أصحاب مدارس التعليم الخاص حائرون.. يفكرون.. يتساءلون.. وأكثر من ذلك هم غاضبون، وفوق هذا وذاك يهدّدون بأشياء وأشياء إذا لم تقدم لهم الدولة تنازلات. لماذا يغضب أصحاب مدارس خصوصية يعرفون أكثر من غيرهم أنهم من أذكى أذكياء المغرب، أي أنهم جعلوا من مهمة وطنية نبيلة وسيلة لتكديس المال، بل جعلوا من التخلف وسيلة لكي يتقدموا هم وحدهم. لنتوجه عند أول معلمة في التعليم الخصوصي ونسألها عن وضعيتها المالية وعن عدد ساعات العمل، ثم نسألها عن التغطية الصحية، وبعد ذلك عن عُطلها وإجازة مرضها وحالتها النفسية والمادية حين تكون حاملا مثلا. أكيد أننا، في الأغلبية الساحقة من الحالات، سنجد هذه المعلمة المسكينة أشبه بالمهاجرة السرية العاملة في حقول التوت بالجنوب الإسباني. في حالات أخرى كثيرة نجد أن مدرسين كثيرين في المدارس العمومية، أي مدارس الدولة، يحتالون على القانون ويشترون شهادات مرضية ثم يتوجهون مباشرة نحو المدارس الخصوصية لكي يكسبوا مصروفا إضافيا. لا يمكن أبدا أن نقول إن هؤلاء مساكين وإن أجرتهم لا تكفيهم، بل المساكين الحقيقيون هم أبناء الشعب الذين يتحولون في هذه الحالة إلى ضحية مزدوجة، ضحية في التعليم العمومي وضحية في التعليم الخصوصي. المدرّسون الذين يحتالون على القوانين لكي يتوجهوا إلى التعليم الخاص ليدرّسوا فيه يعرفون أن نفقات الشعب هي التي تغطي عطلهم وتقاعدهم ومرضهم، ومع ذلك فإن أصحاب التعليم الخاص يشتكون رغم أنهم لا يُغطّون أي شيء. هناك بالتأكيد مدارس خصوصية يعمل أصحابها من أجل المساهمة في رقي التعليم في البلاد، لكن لا يمكن أبدا القول إن أصحابها يشكّلون الأغلبية في هذا المجال، لأن الأغلبية الساحقة من هؤلاء يشبهون «أغنياء حرب» جعلوا من هذا المجال فرصة للاغتناء السريع، وهناك أمثلة كثيرة عن أشخاص كانوا لا يستطيعون شراء حذاء جديد، فصاروا اليوم يلعبون بالمال بفعل التعليم الخاص. التعليم الخاص ظهر في المغرب أول الأمر كنضال وطني ضد الاستعمار والنهب الثقافي، وتبرع محسنون مغاربة بسطاء بكل ما لديهم من أجل فتح مدارس يتم فيها تعليم العربية والقرآن والقيم الوطنية وروح المقاومة. بعد ذلك، توسع التعليم الخاص من أجل سد بعض الثغرات في التعليم العمومي، ومع توالي السنوات تحول إلى تعليم لا مفر منه، وأصبحت كثير من المدارس الخصوصية، خصوصا الثانوية، تبيع الشهادات والمستويات، وتطور ذلك إلى مؤسسات تعليمية جامعية، كلما دفعت فيها أكثر، حصلت بسرعة على شهادتك. لكن أخطر ما في الأمر هو التعليم الخاص المرتبط بأطفال صغار يحْبون داخل أقسامهم، صاروا مثل نعاج يتم حلبها بوحشية، ولا يهم إن كانت أقسامهم لا تصلها أشعة الشمس أو مصابة بلوثة الرطوبة والميكروبات؛ وهناك حضانات أو مدارس ابتدائية في أقبية الفيلات ولا تصلها أشعة الشمس، ومع ذلك فإن وزارة التعليم أصيبت بداء الخرس ولا تستطيع حتى رفع سبابتها احتجاجا. جاءت المدارس الخصوصية أيضا من أجل فك معضلة الازدحام في المداس العمومية، لكن اليوم توجد أقسام في المدارس الخاصة بتلاميذ يفوق عددهم الأربعين، أما القوانين فلتذهب إلى الجحيم. هناك مدارس خصوصية رفعت قيمة ورسوم التسجيل بشكل صاروخي، وزادت ألف درهم دفعة واحدة على رأس كل شهر. ويبدو أن الربح السريع الذي يتيحه التعليم الخاص في المغرب دفع أناسا من خارج البلاد إلى الاستثمار فيه، وجاء فرنسيون وكنديون وإسبان وبريطانيون وآخرون إلى هذه البلاد التي لا يحاسب فيها أحد، وبدا كما لو أنهم اكتشفوا البترول عندنا قبل أن نكتشفه نحن. ويكفي أن يقوم وزير التعليم بعملية حسابية بسيطة حول الأرباح التي تجنيها المدارس الفرنسية أو الإسبانية ليجد العجب. المغاربة مستعدون اليوم للتضحية بكل شيء من أجل تدريس أبنائهم وضمان مستقبلهم، وهذا ما أدركه جيدا أشخاص جشعون جعلوا من التدريس الخاص دجاجة تبيض ذهبا؛ ولم يكتفوا بذلك، بل ذبحوا الدجاجة لكي يكتشفوا ما بداخلها، وجعلوا سمعة التعليم الخاص على كف شيطان مارد.