سلوى بنونة ليست أستاذة جامعية، ولا هي تدرجت في سلا ليم الوظيفة العمومية، بل هي أم، حملت على عاتقها مسؤولية تكوين شباب الغد، باعتماد نظام تعليمي عالمي يخص الحساب الذهني. بدأت فكرتها بحلم، تخطيط، إصرار، فإحداث أول مركز تعليمي للحساب الذهني في المغرب، والذي يستفيد من مناهجه التعليمية المتطورة حوالي 900 طفل مغربي، مما مكّن جلهم من تجاوز إخفاقاتهم الدراسية في مواد مختلفة بشهادة أولياء الأمور. «المساء» التقت سلوى بغرض تسليط الضوء على مسارها الحياتي الذي تدرج من ممرضة، مترجمة، فمديرة مركز تعليمي متطور يعتمد على «تقنية الأباكوس». سلوى بنونة، عيناها مشرقتان. تستقبل الأطفال بحضن الأم الحنون، الحريصة على أدائهم العلمي. تتابع تدرجهم التعليمي باهتمام. تراقب حركتهم بهدوء. تداعب صغيرهم وتوجه كبيرهم. تتحلى بحس معرفي متقد، وتؤمن برسالتها التعليمية في صناعة عباقرة الغد. لا تسعى إلى مضاعفة الأصفار على الجانب الأيسر لحسابها البنكي، بل تؤكد أن جل ما تقوم به هو تعبير عن حب أمّ لا ينضب لأطفال المغرب الذين أرادتهم أن يكونوا كغيرهم من أطفال العالم، بتزويدهم بأساليب تعليمية متطورة تُمكّنهم من ولوج المستقبل بطمأنينة، رغم الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، لإيمانها بأنّه بالعلم تتساوى الشعوب أو تتفوق على بعضها البعض، لكونه ليس حكرا على دول بعينها دون أخرى، مؤكدة أنه بالتعليم المتطور تتحرر الأمهات من خوفهنّ الكبير على مستقبل أبنائهنّ، كما قالت إن «النجاح الشخصي» لا قيمة له إلا إذا وضع رهن إشارة رجال ونساء المستقبل. بداية المسار تربّتْ سلوى بنونة في كنف أسرة مغربية محافظة، زوّدتها بمبادئ تربية متوازنة. تلقّت تعليمها الابتدائي والثانوي في مدينة البيضاء. حصلت على الباكلوريا سنة 1981. التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، شعبة اللغة الإنجليزية، التي لم تتوفق في إتمامها، لتدخل غمار الحياة الزوجية، التي منحتها جل وقتها، حرصا منها على أن تكون الزوجة الصالحة والأمَّ المثالية لأحمد وغيثة. بعد فترة من الزمن، قرّرت، وأسرتها الصغيرة، الهجرة إلى الديار الأمريكية، لتخط لحياتها مسارا مختلفا، بأن تابعت دراستها الجامعية لمدة سنتين في مجال التمريض وتلج عالم الشغل لما يزيد عن الست سنوات، إلى جانب عملها كمترجمة إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية، للجاليتين العربية والفرنسية، مما ساهم في توسيع مداركها الفكرية وسرعة اندماجها وسط المجتمع الأمريكي بتركيبته المختلفة، حيث لم تجد سلوى صعوبة في التعرف على ما يزخر به من مناهج تعليمية متطورة، وعلى رأسها تعليم الأطفال تقنية «الأباكوس» في سن مبكرة، الشيء الذي جعل سلوى بنونة تحذو حذو الأمهات الأمريكيات بأن حاولت تسجيل أبنائها في مركز الحساب الذهني المتواجد في كاليفورنيا، لكنها فشلت لعدم توفرهم على السن المناسب، ومن ثمة لم تفارقها فكرة تأسيس مركز مماثل في المغرب، ليتمكن أبناء الوطن الأم -بدورهم- من الاستفادة من نظام تعليمي عالمي يصنع عباقرة المستقبل. معاناة وإصرار بعد سنوات الغربة، قرّرت سلوى العودة بشكل نهائي إلى أرض الوطن، ولسان حالها يردد «أطفال المغاربة أبنائي، ومسؤوليتي تزويدهم بعلم ينتفعون به».. وكانت الخطوة الأولى بأن باشرت اتصالها بمختلف المسؤولين المغاربة، من أجل مساعدتها على تحقيق الحلم في خلق مركز تعليمي لتدريس الحساب الذهني للأطفال المغاربة، فلم تجد، حسب قولها، غير اللامبالاة وعدم الاكتراث لنداءاتها المتواصلة لمختلف الجهات التعليمية والثقافية. وقالت: «لم أكترث، بدوري، لمحاولاتهم إجهاض مشروعي التربوي في مهده، ولم أشعر بالإحباط، بل زادني الأمر إصرارا، بأن واصلت البحث عن جهة تهبّ لمساعدتي ماديا ومعنويا، بأن ناقشت الفكرة مع إحدى قريباتي تقيم بالديار السعودية، فكانت صلة الوصل بيني وبين محمد راضي، مدير مركز الحساب الذهني في المملكة العربية السعودية، وشريكه ماهر توقاني، اللذين لم يتأخرا في تحقيق حلمي في تلقين الأطفال المغاربة تقنية علمية تنمّي ذكاءهم وتُخرج عبقريتهم إلى حيز الوجود». وتواصل بنونة: «بعد نقاشات واتصالات مكثفة، استغرقت ما يزيد على الثلاث سنوات، سافرتُ، في سنة 2010، إلى ماليزيا، بهدف الحصول على تكوين في مجال الحساب الذهني، لأتمكن من الحصول على تفويض من مجموعة «يوسي ماس» التعليمية، لخلق فرع لها في المغرب، إلى جانب العديد من الدول العربية، الأوربية والأمريكية، وبذلك كان ميلاد أول مركز للحساب الذهني في 22 أكتوبر 2011 في الدارالبيضاء». حلم يتحقق تسترسل بنونة قائلة: «لم أكترث، ولو لهنيهة، لجلّ العراقيل التي وضعت أمامي لإفشال مشروعي التعليمي، والذي ما أردت به إلا صدقة جارية ينتفع بها أطفال المغرب، كغيرهم من الأطفال في مختلف الدول الحريصة على تطوير مناهجها التعليمية، لصناعة عباقرة الغد، بتدريسهم تقنية «لاباكوس»، والتي تُمكّن الطفل من إجراء العمليات الحسابية باستعمال صورة مُتخيَّلة للعداد «أباكوس» ليستطيع خلال المراحل الست الأولى من استخدامها بشكل فعلي، ثم الاستغناء عنها بشكل نهائي، لينتقل إلى مرحلة إنجاز العمليات الحسابية بشكل تخيُّلي وبسرعة عالية»، لأن مبدأ الحساب الذهني، كما تشرح المتحدثة نفسُها، «يقوم على توظيف الطفل مساحة أكبرَ من دماغه، والتي تصل إلى 85 في المائة، وخاصة الجزء الأيمن، بوصفه المسؤولَ عن التصور والإبداع، بتعلم الطفل كيفية الربط بين الرقم وصورته».. لذلك، تؤكد بنونة، أن المرحلة العمرية المناسبة لتدريب الأطفال على برنامج الحساب الذهني هي ما بين ال4 وال14، باعتبارها المرحلة الأكثر خصوبة، والتي تستطيع فيها مراكز الدماغ وخلاياها تنمية قدراتها وتقويتها، مما يساعد الطفل على التغلب على خوفه من مادة الرياضيات وجعلها مادة مُحبَّبة إليه، ويساعده على اكتساب مهارة الحساب الذهني مدى الحياة، إلى جانب انضباطه وتركيزه أثناء الدراسة، لتمتعه بذاكرة تصويرية، تحسّن من قدرته على الحفظ وقوة الملاحظة.. وجل هذه المزايا ترفع من المستوى التعليمي للطفل.