خرجت ولاية أمن البيضاء يوم الجمعة الماضي، عن صمتها حول الحالة الأمنية المقلقة التي أصبح عليها كثير من أحياء المدينة وأعلنت عن توقيف 2338 شخصا في إطار حملة أمنية خلال أسبوع واحد بتهم مختلفة. تحرك ولاية أمن البيضاء، الذي أسفر عن توقيف هذا الكم الهائل من المتهمين في جرائم مختلفة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول نجاعة الاستراتيجية الأمنية التي وضعها المسؤولون الأمنيون بالطابق السابع لولاية أمن البيضاء، وكذلك نجاعة العمل اليومي للأجهزة الأمنية بالمدينة، ما دام أن تحركا بسيطا لمدة أسبوع مكن من اعتقال كل هؤلاء المتهمين والمبحوث عنهم في جرائم مختلفة، منهم من روع البيضاويين لأشهر دون أن تستطيع أيدي الأجهزة الأمنية الوصول إليه. التعرض لاعتداء بالشارع العام أصبح شعورا ملازما لعدد كبير من البيضاويين، بعد الارتفاع الملحوظ لنسب الجريمة، الذي تعرفه المدينة أسوة بباقي مدن المملكة، وهو الشعور الذي تزكيه الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية، التي أقرت أن نسبة الجريمة في المغرب ارتفعت خلال الستة أشهر الأولى من السنة الجارية ب12 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2011. أكيد أن هذه النسبة سترتفع بعدة نقط إضافية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن عددا كبيرا من المغاربة، الذين يتعرضون للسرقة أو لاعتداءات، يفضلون عدم التبليغ بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة داخل الدوائر الأمنية، وكذلك للطريقة المباشرة التي يتم بها عرض المتهمين على الضحايا من أجل التعرف عليهم، والتي يمكن أن تولد لدى أصحاب السوابق العدلية رغبة في الانتقام يمكن أن تتحول إلى انتقام بشع بعد إتمام مدة العقوبة ومغادرة أسوار السجن. صور الجرائم والاعتداءات البشعة التي تتناقلها الصحف كل يوم بمختلف أحياء المدينة تغذي الشعور بعدم الأمن لدى البيضاويين، الذين أصبح بعضهم، وخاصة النساء، لا ينتقل بين أحياء المدينة إلى للضرورة القصوى، خوفا من التعرض للاعتداء. أخطاء أمنية يعيد خبراء أمنيون سبب ارتفاع الجريمة بالعاصمة الاقتصادية إلى أخطاء أمنية ارتكبت من طرف المسؤولين بولاية أمن العاصمة الاقتصادية، وفي مقدمتها خلق حالة من الارتباك وسط الموظفين والمسؤولين الأمنيين بالمدينة، من خلال إجراء حركة انتقالية موسعة همت لأول مرة 475 شخصا خلال الأشهر الماضية، من بينهم موظفون وجدوا أنفسهم ينقلون لمرتين متتاليتين، وهو ما خلق جوا من الترقب وعدم الاستقرار لدى هؤلاء الموظفين، وأثر بلا شك على مردوديتهم المهنية في مكافحة الجريمة والظواهر المشينة بالشارع العام. إلى جانب هذه الحركة الانتقالية غير المسبوقة، يبقى اختيار التخلي عن بعض الأسماء من المسؤولين الذين راكموا خبرات مهمة في العمل، سواء في الشرطة القضائية أو الأمن العمومي للمدينة، أمرا أدى إلى وجود فراغ رغم تعويضهم بمسؤولين آخرين قادمين من مدن أخرى، ويلزمهم كثير من الوقت لفهم خصوصية مدينة كبرى كالدارالبيضاء. بدأت هذه التغييرات برؤساء 35 دائرة أمنية، وامتدت إلى مسؤولين أمنيين بولاية الأمن ذاتها، وخلفت فراغا رغم بعض الملاحظات التي وجهت لهم كرئيس الشرطة القضائية بولاية الأمن، محمد عبقري، الذي ألحق بالمديرية العامة، ورشيد السميري، رئيس الفرقة الولائية الجنائية، ومسؤول الأمن العمومي بولاية الأمن. ويبقى العامل الثالث، حسب المصادر ذاتها، في المشاكل الأمنية التي تعرفها المدينة بسبب ارتفاع عدد الجرائم، تحويل عدد من رجال الشرطة بالزي الرسمي إلى رجال أمن دون زي رسمي، ولا يتعلق الأمر هنا بالرتب التي تخول لأصحابها هذا الامتياز، بل يتعلق الأمر برتب حراس أمن ورقيب شرطة، وهو ما يؤثر على الأمن العمومي في الشارع، الذي يعاني أصلا من نقص في الموارد البشرية، على اعتبار أن رؤية المجرمين لرجال الأمن بالزي الرسمي ستثنيهم عن ارتكاب الجريمة، وهو ما يسميه خبراء الأمن بالأمن الوقائي، الذي يقوم على نشر أفراد الأمن بالشارع العام لمنع حدوث الجريمة وردع مقترفيها قبل قيامهم بذلك. إضعاف الأمن العمومي
يعتبر السماح لرجال الأمن بالزي بنزعه والتحول إلى الزي العادي إضعافا للأمن العمومي، وهذا الأمر لا يتم من أجل تقوية تخصصات أخرى جوهرية تتكامل من أجل محاربة الجريمة كالاستعلامات العامة أو الشرطة القضائية، بل الأمر لا يتجاوز إلحاقهم ببعض المصالح الإدارية كحوادث السير، التي يكونون في غالب الأحيان غير مؤهلين للعمل بها، بسبب طبيعتها التقنية الدقيقة التي تتطلب الخضوع لتكوين خاص. هذا الضعف الذي يعرفه الأمن العمومي بالعاصمة الاقتصادية، يتضح جليا في غياب العدد الكافي من الدوريات التي تجوب الشوارع الرئيسية والنقط السوداء المسجلة لدى الأجهزة الأمنية، من أجل التصدي للفعل الإجرامي ومنع وقوعه. ويمكن ملاحظة هذا الخلل في عدم توفر مؤسسات حيوية على الحماية الأمنية الكافية كالمستشفيات، وخاصة أقسام المستعجلات، وعلى حراسة أمنية يمكن أن تتدخل في حالة حدوث أي مشاكل أو اعتداء على الطاقم الطبي أو المرضى كما حدث أخيرا بالمركز الاستشفائي ابن رشد، بعد أن اعتدى منحرفون على الطاقم الطبي والتمريضي، ما دفع هؤلاء العاملين إلى القيام بوقفة احتجاجية للتنديد بما حدث. وبخلاف المستشفيات والمؤسسات العمومية، فإننا نجد المصالح الأمنية تحرص على التواجد الأمني المكثف بالشريط الساحلي «عين الذياب»، الذي يضم الحانات والملاهي الليلية رغم وجود أفراد للأمن الخاص بتلك المحلات. إقبار مشروع أمني طموح يحسب كثير من رجال الأمن لوالي أمن البيضاء السابق، مصطفى الموزوني، الذي يقضي فترة تأديبية بزاكورة، بعد تنقيل على خلفية غضبة ملكية رغم الأخطاء التي ارتكبها، قيامه بتطوير عمل الأمن العمومي وأداء الشرطة القضائية من خلال مشروع طموح تبناه بشكل شخصي ودافع عنه أمام مسؤولي المديرية العامة، وهو عبارة عن مكتب مركزي لتحليل الجريمة على مستوى ولاية أمن البيضاء، يقوم على تجهيز بنك معلومات ضخم يشتمل على صور المجرمين وأسمائهم وألقابهم ومعلوماتهم الجينية «ADN» والمدد التي قضوها بالسجن وتخصصاتهم. وخصصت لهذا المشروع تجهيزات إلكترونية مهمة وميزانية ضخمة، غير أنه ومنذ تعيين والي الأمن الجديد، عبد اللطيف مؤدب، على رأس ولاية أمن البيضاء بالنيابة قبل ترقيته وتثبيته في هذا المنصب، توقف العمل في هذا المشروع الطموح ولم تعد له الأهمية ذاتها التي كانت له في عهد والي الأمن السابق، رغم كونه وسيلة علمية مهمة من أجل مساعدة المحققين على فك ألغاز الجرائم والوصول إلى الجناة في مدد قياسية تخفف العمل على المحققين وتمكنهم من الانتقال لحل ألغاز جرائم أخرى، وبالتالي تفادي مشكل تراكم الملفات التي يعاني منها أفراد الشرطة القضائية، سواء على مستوى الفرقة الولائية الجنائية أو مصالح الشرطة القضائية بمختلف المناطق الأمنية للمدينة، والتي عصفت بعدد من المسؤولين الأمنيين بولاية أمن البيضاء. الفرقة الوطنية تدخل على الخط في الأول من شهر غشت الماضي، تم بث شريط فيديو مدته 5 دقائق و25 ثانية على موقع «يوتوب» يظهر تاجرا للمخدرات بسيدي مومن يروج بضاعته بكل حرية دون أن تتدخل أجهزة الأمن لإيقافه. وخلف الشريط، الذي كان صادما، حالة من الاستنفار غير المسبوق بولاية أمن البيضاء والمديرية العامة للأمن الوطني، التي أمرت على الفور بتوقيف تاجر المخدرات الذي ظهر في الشريط وهو يروج بضاعته بكل حرية. أمام هذا الوضع، وأمام تزايد الجريمة بمختلف أحياء الدارالبيضاء، تدخلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط بتعليمات من المديرية العامة، وقامت رفقة المصالح الأمنية المحلية بإلقاء القبض على تاجر المخدرات، الذي ظهر في الشريط مع أحد مساعديه. كما قامت أربع فرق تابعة للفرقة الوطنية، بتنسيق مع الشرطة القضائية لأمن البرنوصي -أناسي، بإنزال أمني مكثف شمل أحياء البرنوصي وسيدي مومن ودوار السكويلة والتشارك، التي شهدت اختلالات أمنية خطيرة الشهر الماضي، وتمكنت الفرقة في وقت قياسي من إيقاف 34 مبحوثا عنهم، 12 منهم بموجب برقيات وطنية و22 بمذكرات بحث، كما أسفر هذا الإنزال عن اعتقال أكبر مروج لأقراص الهلوسة الملقب ب«الدبيش»، والذي سبق أن صدرت في حقه 30 مذكرة بحث، دون أن تتمكن المصالح الأمنية بولاية أمن البيضاء من توقيفه. هذا التدخل الذي قامت به الفرقة الوطنية، سيتكرر في عدد من أحياء العاصمة الاقتصادية من أجل توقيف عتاة المجرمين، الذين فشلت المصالح الأمنية للشرطة القضائية في توقيفهم.
أهم الاختلالات الأمنية الهجوم على قيسارية الذهب بدرب السلطان أمام تنامي عدد الجرائم بالمنطقة، اضطر تجار قيسارية الذهب بالحفاري إلى الاحتجاج أمام الدائرة الأمنية السابعة على حالة الانفلات الأمني التي تعرفها المنطقة، بعد أن هاجمهم أحد المنحرفين الذي دخل في شجار مع آخر بسيف، وهو ما تطلب تدخل أحد رجال الأمن من فرقة الصقور، الذي اضطر إلى استعمال سلاحه الناري من أجل توقيف المهاجم واعتقاله، دون أن يتمكن من ذلك، وهو الحادث الذي أدى إلى إصابة أحد الأشخاص كان بالمكان بشظايا الرصاصة التي خرجت من مسدس رجل الأمن.
وفاة طالبة بسبب السرقة لعل الحادث المؤلم الذي هز سكان سيدي مومن وعموم مدينة الدارالبيضاء هو وفاة الطالبة خديجة، ذات ال22 ربيعا، والتي دهستها شاحنة بينما كانت تحاول حماية حقيبتها اليدوية من أحد اللصوص الذين ينتشرون بالمنطقة المسجلة في النقط السوداء، دون أن تضع ولاية أمن البيضاء أي استراتيجية أمنية محكمة لمواجهة استفحال الجريمة بالمنطقة. أكيد أن السلطات الأمنية ليست هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذا الوضع الذي خلقته عوامل اقتصادية واجتماعية، لكن دورها الأساسي سيبقى هو الحرص على سلامة وأمن المواطنين مهما كانت الظروف وتحت أي مبررات.
السطو المسلح على الحافلات من المظاهر المقلقة لحالة التسيب الأمني التي تعرفها مدينة الدارالبيضاء، تشكل عصابات إجرامية صغيرة من 4 أو 5 أفراد، تقوم بالسطو المسلح والمنظم على الحافلات بالمدينة، وكان آخر حادث في هذا السياق، هو الهجوم الذي تعرضت له الحافلة رقم 23 يوم السبت الماضي، حينما داهمت عصابة إجرامية ركاب الحافلة المذكورة من أجل السطو المسلح على ممتلكاتهم. ولولا تدخل رجل أمن على متن سيارة لجر السيارات «ديبناج» أنقذ الموقف، لتحولت حياة الركاب إلى جحيم تلك الليلة نتيجة سلبهم جميع ممتلكاتهم وربما كان سيمتد الأمر إلى الاعتداء الجسدي عليهم. هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها جرائم أخرى في السطو المسلح على الحافلات، خاصة بمنطقة عين الشق من طرف عصابة إجرامية تتكون من مجموعة من القاصرين، الذين كانوا يصعدون إلى الحافلات ويسلبون ركابها ممتلكاتهم الثمينة قبل أن يلوذوا بالفرار.
عائلة مروج مخدرات تطرد رجال الأمن في 23 يوليوز الماضي، ظهر شريط فيديو على موقع «يوتوب» يصور رجال أمن تابعين لولاية أمن البيضاء بالزي الرسمي يفرون من منطقة الفداء، بعد مهاجمتهم من طرف عائلة تاجر مخدرات كان يروج بضاعته بشكل علني، رغم أن مقر الأمن لا يبعد عنه إلا بمئات الأمتار فقط. هذا الاعتداء دفع ضابط الأمن الذي قاد العملية إلى استعمال سلاحه الناري من أجل الدفاع عن نفسه وزملائه أمام محاولة الاعتداء التي تعرضوا لها من طرف عائلة وأقارب تاجر المخدرات. هذا التدخل خلق حالة من الارتباك لدى المسؤولين الأمنيين، في ظل غياب التنسيق بين المسؤول عن الفرقة الولاية الجنائية ورئيس الدائرة الأمنية، التي ينشط بنفوذها الترابي تاجر المخدرات، ربما مخافة تسرب الخبر وتمكنه من الفرار قبل وصول رجال الأمن لاعتقاله، هذا الحادث أظهر بجلاء أن هناك مشاكل في التنسيق بين الفرقة الولائية الجنائية ورؤساء المناطق بخصوص التدخلات التي تقوم بها الفرقة المذكورة لتوقيف المشتبه فيهم.