عواصم العالم هي مرايا لعوالم العالم، في تعدد جنسياته وحضاراته.. وطموحاته، ولأن «الأفكار أصل العالم» كما قال الفيلسوف الفرنسي أوغست كونط، فإن العواصم ليست فقط جغرافيا وديموغرافيا، بل هي أساسا أفكار مهدت لتشكل حضارات، فالعواصم تواريخ، إذ وراء كل عاصمة كبيرة تاريخ كبير وحلم أكبر.. من روما الأباطرة القدامى وبغداد العباسيين وصولا إلى واشنطن العالم الجديد.. تتعدد العواصم وقد تتناحر وقد تموت وتولد من جديد.. لكن تبقى العاصمة عاصمة لكونها مدخلا لفهم البشر وهم يتنظمون ويحلمون. طوكيو هي علصمة اليابان إحدى أهم الدول الآسيوية وعملاق من عمالقة الصناعة والتكنولوجيا الحديثة، تمكنت من أن تحتل مكانة متميزة بين الدول لتصبح واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، واستطاعت أن تنهض سريعاً بعد الهزيمة التي حلت بها في الحرب العالمية الثانية. تعرف اليابان بمناظرها الطبيعية الخلابة، وعلى الرغم من جمال الطبيعة الممنوح لليابان إلا أنها تتعرض لقسوتها أيضا فتتعرض لكثير من الظواهر الطبيعة والتي تأتي كثيرا في شكل مدمر، فمن المعروف عن اليابان كثرة تعرضها للزلازل والتي تقدر بالآلاف في السنة الواحدة، كما يوجد بها العديد من البراكين النشطة، هذا بالإضافة لموجات المد الزلزالية أو ما يعرف بتسونامي، وعلى الرغم من كثرة هذه المخاطر التي تتعرض إليها إلا أن هذا لم يأخذ من عزيمتها وسعيها نحو التقدم شيئا فها هي واقفة صامدة يمر عليها كل يوم بمزيد من التقدم الصناعي والتكنولوجي، حتى إنها تحدت المخاطر الطبيعية فعملت على إنشاء مبان بتقنيات حديثة مقاومة للزلازل بالإضافة لامتلاكها أجهزة رصد وقياس دقيقة تتمكن بفضلها من تتبع هذه الظواهر الطبيعية. تتألف دولة اليابان من مجموعة من الجزر (حوالي أربعة آلاف جزيرة) منها أربع جزر رئيسية وهي هوكايدو، وهونشو، وكيوشو، وشيكوكو تمتد على شكل أرخبيل وتشكل مع بعضها قوسا يمتد لمسافة 1.900 كلم مربع، تقبع الجزر اليابانية بشمال المحيط الهادي أمام الساحل الشرقي لآسيا في مواجهة كل من روسيا وكوريا والصين، وبين كل من المحيط الهادي من ناحية الشرق وبحر اليابان من الغرب. تم استيطان المكان الذي تحتله مدينة طوكيو الحالية منذ فترة جومون، ثم أصبح من ضمن الأراضي الملكية (التابعة للإمبراطور) أثناء فترتي نارا وهييآن. سقطت المنطقة أثناء العصور الوسطى في أيدي المحاربين القادمين من السهول الشرقية المجاورة، أسس هؤلاء حكومة عسكرية في جنوبي خليج طوكيو: في المكان المسمى كاماكورا، كان ذلك في نهاية القرن ال12 م، ومنذ ذلك العهد أخذت المدينة اسمها الأول إيدو ومعناها ميناء الخليج (خليج طوكيو اليوم). أصبحت طوكيو عاصمة اليابان منذ بداية القرن ال17 م، وعرفت عصرا مزدهرا أثناء فترة إيدو، بلغ عدد سكانها المليون نسمة في القرن التالي (ال18 م). بعد سقوط نظام الشوغونية، وأثناء فترة التحولات اضمحل دور المدينة، لصالح كيوتو العاصمة الإمبراطورية. إلا أن البلاط قرر أخيرا أن ينقل عاصمته إلى إيدو، وتمت إعادة تسميتها إلى طوكيو (ومعناها العاصمة الشرقية). أخذت المدينة تتطور وأصبحت من كبرى المدن العالمية. أثناء بدايات فترة مييجي أخذت المدينة القديمة تتحول، فاحتضنت كبرى الشركات، وأولى الجامعات في البلاد كما عرفت أولى النشاطات الصناعات. تحول مظهر المدينة عام 1870 م، عندما أقيمت الإنارة العمومية (كانت تعمل بالغاز) في شوارعها، وتم تشييد المحطة المركزية، كانت القطارات تنطلق منها إلى مدينة يوكوهاما ومن ثمة إلى سائر أرجاء البلاد. بعد عقد من الزمن بدأت خطوط «الترام» تغزو شوارع المدينة، كما شرع في تشييد مبان حكومية جديدة في حي كاسوميغاسيكي وأخرى لتحتضن مقرات الشركات الكبيرة في حي مارونوأوشي، أنجزت أغلب هذه المباني بالحجر ووفق المخططات الغربية، غيرت هذه التحولات وجه مركز المدينة القديم، ثم أصبحت شوارعها تضاء بالإنارة الكهربائية. مع حلول القرن ال20 م، ازدادت طوكيو اتساعا: تكون حولها نسيج عمراني كثيف، واستغلت كل المساحات الشاغرة على امتداد الضفة الغربية لخليج طوكيو، ثم أخذت تبتلع أراضي جديدة إلى الشمال والشرق. تعرضت المدينة للدمار مرات عدة، فالحرائق والهزات الأرضية دمرت العديد من أحيائها، ثم أتى الزلزال الكبير لعام 1923 م على أكثر من نصف مباني المدينة. وتسببت حملات القصف الجوية أثناء الحرب العالمية الثانية في مقتل أزيد من 100.000 شخص وتدمير كامل النسيج العمراني على امتداد 100 كلم مربع. تمت عملية إعادة البناء بوتيرة سريعة: محاور طرق جديدة رسمت حول المدينة؛ وضع برنامج خاص لتشييد مبان مدنية وحكومية وإدارية، وانتهي العمل به عام 1964 م مع انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو. لا تكاد أوراش الأعمال في طوكيو تهدأ، فبسبب الهزات التي تتعرض لها والتي تلحق أضرارا جسيمة بمبانيها، لا تعمر أكثر المباني لأكثر من جيل واحد من الزمن. بدأت البيوت الخشبية القديمة، والتي كان يتم إعادة بنائها كل 20 سنة تقريبا، في التلاشي، تاركة مكانها لمبان حديثة، أنجزت لتحمل الزلازل القوية. أخذت مبان جديدة ذات طراز معماري عصري تأخذ مكانها في الأحياء الحديثة، تتحدى هذه المباني بعلوها الشاهق الأخطار الطبيعية والزلازل، ويعترض بعض سكان المدينة عليها لأنها تحجب عنهم رؤية جبل فوجي المقدس. لا تنفك مدينة طوكيو تتجدد، وتكاد الأشغال فيها لا تنتهي. لم يتبن المسؤولون فيها أيا من المخططات العمرانية، لذا يبدو نسيجها العمراني متنوعا، وتظهر المدينة أكثر كتجمع لقرى صغيرة تحافظ كل منها على خاصيتها الفريدة. تعد الشوارع الكبرى والتي اختطت في سنوات 1950-1960 م والمباني الحديثة واجهة المدينة الرئيسية، إلى جانب الأحياء القديمة والمباني الصغيرة المؤلفة من طابق أو طابقين والمعابد والمزارات والأبنية الخشبية المنتشرة عبرها. تقدم المدينة لزائريها منظرا مشكلا وغير متناسق في الأغلب، تتعايش فيه مختلف الطرز المعمارية ومواد وأساليب البناء المتنوعة. عكس ما يعتقده البعض، المنتزهات والمساحات الخضراء في طوكيو كبيرة وواسعة، سواء في وسط المدينة أو على ضفاف نهر سوميدا. يقع القصر الإمبراطوري في مدينة إيدو القديمة، وتعتبر هذه المنطقة قلب المدينة التاريخي. تكثر فيها المساحات الخضراء ويرتفع مقر إقامة العائلة الإمبراطورية في وسطها، ويحظر على العامة زيارة المكان. إلى جهتي الجنوب والغرب يقع حي كاسوميغاسيكي، وتتجمع فيه أغلب الهيئات الحكومية الرسمية: البرلمان، مقر إقامة رئيس الوزراء، والوزراء والمحكمة العليا. إلى الشرق من القصر الإمبراطوري يقع حي مارونوأوتشي، أحد أهم مراكز الأعمال في المدينة والبلاد، توجد فيه مقرات العديد من المؤسسات البنكية الكبرى. يليه إلى ناحية الشرق، حي جينزا الشهير، قديما كان هذا الحي مكانا لتجمع تجار الجملة القادمين من أوساكا، وأصبح اليوم مكان التسوق المفضل لأهالي المدينة، تنتشر فيه المحلات التجارية الكبرى، المطاعم، دور السينما والمسارح، ويتم منع مرور المركبات فيه يوم الأحد لتقتصر حركة السير في شوارعه على الراجلين فقط. بعد جينزا وإلى الشمال والشرق وعلى امتدا نهر سوميدا، تمتد أحياء المدينة القديمة (القصبة)، يقع فيها حي أساكوسا الشعبي، والذي يشتهر بشوارعه الضيقة والمتعرجة وتنتشر عبرها دكاكين الحرفيين، تنشط في هذا الحي تجارة المصنوعات لتقليدية، كما يقع فيه معبد سينسو (أو سينسو جي)، والذي كرس لشخصية كاننون، إله الرحمة حسب الديانة البوذية (حسب التقليد الياباني).