التنمية مرتبطة بالتكامل بين النشاط الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، الثقافي، والبيئي، ومستندة على العدالة في التوزيع والمشاركة، لذلك تعتبر التنمية البشرية ركيزة أساسية للتنمية الشاملة، وقيمة مضافة لبناء صرح مجتمع ديمقراطي حداثي، وشرط ضروري لتجذير المواطنة، وتفعيل حقوق الإنسان، وتكريس دولة الحق والقانون. إن مركزية مفهوم التنمية البشرية وتعقد ارتباطاته بالحكامة الديمقراطية والتنمية الشاملة ومحاربة الفقر والهشاشة. إن التنمية الشاملة عموما والتنمية البشرية خصوصا تتطلب شرطا أوليا لابد منه للوصول إلى مراميها وأهدافها، ويتمثل هذا الشرط في تحديد نقطة الإقلاع أو الانطلاق. فهل المشروع لمغربي التنموي الذي تحدثتم عنه كانت له نقطة إقلاع واحدة أم كانت له انطلاقات متعددة ومتباينة؟ هل الكل متفق على معنى ومضمون التنمية البشرية؟ هل الكل أمام شعار واحد أم لكل مسؤول فهمه ومفهمومه؟ فالمغرب الذي راهن على الليبرالية والتعددية السياسية والانتقال الديمقراطي المتعثر لازال نموذجه التنموي يعاني من عدة عراقيل وميقات سياسية واقتصادية وتنموية. على المستوى السياسي: لازالت مختلف الاستحقاقات الانتخابية تخضع لمجموعة من الممارسات المضرة بالعملية الانتخابية، وهيمنة استعمال المال لشراء الذمم، والتحكم المسبق في الخريطة السياسية، وضعف المشاركة الشعبية، مما يفرز مؤسسات ضعيفة وفاقدة للمصداقية وعاجزة عن القيام بدورها في مراقبة ومسائلة الجهاز التنفيذي، ولا زال الحقل السياسي المغربي يعاني من البلقنة والتشردم وضعف التأطير، ولازالت بلادنا تعاني من ظاهرة الاعتقال السياسي والتضييق على حرية التعبير ومحاصرة الصحافة المستقلة، وما زالت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الخاصة بالإدماج الاجتماعي والحكامة الأمنية لم تجد طريقها إلى التنفيذ. على المستوى الاقتصادي: يحتل المغرب مجموعة من الدرجات والمراتب غير المشرفة مقارنة مع بعض الدول العربية والإفريقية كتونس والجزائر ومصر وجنوب إفريقيا: - مناخ الأعمال: المرتبة 114 / 183 دولة حسب البنك الدولي. - الموازنة المفتوحة : المرتبة 59 / 85 دولة بما تعنيه من شفافية في تدبير الميزانية وسيولة المعلومات والمعطيات. لذلك لا نستسيغ عدم نشر حصيلة 6 أشهر وتقرير المراقبة اللتان تساهمان بعدم نشرهما في المرتبة المحصل عليها. كما لا نستسغ عدم توفر المغرب على قانون الولوج إلى المعلومة. - ارتفاع المديونية: المرتبة 11 ضمن الدول العربية الأكثر استدانة ب 21 مليون دولار حسب المركز المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية. - استمرار عجز الميزان التجاري الذي بلغ في 9 أشهر الأولى من سنة 2010 ما يناهز 116 مليار درهم و185 مليار درهم سنة 2011. - تراجع الاستثمارات الأجنبية خلال يونيو 2010 ب 9.5 مليار درهم و16 مليار درهم سنة 2011 حيث بلغ حجم رؤوس الأموال التي غادرت المغرب خلال 6 أشهر الأولى من سنة 2010، 17 مليار درهم. - استمرار وتنامي القطاع غير المهيكل ب 1.55 مليون شركة موزعة على الشكل التالي: * قطاع التجارة 57.4 ./. * قطاع الخدمات 20 ./. * قطاع الصناعة 17.1 ./. * الأشغال العمومية 5.4 ./. - استفحال ظاهرة الرشوة والفساد الاقتصادي والإداري والاحتكار من طرف مؤسسات بعينها في بعض المجالات. إلى غير ذلك من المعيقات التي تحول دون إقلاع اقتصادي حقيقي وتبين مدى ضعف الحكامة على المستوى الاقتصادي. على المستوى الاجتماعي: فبالرغم من المجهودات التي قامت بها بلادنا فيما يخص محاربة الفقر والهشاشة لازال الخصاص على مستوى الاجتماعي كبيرا. فبالنسبة للتنمية البشرية لا زلنا نحتل مرتبة غير مشرفة ولا تتلاءم وحجم الدعم العمومي، وذلك راجع إلى عاملين أساسين هما التعليم والصحة. فبالغم من تخصيص 26./. من ميزانية الدولة لقطاع التعليم المدرسي 49.4 مليار درهم سنة 2010 و48.07 مليار درهم سنة 2011 لازال القطاع يشكو من عدة اختلالات كالهدر المدرسي وتراجع جودة التعليم العمومي واجترار أكبر معدل للأمية بمنطقة المغرب العربي، حيث تشكل نسبة الأمية اليوم في المغرب 30./. لدى السكان البالغين 10 سنوات فما فوق، وتخفي هذه النسبة تباينات حسب النوع والوسط، خيث تبلغ عند النساء 47./. مقابل 31./. بالنسبة للرجال، 54./. في الوسط القروي مقابل 27./. في الوسط الحضري و64./. لدى النساء في الوسط القروي. فعدد السكان الأميون بالمغرب يقارب 8 مليون نسمة. ولقد فشلت الحكومة في تحقيق أحد الأهداف التي تضمنها التصريح الحكومي في أكتوبر 2007 بتخفيض الأمية إلى 20./. خلال سنة 2010. كما تبلغ الأمية وسط الساكنة النشيطة 36.6./. وهو ما يؤثر على تنافسية الاقتصاد الوطني ويحد من تطوره وتقدمه. فهل يمكن أن ينجح المخطط الأخضر و59.8./. من العمال الفلاحين أميين. هل يمكن أن نتصور تقدم مخطط أليوتيس وقطاع الصيد البحري يعاني من 33.1./. من العاملين في القطاع أميين؟ هل نتوقع اليوم تطور الإدارة والانتقال إلى الإدارة إلكترونية و22.7./. من مواردها البشرية أميين؟ إنها بعض الحقائق الفاقعة والصادمة التي تعتري نموذجكم التنموي؟ هل بميزانية تساوي 0.4./. من ميزانية التعليم لسنة 2011 أو ما يناهز 0.083./. من الميزانية العامة للدولة في سنة 2011 سنحارب ظاهرة الأمية وهل سنكون في الموعد سنة 2011 لتحقيق هدف الألفية بتقليص الأمية إلى 15./. أما على المستوى الصحي: فعلى الرغم من المجهودات المبذولة من أجل تحسين صحة الأمهات، لازالت وفيات الأمهات عند الولادة وتردي الحالة الصحية للأم تشكل مشكلا صحيا في المغرب. ولقد ساهمت مأسسة مجانية الولادة في المستشفيات العمومية وتحسين مؤشرات تتبع الحمل والولادة خفض نسبة وفيات الأمهات خلال الخمس السنوات الأخيرة (42./.)، حيث وصلت إلى 112 خالة وفاة لكل 100.000 ولادة شبه حية في سنة 2010 وهو رقم يبقى بعيد عن أهداف الألفية وذلك للوصول ل 83 وفاة لكل 100.00 ولادة حية. وكذلك فشل المخطط الا للصحة 2008 - 2012. كما أن صحة الطفل تبقى دون المستويات المطلوبة حيث نجد أن 18./. من أطفال أقل من 5 سنوات في المغرب يعانون من تأخر في النمو، وتعتبر هذه النسبة جد مرتفعة مقارنة مع المعايير الدولية 2.3./. أقل من ضعف الانحراف...... كما يعاني 10 ./. من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و3اشهر من سوء تغذية دائم وحاد. ويسجل الأطفال في العالم القروي تأخرا في مستوى النمو مقارنة مع الوسط الخضري (24./. مقابل 13./.). ونتيجة لذلك يعاني طفل ....من نقصان في الوزن ويعاني حولي 2./. من الأطفال من نقص عاد في الوزن، وتشكل نسبة الإصابة في القرى ضعف نسبة الإصابة في المدن (14./. مقابل 7./.). وتبقى النتائج المحصلة في مجال صحة الأم والطفل دون مستوى الميزانية المرصودة، مما يعيد غياب فعالية النفقات العمومية للصحة. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن النفقات العمومية للصحة لا يتم الاستفادة منها بشكل موحد، حيث أن عدد الفقراء المستفيدين من النفقات العمومية للصحة أقل مقارنة مع عددالأغنياء: 20./. من الساكنة الأكثر فقرا تستفيد فقط من 13./. من مجموع النفقات الصحية، مقابل 25./. من النفقات ل 20./. الأكثر غنى. كما أن التأطير الطبي والتمريضي يظل دون مستوى المعايير الدولية، ففي يونيو 200 نجد طبيب لكل 1637 نسمة، وممرض لكل 1134 نسمة على المستوى الوطني، في حين أن هذا المعدل يعرف فوارق مجالية مهمة، فإذا كانت جهة الرباطسلا زمور معير تعرف 647 مواطن لكل طبيب، ففي جهة الدارالبيضاء الكبرى هناك ... جهة سوس ماسة درعة 3060 مواطن لكل طبيب؛ جهة دكالة عبدة 3113 مواطن لكل طبيب؛ جهة وادي الذهب الكويرة 3167 مواطن لكل طبيب؛ جهة تادلة أزيلال 3547 مواطن لكل طبيب؛ جهة تازةالحسيمة تاونات 4002 مواطن لكل طبيب؛ إنها أرقام تبين حجم الخصاص في المجال الطبي وشساعة الفوارق على المستوى الجهوي التي كرستها الاختيارات السياسية والحكومات المتعاقبة. أما على مستوى السكن: لازال قطاع العقار يتميز بطلب هام على السكن ويزداد حدة نتيجة الازدياد الديمغرافي (125.000 أسرة سنويا). وبالرغم من تراجع الخصاص خلال الخمس السنوات الأخيرة. فإن السكن العشوائي والذي يعتبر من أحد المظاهر البارزة للعجز الاجتماعي والفقر الحضري لازال يهم أكثر من 984.000 أسرة مرغمة على العيش في أوضاع لا تستجيب لشروط العيش الكريم.