الحكامة الجيدة هي، أولا وقبل كل شيء، تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده؛ كما يمكن اعتبارها مفهوما استعجاليا تبناه المنتظم الدولي لتجاوز حالة الخلل القائم في نماذج التنمية التي لا يجد فيها المجتمع الفرصة المناسبة للتعبير عن رأيه ومواقفه وحمولته الثقافية في المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين مستواه المعيشي؛ كما تعد آلية للتدبير الرشيد والحكيم للموارد بهدف تحقيق التوازن في شتى الميادين، بالإضافة إلى أنها تشكل دعامة ومدخلا أساسيا من أجل الوصول إلى تحقيق التنمية البشرية المستدامة على أرض الواقع. لقد اختلف مفهوم الحكامة الجيدة من دولة إلى أخرى، فمِن مُعرِّفٍ لها بكونها هي: الديمقراطية، الأمن، احترام حقوق الإنسان، احترام القانون، ومن من محدِّدٍ لها في المراقبة والمحاسبة، الشراكة،... إلخ. أما في ما يخص أهميتها المرحلية فهي تكتسبها من خلال حضورها القوي في تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية التي جعلتها لصيقة بمفهوم التنمية المستدامة. فالحكامة، إذن، هي دعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص إلى البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة، في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية. يعتبر مفهوم الحكامة من المفاهيم التي لا زال النقاش والحوار حولها مفتوحا بالنسبة إلى المجتمعات النامية كالمغرب، لكونه مازال ملفوفا بكثير من الغموض من حيث ميلاده ونشأته. ومن هذا المنطلق، فإن الإشكال الذي يطرح نفسه يتجلى أساسا في ماهية أثر الحكامة الجيدة على مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. لقد دأب العالم بأسره في السنين الأخيرة، في إطار تحديات العولمة المفرطة المرتبطة بالسرعة والدقة والجودة، على الاعتماد على ميكانيزمات جديدة للعمل تم استنباطها من مبادئ الحكامة الجيدة المرتبطة بالتدبير الجيد والمعقلن القائم على النتائج وسرعة الأداء، الأمر الذي مكن من حصد نتائج إيجابية جعلت من الاقتصاديات المتمثلة لها نموذجا يحتذى من طرف الدول النامية. إن المغرب، وبحكم انتمائه إلى منظومة الدول النامية، عمل جاهدا في السنين الأخيرة على نهج سياسة الأوراش الكبرى المفتوحة رغبة منه في تحقيق الرقي والنماء الاقتصاديين، أسوة بالدول المتقدمة في هذا المجال، الأمر الذي يستشف من خلال اعتماده على مجموعة من السياسات الاقتصادية المستمدة من مبادئ الحكامة الجيدة والمتمثلة أساسا في التدبير الاستراتيجي المعقلن والمعتمد على النتائج والمقترن بالتقييم القريب، متوسط وطويل الأمد. ومن هذا المنطلق، شهد المغرب تطبيق مجموعة من السياسات الإصلاحية في شقها الاقتصادي، تكللت بتحقيق نتائج إيجابية نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: ارتفاع معدل التصدير إلى حدود سنة 2011؛ التخفيض من معدل المديونية الخارجية؛ التخفيض من معدل التضخم؛ ارتفاع معدل الاستهلاك الداخلي المقترن بتحسن القدرة الشرائية للمواطن؛ ارتفاع الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة؛ تحسن معدل الاستثمارات الأجنبية، مما يفسر لنا أن المغرب قد أصبح منطقة جذب اقتصادي بامتياز؛ ارتفاع معدل النمو؛... إلخ. لقد قام المغرب بجملة من الإصلاحات الاستراتيجية، انعكست لا محالة على تحقيق تنمية اقتصادية متميزة. إلا أن هناك مجموعة من العراقيل التي لازالت تحد من فعالية اقتصادنا، وتتمثل بالدرجة الأولى في أن معظم الاستراتيجيات الوطنية التي تشكل عصب مبادئ الحكامة الجيدة لا يتم تقييم نتائجها في جل الأحيان، هذا إن لم نقل كلها، الشيء الذي طالما انعكس سلبا على تحقيق الأهداف المرجوة من وراء اعتماد بلادنا لمفهوم التخطيط الاستراتيجي المرتكز على تحقيق النتائج. إن التطبيق الصحيح لمفهوم التنمية الاقتصادية في بلادنا وبالموازاة مع الأخطار المحدقة للأزمة المالية العالمية، مشروط بإعادة النظر في طريقة التدبير الاستراتيجي المعمول به حاليا، هذا إذا ما علمنا بأن التنمية الاقتصادية المرتكزة على مبادئ الحكامة الجيدة لا يمكن أن تتحقق بمنأى عن معيار التقييم الذي نستطيع من خلاله مواصلة المشروع الإنمائي أو إعادة النظر فيه، وذلك بهدف تنميطه مع الأهداف التي جاءت الاستراتيجية من أجل تحقيقها.