المهدي السجاري كل الإشارات الواردة من معسكر المعارضة البرلمانية تدل على دخول سياسي ساخن بعد صيف تميز بشد الحبل بينها وبين مكونات الحكومة، خاصة حزب العدالة والتنمية. فعلى وقع التصريحات النارية التي تطلقها أحزاب المعارضة، والتي كان آخرها بيان طنجة، الذي اتهمت فيه فروع أحزاب الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، الحزب «الحاكم» بالقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها، انطلق الموسم السياسي بإحماءات تؤشر على أن العلاقة بين المعارضة والأغلبية ستكون أكثر توترا من الموسم السابق. وقد تضمن البيان الصادر عن فروع الأحزاب المعارضة بمدينة طنجة هجوما على تصريحات بعض قياديي العدالة والتنمية، الذين اعتبر البيان أن تصريحاتهم في بعض وسائل الإعلام «لم تراع واجبات الحياد والتجرد والتحفظ المطلوب التحلي بها من طرف أعضاء الحكومة، وهي بمثابة استقواء واستغلال للمناصب الحكومية والمراكز الاعتبارية التي يحتلونها من أجل تحقيق أغراض انتخابوية، وذلك بالنظر إلى مكان وزمان وسياقات صدوره». الدخول السياسي لهذه السنة يأتي بعد دورتين برلمانيتين تميزتا بمرور سنة على دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ، مما يفرض على المعارضة البرلمانية تطوير أدائها واستثمار دورها الرقابي، ودورها على مستوى مقترحات القوانين، والضغط لتسريع وتيرة إخراج القوانين التنظيمية وغيرها، وكذا الرقي بالأداء البرلماني. فالدورة الخريفية، مثلا، لم تعرف إلا المصادقة على قانون تنظيمي واحد يتعلق بالتعيين في المناصب العليا بعد ملاءمته مع قرار المجلس الدستوري، وهو ما حذا برئيس مجلس النواب، كريم غلاب، إلى التأكيد على ضرورة تسريع وتيرة العمل، ومراجعة منهجيته، في إطار التنسيق والتشارك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث لم تتم المصادقة منذ دخول الدستور حيز التنفيذ إلا على 5 قوانين تنظيمية من أصل 20 قانونا تنظيميا. ولعل من أبرز تحديات المرحلة، بالنسبة لفرق المعارضة، التحول بشكل جذري مما قد يسمى المعارضة «المنبرية» وتكسير الطاولات والكراسي، إلى معارضة برلمانية تدافع بكل قوة عن مواقفها بطرح بدائل حقيقية على مستوى السياسات العمومية، بشكل يجعل تدبير الشأن العام لا يقتصر فقط على الأغلبية «الحاكمة»، ولكن أيضا بمعارضة قوية تساهم في توجيه السياسات العامة من خلال دورها في الرقابة واقتراح القوانين. ويأتي الدخول السياسي الجديد في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية دقيقة تفرض على المعارضة البرلمانية أن تبدع خيارات ومشاريع تساهم في حل مختلف الإشكالات التي تعاني منها البلاد، وأن تأخذ البادرة في اتخاذ قرارات جوهرية وقوية، في تناغم وثيق مع ما حمله الدستور الجديد من تقوية لمكانة المعارضة، سواء تعلق الأمر بمراقبة أداء الحكومة أو دورها في التشريع والتقدم بمقترحات القوانين. وغير بعيد عن انطلاق الموسم السياسي الجديد، تعقد الأحزاب السياسية المعارضة، على غرار أحزاب الأغلبية، سلسلة لقاءات تستهدف الوقوف على ما تم تحقيقه في الموسم الفارط، وتدارك الأخطاء أو الهفوات التي تم الوقوع فيها لتحسين أدائها البرلماني. فحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رغم انشغاله بالتحضير للمؤتمر المقبل للحزب، وما يرافق ذلك من صراعات داخلية حول كرسي الكاتب الأول للحزب، فإن مكتبه السياسي لم يفوت فرصة مدارسة المقترحات التي يمكن أن يعتمدها الحزب في المرحلة المقبلة، وتقوية دوره في صف المعارضة، من خلال لعب دوره في مراقبة العمل الحكومي والتقدم بمقترحات القوانين. ونفس الأمر نجده بالنسبة لأحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة المعاصرة، التي تستعد لدخول الموسم السياسي الجديد بمقترحات تسعى من خلالها إلى تقوية موقعها في المعارضة، والعمل على إبداع مقترحات تنسجم والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، وأيضا للتعاطي مع ما ستتقدم به الأغلبية. وفي هذا الصدد، يقول عبد اللطيف وهبي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، في تصريح ل«المساء»، إن الاستعدادات للدخول السياسي الجديد تتميز أساسا «بقراءتنا للتجربة السابقة، حيث نحاول الوقوف على الأخطاء التي ارتكبناها، والإمكانيات التي نتوفر عليها لتدارك تلك الأخطاء، ونعمل على التفكير في مجموعة من الاقتراحات التي سنتقدم بها التي يمكن أن تفيد في العملية التشريعية». ويوضح وهبي أن التهيؤ للموسم السياسي المقبل «يتم من خلال لقاءات متقطعة نقف من خلالها على إمكانيات تطوير أدائنا البرلماني والاقتراحات التي سنأتي بها وما سنطرحه من مشاريع، والمسألة الثانية هي التعامل مع الاقتراحات التي سيأتي بها الطرف الآخر من الأغلبية، لكن التطورات السياسية لا تخلقها المعارضة أو الأغلبية لوحدها، ولكن أيضا الظروف الوطنية والدولية». وفي علاقة المعارضة بالحكومة، خاصة في ظل شد الحبل بين الطرفين، والذي بلغ مداه عقب منع وزارة الداخلية للحفل الختامي لشبيبة العدالة والتنمية بطنجة، يرى وهبي أن «مشكل العدالة والتنمية بطنجة ليس بمشكل المعارضة، ولكن هو مشكل الحكومة، فهناك خلاف داخل مكونات هذه الحكومة وهي التي تتحمل المسؤولية، وهذه رسالة في لحظة الدخول السياسي تعبر بأن الحكومة هيأت نفسها لهذا الدخول في جو من التشرذم ومن الاختلاف والمواجهة الذاتية بينهم». ويعبر وهبي عن تخوفه من عدم قدرة هذه الحكومة «غير المنسجمة» على التعامل مع مجموعة من القضايا الكبرى، «فنحن نشعر أن الانسجام من المفروض أن يكون بين مكونات الحكومة لكي تشرف على العملية الانتخابية التي ستكون على مستوى طنجة ومراكش، والدخول المدرسي والدخول الاجتماعي والاقتصادي، فأنا أتساءل ما الذي تقوم به الحكومة الحالية أمام هذه التحديات وهي مازالت تنازع نفسها بنفسها، ولهذا لن تكون لها القدرة على الإبداع أو التفكير، لأن ما تقوم به الآن هو رد للضربات فقط». هي، إذن، تحديات حقيقية تنتظر المعارضة، كما الأغلبية، لإيجاد مخرج لمختلف الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. فإذا كانت الحكومة هي المسؤولة الأولى عن تدبير الشأن العام وبلورة السياسات العمومية، فإن دور المعارضة سيكون له الأثر الأكبر عندما تتمكن من تطوير أدائها من خلال حقوقها الرقابية والتشريعية، واقتراح بدائل نوعية للمساهمة في إيجاد حلول ملموسة للإشكالات التي تعاني منها البلاد.