بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بلاغ رسمي من إدارة نادي المغرب أتلتيك تطوان: توضيحات حول تصريحات المدرب عبد العزيز العامري    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي    تأجيل محاكمة عزيز غالي إثر شكاية تتهمه بالمس بالوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    الريسوني: مقترحات التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة قد تُلزم المرأة بدفع المهر للرجل في المستقبل    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: التحفيز والتأديب الوظيفي آليات الحكامة الرشيدة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    "ميسوجينية" سليمان الريسوني    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    بنحمزة: الأسرة تحظى بالأهمية في فكر أمير المؤمنين .. وسقف الاجتهاد مُطلق    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الصيدليات المتنقلة».. باعة متجولون يروجون أدوية مجهولة المصدر
يستغلون غياب الرقابة لتسويق بضاعة تشكل تهديدا حقيقيا لصحة المغاربة
نشر في المساء يوم 15 - 09 - 2012

أصبحت حافلات وشوارع مدينة البيضاء «سوقا مفتوحة» لاستقبال كل ما هو مُهرَّب ومنتهي الصلاحية، في ظل غياب الرقابة
الصحية للوزارة الوصية، حيث يباع في تلك «الصيدليات» -التي يديرها أشخاص لا يمتلك معظمهم القدرة على قراءة حتى اسمه- أدوية تخص، بالأساس، الأمراض الجلدية، والعيون والأرق.. لتسليط الضوء على الظاهرة، التي جعلت من أرصفة الشوارع والحافلات البيضاوية «صيدليات» مفتوحة لبيع عقاقير وأدوية مختلفة، مجهولة المصدر والمكونات، التقت «المساء» من خلال جولة ميدانية، باعة ومواطنين وصيادلة وأطباء للوقوف على مخاطرها الصحية..
تتخذ «الصيدليات المتنقلة»، التي أصبحت مألوفة لدى البيضاويين، أوجها عدة في حافلات النقل الحضري وكذا في محطات نقل المسافرين وفي الأسواق الشعبية الكبرى، حيث يفترشون الأرض بشكل عشوائي ويعرضون أنواعا مختلفة من الأقراص الطبية وزجاجات الأدوية المختلفة ومواد التجميل في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس.. بلا مخازن أو رفوف خاصة بحفظ الأدوية، حيث تتم عمليات بيع الأدوية علنا، ودون أدنى سؤال للجهات المعنية بالحفاظ على سلامة وصحة المواطنين، لتباع الأدوية وتشترى، وكأنها لعب بلاستيكية أو ملابس داخلية.. حيث لا يطالب بائعو هذه الأدوية المريض بوصفة طبية، بل يكتفون بما يحكيه المريض شفاها، لينصحوه بدواء دون آخر.
أطباء دون بذلات بيضاء
«السلام عليكم أ الخوتْ.. وطريق السّلامة.. جْبت ليكوم اليوم دْوا الحكة.. الإكزيما.. الطيابْ في اللحم الرقيقْ.. بوماضا ريكسْ».. بهذه اللازمة يفتتح حديثه، ليشد أنظار زبنائه من رواد الحافلة، لتسويق منتوجه، ذي الفعالية الشديدة والثمن الرخيص، الذي لا يتعدى عشرة دراهم..
شاب ذو وجه لا يخلو من تجاعيد عميقة، تنوب عنه في سرد معاناته، لتحصيل لقمة العيش الوعرة في مدينة كالدار البيضاء، حيث يخلط في حديثه بين أسلوبي الإقناع واستجداء القلوب الرحيمة، لابتياع منتوجه، الذي يقول عنه إنه من صنع شركة أجنبية، تشرف عليها طبيبة فرنسية.. منتوج يدّعي كونه الحلَّ الأمثل لكل من ضاقت بهم السبل في إيجاد علاج نافع للأمراض الجلدية التي تفتك بالنساء خاصة، جراء استعمالهن مواد التنظيف التي تتسبب لهن في أمراض كالإكزيما.. ويُكثر في تعداد منافع منتوجه، الذي لا يستثني الأطفال، حيث يُخلّصهم مما يصيبهم من الحفّاظات التي تنال من جلدهم، الرطب والحساس بطبيعته.
يمسح بعينيه الزائغتين جوانب الحافلة، في بحث مستمر عن يد تُرفع إعلانا عن رغبة صاحبها في شراء المنتوج، لتنزلق من بين شفتيه، شديدتي السواد، ابتسامة ماكرة تدلّ على نجاح خطته في اصطياد «ضحية» لمرهمه، الذي غالبا ما تشيد به امرأة من ركاب الحافلة، ليست في حقيقة الأمر إلا شريكة له، ترافقه في استنكار، وفي كل مرة تتحدّث عن إيجابيات استعمالها للمرهم، الذي كان خلاصَها الوحيد مما كانت تعاني منه من أمراض جلدية لم يتوفق الأطباء في علاجها.. تنثر، بدورها، عبارات تحفيزية هنا وهناك، لتشجيع الركاب على شراء البضاعة، وخاصة النساء، دون تردد أو حيرة أو حتى السؤال عن محتوياتها وعن مصدر صنعها.
وبمجرد إتمامها «شهادتها»، يواصل الشاب حديثه، لكنْ بصوت أكثر ارتفاعا هذه المرة، وكأنه حقّق انتصارا أو أبعد عنه اتهامات بعض الركاب التي يرددونها في دواخلهم بعدم تصديقه في ما يدّعيه..
يشير بيده التي تحمل المرهم أزرقَ اللون، مجهولَ المصدر والمكونات، إلى تاريخ صلاحية العبوة، تأكيدا منه على جودة منتوجه وجِدة صنعه وقدرته «الخارقة» على علاج ما استعصى على الأطباء الأخصائيين.
ينتقل، بعد انتهائه من تسويق المرهم الذي يحمل اسم «ريكس»، إلى مرحلة البيع مقابل عشرة دراهم. وبعد إحساسه بتجاوب الركاب، الذين غالبا ما يكونون في عراك مع بعضهم البعض من أجل الفوز بكرسي للجلوس أو لأداء تذكرة الحافلة، يسارع ليُخرج منتوجه الثاني، وهو هذه المرة «كحل» للعينين، «مستورَد من السعودية»، حسب قوله، يخلّص النساء والرجال معا من جل أمراض العيون المنتشرة من «جلالة» واحمرار وغيرهما، لتجده، بعد لحظة، وقد أخذ يجوب الحافلة، مذكّرا الركاب بأنه سيغادرهم في المحطة القادمة، داعيا إياهم إلى اغتنام الفرصة التي لا تتكرر، لكونه من سكان مدينة الجديدة ولا يزور الدار البيضاء إلا مرة في الأسبوع، لتسويق منتوجه شديد الفعالية.
أطباء محطات المسافرين..
بدورها، تقوم سيدة في مقتبل العمر باقتحام حافلات نقل المسافرين بعيد مغادرتها لمحطة أولاد زيان ، كي تسوّق منتوجها، الذي ترى فيه الحلَّ الأمثل لجل الأمراض باختلاف أنواعها، وهو عبارة عن دواء مصنوع من الأعشاب الطبيعية، حيث تفتتح وصلتها الإشهارية لتسويق منتوجها بالقول «جبتْ ليكوم دْوا الأكزيما.. العْدوّة اللي كتشكي منها النساء والرجال، هذا الدوا هو الحل.. حبوب مصنوعة من الأعشاب.. نْتوما توكلوا على الله وأنا نتّحاسب، وعلى تقليدي.. مْجرب ورخيص، ما يكلفكومْ غير خمسة دراهم»..
عبارات مقتضبة، لكنها مؤثرة تستعين بها سيدة في الخمسينات من عمرها من أجل إقناع المسافرين من الدار البيضاء نحو وجهات مختلفة، حيث تجعلهم لا يترددون في إخراج بعض الدريهمات من جيوبهم لابتياع منتوجها «الطبيعي»، مسترسلة في حديثها: «شكون يْحلّ البابْ»؟.. «هاك أسيدي، هاك ألالّة»..
بعدما نجحت هذه السيدة في لفت الأنظار إلى بضاعتها و«اصطادت» عددا ليس بالقليل من المسافرين، ختمت حديثها بمتمنياتها لهم بالسلامة والوصول بخير إلى ذويهم.. ليصعد، وبتتابع، فوج آخر من الباعة، غالبيتهن نساء، يحملن بين أذرعهن حقائب سوداء مليئة بأدوية مختلفة، يُحكمن إخفاءها، حيث لا يبدو منها غيرُ ألوان علاماتها الملصقة على القنينات الزجاجية أو البلاستيكية.. وبدورهن، يعرضن خدماتهن الطبية في ترديد مستمر.. «دوا الأكزيما، البْهاق، الصّيبانة، البْرد».. وبعضهن يعرض على المسافرين حتى خواتم من ذهب مسروقة بأثمنة مغرية، بينما تعرض أخريات أقراص لأوجاع الرأس والزكام، وغيرها من العقاقير بأسعار رخيصة، لا تتعدى خمسة دراهم، إضافة إلى مراهم تقي من تشنجات عضلية ومفصلية لا يتعدى ثمنها 10 دراهم، مع إمكانية الخصم، الذي قد يصل إلى 50 في المائة.
في الواجهة الأخرى لن تكلّفك زيارة أسواق الدار البيضاء الكثير من الوقت لتجد الأدوية متناثرة هنا وهناك، وكأنها في حاوية للأزبال وتحت وطأة الشمس الحارقة والنسوة في بحث مستمر عما يُردن ابتياعه من عقاقيرَ طبية ومواد تجميلية طبية تناسب
دريهماتهنّ.
وفي الوقت الذي رفض غالبية هؤلاء الباعة المتجولين للأدوية الإدلاء بشهاداتهم، خوفا منهم على مصدر يسترزقون منه، وهذا ما يعني بالتأكيد إقرارا ضمنيا منهم بعدم قانونية ما يقومون به من عمل في مجال يستلزم من المتخصصين فيه سنوات من الدراسة والبحث العلمي.. يؤكد أحد الباعة -اشترط عدم ذكر ما يشير إلى هويته- كونه التجأ إلى هذه المهنة بغرض الحصول على المال وكسب قوته وقوت عائلته، مشيرا إلى أنه لو تمكّنَ من الحصول على وظيفة تقيه من البطالة، إذ يحمل شهادة عليا، فكّر في امتهان بيع الأدوية، التي يعي خطورتها على صحة المواطنين، وخاصة النساء اللواتي يقبلن عليها بشكل كبير.. وأشار إلى أن بضاعته يتم جلبها من قِبل وسطاء يبتاعون الأدوية من مدينة وجدة، شأنها في ذلك شأن باقي المنتجات الغذائية، والتي تغزو السوق البيضاوية.
ويقول محمد (تاجر يبلغ من العمر 54 عاما) «لقد أصبح الجميع «أطباء».. وباستطاعتهم تقديم وصفة علاجية بأقل تكلفة، بينما يتطلب هذا، في حقيقة الأمر، مجموعة من الخطوات والتحاليل المخبرية، المكلّفة، لتحديد الدّاء ومن ثمة الدواء، الذي بدوره يعد باهظ الثمن».
مخاطر صحية
أسعار مغرية لسلع مجهولة المصدر لا يدرك أحد خطورتها إلا من اكتوى بعواقبها الوخيمة، شأن عائشة، التي كانت قد اشترت دواء لتبييض البشرة، عملا بنصيحة إحدى صديقاتها، دون أن تكلّف نفسَها عناء السؤال عن تاريخ صلاحية المنتوج ولامدى فعاليته ولا حتى المواد المكونة له.
تقول عائشة، بحسرة واضحة: «ندمتُ كثيرا على اليوم الذي سمعت فيه بنصيحة صديقتي واقتنيت ذلك المبيّض اللعين، رغم عدم حاجتي إليه أصلا.. حيث انعكس استعماله سلبا على بشرة وجهي بعد خمسة أيام فقط من تاريخ شروعي في استعماله، بأنْ ظهرت فيها بقع داكنة اللون وأخرى حمراء.. فبدأتْ معاناتي مع مرض جلديّ كلفني ما يزيد على 3000 درهم كوصفات علاجية داومتُ عليها لما يزيد على الستة أشهر.. لأجل استرجاع ما أفسدتُه باستعمالي منتوجا رخيصا، شوّه جمالي الرباني، والذي لم أدرك قيمته إلا بعد أن فقدته.. ولذلك أعتبر تسويق هذه الأدوية وانتشارها في السوق المغربية نوعا من العنف ضد النساء، تمارسه الجهات المسؤولة بسكوتها عنه»..
أما فتيحة فقد كادت تفقد حياتها بسبب وصفة مستخلَصة من الأعشاب، اشترتها يوما من الحافلة، أثناء سفرها إلى مدينة مراكش، حيث أقنعها البائع بفعالية مكوناتها، التي تساعد على التخلص من الأرق. وتحكي فتيحة قصة معاناتها قائلة: «كنت أعاني من الأرق وصعوبة في النوم، لذلك لم أتردد للحظة في ابتياع ما شجعني على اقتنائه أحد المسافرين بدعوى أنه متأكد من فعاليته الخارقة في مساعدتي على الاسترخاء والنوم بكل هدوء.. لأكتشف، في ما بعدُ، أن ذلك «المسافر» يرافق البائعَ المتجول ل»إقناع» المشترين المُفرَضين ب»جودة» المنتوج وضرورة شرائه من دون تردد.. المهم أن تلك الوصفة كادت أن تودي بحياتي، حيث دخلت في غيبوبة، أجبرتني على ولوج قاعة العناية المركّزة، بسبب تعرضي لضغط دموي حاد»..
في هذا الإطار، أقرّ عبد المنعم لطفي، أخصائي أمراض النساء والتوليد في مدينة مكناس، بأنّ الأدوية المغشوشة أصبحت تشكّل خطرا داهما على الصحة العامة، لأن بعض هذه الأدوية، وفق قوله، تعدّ من المواد المسرطِنة، وحذر المواطنين من خطورة الحصول على الأدوية من دون وصفة طبية أو استشارة صيدلاني ومن خطورة ابتياعها من خارج الصيدليات المرخَّص لها من الجهات الوصية على القطاع، لافتا الانتباه إلى أن الأدوية المهرَّبة، بالخصوص، غالبا ما تكون منتهية الصلاحية أو مغشوشة وتحمل علامات عالمية يتم تقليدها.
وأرجع لطفي الأمر إلى جهل المواطنين بمصدر وأصل هذه الأدوية ومكوناتها الحقيقية والتي تنتجها مختبرات غيرُ معترَف بها، والقادمة من الصين والهند وغيرهما، واصفا الأمر بكونه معضلة، لخطورته المرتبطة أساسا بطبيعة هذه المواد التي تكون، في أغلب الأحيان، إما أدوية منتهية الصلاحية أو مواد كيماوية على شكل مراهم.. تكلف المواطنين مراحل علاجية متعددة وتكلفة دوائية ليست في متناول الجميع، من خلال الحالات التي عاينتها يقول الدكتور لطفي، والتي كانت عبارة عن انسلاخ جلدي أو ظهور بثور، وفي أحسن الحالات، احمرار موضعي بسبب حساسية الجلد للمواد الكيماوية المكونة المرهم الزائف، الذي كلف إحدى المريضات دخول مصلحة بعد إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة في أماكن مختلفة من جسمها، حيث وضعت المرهم و يربطه الدكتور لطفي ذلك أيضا بمستوى الوعي الثقافي والاجتماعي للمقبلين على هذه الأدوية، والذين يكونون في غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود أو المنعدم.
صيادلة مستاؤون
شدّد صيدلاني في الدار البيضاء -فضّل عدم ذكر اسمه- على ضرورة حفظ الأدوية في أماكن باردة وجافة من أجل الحفاظ على جودة مكوّناتها، لأن من شأن تعريضها للشمس، وخصوصا في فصل الصيف، أن يؤدي إلى تفاعل موادها الكيماوية، التي قد تتحول إلى سموم، مشيرا إلى أن هناك أدوية بعينها تعرف إقبالا من لدن المواطنين ويروّجها الباعة المتجولون، وخاصة ما تعلق منها بصداع الرأس وآلامه، كالأسبرين، الذي يتمتع بخاصيته المخففة للُزوجة الدم والمخفضة بالتالي لتكون تجلط الدم (الخثر) التي قد تكون له مضاعفات خطيرة على مرضى القلب، أو تؤدي إلى السكتة الدماغية، بسبب الانسدادات التي يتسبب فيها ذلك «التخثر» في مسالك الشرايين التي تغذي عضلة القلب وكذا الرئتين وبقية الجسم، كما قد يزيد تناول الأسبرين بصفة منتظمة من خطر الإصابة بالنزيف الداخلي. كما أن الأدوية المُهدّئة المساعدة على النوم تعرض الأشخاص الذين يتناولونها لخطر الوفاة أكثر بأربع مرات، مقارنة مع غيرهم ممن يتفادَون استعمالها، وقد تؤدي هذه العقاقير المنوّمة المختلفة، في حالة الإدمان عليها، إلى الإصابة بالسرطان، بنسبة 35 % حسب آخر دراسة علمية أنجزتها إحدى الجامعات الأمريكية.
في الآن نفسه، ذكر المتحدّث بكون الكثيرين من الباعة المتجولين غير متعلمين وبأنّه ليست لهم أي خبرة في مجال الطب والصيدلة ويُجازفون بحياة المواطنين، مقابل بضعة دراهم تضمن لأسرهم لقمة العيش.



العقوبة الحبسية ضرورية لردع المستثمرين في صحة المغاربة
للأسف الشديد، لا تزال السوق المغربية قِبلة للأدوية المُهرّبة وغير المرخص لها، والقادمة من إسبانيا والجزائر وليبيا، التي تتخذها المافيا الإيطالية طريقا لتمرير أدويتها الفاسدة والمزورة وتسويقها في جل المدن المغربية، بعدما اشتد عليها الخناق في مدينة وجدة، بفعل حملات المراقبة المشددة والمتعلقة أساسا بالأنسولين وأدوية الربو وكذا أدوية الجهاز الهضمي، وخاصة القرحة وأمراض تخثر الدم، التي نجدها في السوق السوداء ب200 درهما، بينما ثمنها الحقيقي 750 درهم.. وأيضا الأدوية المرتبطة بتخفيف آلام وصداع الرأس.. لكنّ ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وغياب الوعي الصحي والمراقبة المشددة من قِبل الوزارة الوصية على «المستثمرين» في هذا المجال يفتح شهية أصحاب رؤوس الأموال، والذين يجدون في الاتجار بصحة المواطنين فرصة لجني المال بأبسط الوسائل، مع العلم أن الأدوية الجنيسة متوفرة بثمن مناسب، لكنْ لا نرى إقبالا عليها بالكيفية المطلوبة، لأن وزارة الصحة لم تسند أمر تسويقها للصيدلي، بوصفه الأقربَ إلى المواطن، بل إلى سواه، الشيء الذي جعل المواطن لا يثق فيه، بل ويعتبره أقلَّ جودة ويشتري الدواء من الأرصفة والحافلات بدل أدوية الصيدلية، التي تخضع للمراقبة الصحية من قِبل لجن التفتيش، التي تغيب في الأسواق والمصحات وغيرها، لغياب سند قانوني يمنحها صلاحية مراقبة كل الأماكن التي تُروَّج فيها أدوية تستهدف صحة المواطنين..
كما أن هناك فراغا قانونيا كبيرا تستغله هذه المافيات لترويج سمومها بين المواطنين، حيث ما تزال المنظومة القانونية المغربية تُصنِّف الأدوية المهربة والمغشوشة ضمن قائمة المواد الغذائية المهربة، متناسية خطورتها المباشرة على صحة المواطن وما يكلف ذلك الدولة جراء استفحال أمراض مستعصية.
ومن ثمة يُعاقَب من يستثمر في الأدوية غير المرخص ولوجها السوق المغربية بغرامة مالية فقط وليس حبسية، الشيء الذي جعل كثيرا من العاطلين «يسترزقون» بهذه الطريقة على حساب صحة إخوانهم، ما دام القانون رقم 1704، الصادر بتاريخ 2004، لم يُفعَّل ولم يدخل حيّز التطبيق، مع غياب دور وزارة الصحة في المراقبة وإنجاز تحاليل مخبرية لكل ما قد يُعرّض صحة المواطن للخطر..
محمد حرشة
الرئيس السابق لنقابة الصيادلة في مدينة وجدة




إعداد - حسناء زوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.