بدأت معالم الدخول السياسي المرتقب ترتسم في الأفق مؤشرة على دخول ساخن، طابعه الأبرز المواجهة بين الحكومة والمعارضة بعد أشهر من لعبة جس النبض بين الطرفي ن وتوجيه الضربات تحت الحزام في عدة محطات سابقة منذ تشكيل حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة عبد الإله بنكيران. وقد انطلق الصراع بين رئاسة الحكومة ومن ورائها الحزب المسير لها وبين أقطاب المعارضة البرلمانية على خلفية المنع الذي تعرض له نشاط شبيبة حزب بنكيران بمدينة طنجة الشهر الماضي، إذ أكدت وزارة الداخلية في بلاغ لها أن المنع سببه قرب الاستحقاقات الانتخابية الجزئية بالمدينة، واعتبرت ثلاثة أحزاب من المعارضة في بيان لها أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى التوظيف الانتخابي لذلك النشاط الذي كان مزمعا تنظيمه في ساحة عامة، بسبب قرار المجلس الدستوري الذي ألغى ثلاثة مقاعد للحزب بالمدينة، كان قد أثار استياء داخل الحزب وذهب البعض إلى حد اعتباره تصفية للحسابات من بوابة المجلس، وهو جدل كانت المعارضة تتخوف من إعادة إثارته على هامش التجمع الممنوع المشار إليه. وقد أثار موقف وزارة الداخلية، التي يسيرها امحند العنصر من حزب الحركة الشعبية، انتقادات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، فهذه أول سابقة من نوعها تمنع فيها الوزارة نشاطا ينظمه حزب يقود الأغلبية الحكومية. وقد ضاعف ذلك من شعور حزب العدالة والتنمية بأنه ما زال يعزف بشكل منفرد داخل الفريق الحكومي، وبأن الأغلبية غير متراصة، والأكثر من ذلك أن عدم الانسجام الحكومي هو على حسابه من الناحية السياسية، ولا شك أن لعبة شد الحبل بين الحزب والوزارة سوف يزيد في تعميق الشرخ الحكومي، خاصة أن باقي مكونات الأغلبية لم تتجاوز بعد تداعيات الخرجات الإعلامية الانفرادية لوزراء العدالة والتنمية، وهناك وعي لدى هذه المكونات بأن تلك الخرجات كانت وراءها رغبة الحزب في الحفاظ على شعبيته، وهو ما سيؤثر على تفسير الخلاف المبطن بين وزارة الداخلية والحزب باعتباره محاولة من هذا الأخير لإعادة تجميع شعبيته في أفق الانتخابات الجماعية القادمة. وقد يجد البعض في هذه المحاولة من الحزب تفسيرا لعملية المزاوجة التي يقوم بها اليوم بين التدبير الحكومي وبين المعارضة، إذ ما زال الحزب يتردد بين خطاب السلطة وخطاب المعارضة، بل انتقل في الآونة الأخيرة إلى اتخاذ خطاب احتجاجي من داخل الحكومة نفسها، مع أنه في نفس الوقت غير قادر على المغامرة السياسية وكشف العقبات التي تعترضه في عمله الحكومي، ومثل هذا الصمت سيكلفه ثمنا باهظا أمام الناخبين. وفي إطار الصراع بين رئاسة الحكومة والمعارضة يتوجب عدم التقليل من التصريحات الأخيرة لوزير الاقتصاد والمالية، الاستقلالي نزار بركة، لجريدة «المساء»، والتي جاء فيها أن التصريحات التي أدلى بها بنكيران وشكك فيها في الأرقام المقدمة ضمن مشروع قانون المالية، الذي كانت نفس الوزارة قد أعدته خلال ولاية صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، غير صحيحة، وأن جميع الأرقام المعتمدة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية تحترم الضوابط المالية العالمية في هذا المجال. ومن شأن هذا التصريح أن يضع رئيس الحكومة في حرج، لكن من المحتمل في نفس الوقت أن توظفه المعارضة البرلمانية كورقة سياسية في وجه بنكيران، ذلك أن تصريحات هذا الأخير حول أرقام مشروع الميزانية جاءت في سياق سياسي معين تميز بالمواجهة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، على إثر قضية التعويضات الضخمة التي كان مزوار يتلقاها من خزينة الدولة، والتي فجرها نائب من حزب العدالة والتنمية، وقد ظهرت تصريحات بنكيران في ذلك الوقت كجزء من الحرب بين حزبه وبين حزب مزوار، بيد أن تصريحات نزار بركة قد تعيد إشعال نار الخلاف بين الحزبين مع بدء الدخول السياسي.