بعد سنتين ونصف من الخدمة كسفير لجمهورية تركيا لدى المغرب، أعود إلى أنقرة لأتقلد مهاما جديدة في وزارة الشؤون الخارجية. أترك هذا البلد الجميل بنكهة فرحة اللحظات المتميزة التي عشتها بين أحضانه في حياتي المهنية والخاصة على حد سواء. كنت سعيدا بالتعرف على الشعب المغربي، شعب مشهود له بالترحيب بالضيف والحرارة في الاستقبال، صديق الشعب التركي. أراني محظوظا لكوني عرفت كذلك المغرب، ليس فقط كبلد ذي تاريخ عظيم وثقافة غنية، ولكن أيضا كبلد ذي مجتمع منفتح يعرف عملية إصلاح رائعة تهم شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. خلال فترة ولايتي كسفير لتركيا لدى المغرب، كنت شاهدا على فترة تاريخية اتسمت بالتغيير والاضطرابات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أما المغرب، بفضل نبض مجتمعه المدني ونشاطه ومؤسساته، وخاصة رؤية ملكه، جلالة الملك محمد السادس، يمشي مشيا حثيثا في طريقه إلى الدمقرطة والتحديث، إذ ساعد اعتماد الدستور الجديد وتنظيم انتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة تمثيلية للمغرب على تأكيد دوره كنموذج للتطور والنمو في ظل الاستقرار للمنطقة بأسرها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. خلال وجودي في المغرب، واصلت العلاقات التركية المغربية نموها بإيقاع أكبر. وقد ساعدت المواقع الجيو-استراتيجية لبلدينا على التوالي، المقرونة بأهمية متزايدة في إطار التطورات التي تشهدها المنطقة، هذا الاتجاه للتعاون الثنائي. على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية، ازداد حجم التجارة في عام 2011 بنسبة 30 في المائة مقارنة بالعام السابق لتصل إلى ما مجموعه 1.34 مليار دولار. قد تعطي الزيادة في تجارتنا خلال الأشهر الأولى من هذا العام 2012، بمعدل متوسط 35 في المائة، نتيجة في نهاية العام تقترب من ملياري دولار. عدد الشركات التركية العاملة في المغرب قد استمر في الارتفاع، كما تواصل شركات البناء التركية إنجاز المشاريع المهيبة. تتمتع الشركات التركية بموضع تقدير دائم بفضل ما تتسم به من جودة الخدمة والأسعار المعقولة والاحترام الصارم لآجال التسليم. خلال فترة وجودي في المغرب، اجتمعت اللجنة الاقتصادية المشتركة بعد انقطاع دام سبع سنوات، واتخذت قرارات هامة. وعقد وزير الدولة التركي، السيد حياتي يازجي، الذي يرأس هذه اللجنة بمعية نظيره المغربي، محادثات مع عدة وزراء مغاربة. خلال نفس الفترة، أعطت كذلك زيارة السيد ظافر تشاليان، وزير الاقتصاد لدينا، دفعة للتعاون. وقام وزير الخارجية التركي، السيد أحمد داود أوغلو، بزيارة رسمية للمغرب، الذي تبعه في زيارة رسمية، بعد 25 عاما، وزير الشؤون الخارجية المغربية والتعاون، السيد سعد الدين العثماني. تم توقيع ثمان اتفاقيات ثنائية خلال هذه الزيارات، ومن شأنها أن تعطي دفعة جديدة للتعاون بين البلدين. وكان أيضا تنظيم الاجتماع الرابع في الرباط لوزراء الشؤون الخارجية لمنتدى التعاون التركي العربي حدثا هاما. إنه بعد مواصلة تطوير علاقاتنا الاقتصادية، قررنا فتح مكتب للخدمات التجارية في الدارالبيضاء تابعا لسفارتنا. كما دشنا هذه السنة ثلاث قنصليات فخرية جديدة في المغرب، تنضاف إلى القنصليتين القائمتين. بالموازاة مع ذلك، نقوم بالرفع من عدد موظفينا بالسفارة حتى تتسنى استجابة أحسن للمتطلبات المتزايدة للتعاون. كما نحن راضون جدا بأن نرى مجلس الأعمال التركية المغربية مجددا وذا دينامية وحاملا لمشاريع جديدة. خلال السنتين الأخيرتين، استمر عدد الشباب التركي والمغربي الذي يدرس في جامعات كلا البلدين في الزيادة. وتحظى جودة المدارس التركية في المغرب بموضع تقدير وتثمين دائمين. على المستوى السياحي، جلبت رحلات الخطوط الجوية التركية والخطوط الملكية المغربية والعربية للطيران بين الدارالبيضاء وإسطنبول إلى الجانبين الآلاف من السياح الأتراك والمغاربة الذين يزورون كل سنة بلدينا بدون تأشيرة، وأما المسلسلات التركية فإنها مستمرة في أن تصبح جزءا من الحياة اليومية للملايين من الأسر المغربية. بالإضافة إلى ذلك، تتعين الإشارة إلى افتتاح المركز الثقافي التركي «إمري يونس» في المستقبل القريب وقسم الدراسات التركية بجامعة محمد الخامس في الرباط. ولا شك أن المؤسستين سوف تساهمان، إلى حد كبير، في تطوير العلاقات الثقافية. يتمثل الهدف المشترك لتركيا والمغرب في تطوير العلاقات بينهما وتعزيزها في كافة المجالات من خلال إقامة المؤسسات اللازمة. وإذ يدرك الطرفان إدراكا جيدا الفوائد المتبادلة لزيادة التعاون فإنهما اتفقا خلال زيارة السيد سعد الدين العثماني في مارس لتركيا على إقامة شراكة استراتيجية. وسيتم عرض هذه الشراكة رسميا خلال الزيارة المرتقبة لرئيس حكومة المغرب، السيد عبد الإله بنكيران، لتركيا. ونرتقب العديد من الزيارات رفيعة المستوى خلال عام 2013 والتي ستنتقل بتعاوننا إلى مستويات أعلى. أقول وداعا للمغرب ولأصدقائي، المغاربة منهم والأجانب والجالية التركية في المغرب، وأنا مقتنع بأن تركيا والمغرب، البلدين الشقيقين والصديقين، سيبنيان شراكة جديدة وقوية ومنصفة ومثمرة، وسوف نواصل العمل معا من أجل تحقيق السلام والازدهار في المنطقة. أما بالنسبة إلي، فإنني من الآن فصاعدا قد أصبحت الممثل الفخري للمغرب!