صرح السيد وزير العدل بتاريخ 29 يوليوز 2012 بإحدى القنوات الفضائية بأنه في تلك اللحظة التي أدلى فيها بتصريحه لم يكن يعلم بوجود معتقلين سياسيين بالمغرب. ولكون هذا التصريح غير مطابق للواقع فإنه أثار حفيظة كثير من الحقوقيين والمعتقلين السياسيين والصحافيين والباحثين المهنيين، بالإضافة إلى ما نشرته بعض الصحف من كون السيد وزير العدل يطلب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان الاستشارة حول مفهوم الاعتقال السياسي، وأن وزارة العدل لا تعترف حاليا إلا بوجود معتقلين سياسيين اثنين في المغرب، ويتعلق الأمر بمعتقلين مغربيين ينتميان إلى حزب التحرير الإسلامي، لذلك فإننا نرى في البداية أن نساهم في هذا النقاش الحقوقي والقانوني المتعلق بمفهوم المعتقل السياسي. المعتقل السياسي هو كل شخص يسجن أو يحبس بسبب معارضته للنظام القائم في الرأي والمعتقد والانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم. وهناك فرق واضح بين معتقل رأي ومعتقل سياسي، ذلك أن معتقل الرأي هو كل من يعتقل بسبب تعبيره عن رأيه في أي موضوع، سواء تعلق الأمر بالمجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الديني وغيره من مجالات الفكر والعقيدة، مما يدعونا إلى القول إن المعتقل السياسي هو جزء من معتقل الرأي لكون اعتقاله يكون بسبب انتمائه السياسي وآرائه السياسية ومنطلقاته العقدية التي يعبر عنها، حيث لا يبدو هناك فرق واضح بينهما إلا من جهة التخصيص، فمن يعتقل بسبب آرائه السياسية باسم مستقل عن باقي معتقلي الرأي، ذلك أن المعتقل السياسي بالتحليل النهائي هو معتقل رأي أو عقيدة. وبالمناسبة، فالفقه في هذا المجال يفرق بين المعتقل السياسي والمجرم السياسي لكون الفرق بينهما كبيرا، ذلك أن المعتقل السياسي يتعرض للاعتقال للحد من حريته بمجرد أنه يؤمن بعقيدة أو فكر معين وآراء سياسية، بل ولمجرد التعبير عن تلك الآراء السياسية والمعتقدات والأفكار التي يؤمن بها. عكس ذلك هو المجرم السياسي، فإنه لا يقتنع ولا يكتفي بالإيمان بقلبه والانعزال بأفكاره والانطواء على عقيدته السياسية ولا يقف عند حد التعبير عن كل ذلك. إن المجرم السياسي، في نهاية المطاف، يمر من مرحلة الفكر والعقيدة ويتجاوزهما إلى مرحلة ثانية، وهي درجة أعلى بالنسبة إليه من النضال، وهي الممارسة على أرض الواقع بهدف تطبيق أفكاره أو عقيدته، فتراه مندفعا من أجل ارتكاب أفعال جرمية مادية مقصودة نرى، نحن رجال القانون، أنه معاقب عليها، مبتغيا من وراء ذلك نشر عقيدته السياسية نصرة لها أو لقبيلته أو جماعته السياسية أو تطبيقا أو خدمة لأهدافها، بل إنه يفعل ذلك كله لحماية وجهة نظره وآرائه السياسية. ونحن، في هذه الحالة، نطلق عليه اسم المجرم السياسي وليس المعتقل السياسي أو معتقل رأي .إننا، في هذه الحالة، أمام مجرم سياسي وليس أمام معتقل سياسي -كما سبقت الإشارة إلى تعريفه- يعتقل بسبب آرائه، بل إن وقائع النازلة والجرم الذي ارتكبه (سواء كان جناية أو جنحة أو مخالفة ) تؤشر على أننا أمام شخص دفعته أفكاره وعقيدته الدينية أو السياسية إلى ارتكاب جريمة أو عدة جرائم يعاقب عليها القانون؛ لذلك فإننا نرى أن هناك فرقا شاسعا بين معتقل رأي والمجرم السياسي، ذلك أن الدستور والقوانين الوطنية والدولية تحمي معتقلي الرأي بينما المجرمون السياسيون لما يرتكبون أفعال جرمية يعاقب عليها القانون بدافع وباعث سياسي فإنه بذلك لا تشملهم الحماية الدستورية وحماية القانون ويعرضون أنفسهم للمساءلة و الاعتقال والمحاكمة والعقوبة مثل باقي المواطنين. ودور الجمعيات الحقوقية بالنسبة إلى الصنف الأول، وهو المعتقل بسبب الرأي والعقيدة الذي لم يرتكب أفعالا تشكل جريمة أو جرائم حسب وقائع كل نازلة، هو رصد الانتهاك وتحليله وتصنيفه والتصدي له وتوفير الحماية اللازمة لمعتقل الرأي واعتبار أنه لا يجوز اعتقال مواطنين في دولة الحق والقانون بسبب أفكارهم ومعتقداتهم، ذلك أن الاعتقال السياسي من منظور القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني عمل محظور في كافة المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ومن يرتكب هذا النوع من الاعتقال يعد مجرما في نظر القانون. أما دور الجمعيات الحقوقية بالنسبة إلى المجرم السياسي فهو التركيز على المطالبة بتجنب كل الانتهاكات عند لحظة الاعتقال، من اختفاء قسري واختطاف وتعذيب وإهانة حاطة بالكرامة وتجاوز لمدة الحراسة النظرية وغير ذلك من الخروقات التي تطال ملفات الاعتقال السياسي عادة، ومطالبة الجهات المسؤولة بتوفير ضمانات المحاكمة العادلة ومراقبة هذا النوع من المحاكمات وإصدار تقارير بشأنها تخص رصد الانتهاكات وفضحها. وفي ضوء هذا التقديم، يمكن المساهمة بالملاحظات الآتية: - إن الدستور المغربي وكذا القوانين الوطنية لم يرد بها أي تعريف للاعتقال السياسي، وهذا قصور تشريعي يمكن تداركه مستقبلا، مع الإشارة إلى أن القوانين ذكرت فقط الجرائم السياسية كما هو منصوص عليها في القانون الجنائي، مثل جريمة المس بالسلامة الداخلية للدولة والمؤامرة والدعوة إليها... - ونفس الأمر، حسب علمنا، بالنسبة إلى المواثيق الدولية، إذ لم يرد بها أيضا تعريف للمعتقل السياسي. ويشير النقيب بن عمرو في هذا الباب، عبر عدة مداخلات، إلى أن هناك معيارين: معيار ذاتي ومعيار موضوعي، معتبرا ومعتمدا المعيار الذاتي، حيث بالنسبة إليه، وهو ما تتبناه مؤسسات وجمعيات حقوقية كثيرة، المرتكب لجرائم سياسية يكون الهدف والباعث والدافع من ورائها سياسي، سواء صاحبها عنف أم لم يصاحبها، يعتبر معتقلا سياسيا. وعلى ضوء ذلك، يجب أن تعامله جميع الأطراف والجهات التي يعرض عليها، في إطار القانون، معاملة تليق بالكرامة عكس ما يحدث حاليا لمعتقلي الرأي والعقيدة والمعتقلين السياسيين والذين تم اغتصاب بعضهم وتعذيب البعض الآخر بشكل وحشي وتم استثناؤهم من العفو الملكي مؤخرا رغم وجود لائحة تضم المسنين والمرضى منهم، وهو الأمر غير المفهوم. وفي ضوء ذلك، أي اعتماد المعيار الذاتي، فإننا نرى نظرية الباعث والدافع إلى ارتكاب الجريمة التي طالما اعتمدها السيد وزير العدل الحالي، سواء في مرافعاته في قاعات المحاكم وصولاته وجولاته داخل قبة البرلمان وفي تصريحاته، معتمدا دائما في كل الملفات عند تصنيفها على الباعث والدافع، وفي ضوء ذلك يمكن تصنيف: - معتقلي حركة 20 فبراير معتقلين سياسيين ولو ارتكبوا، أو ارتكب بعضهم، جرائم فهي جرائم سياسية صاحبها عنف لكون الباعث هو التغيير ومحاربة الفساد؛ - وكذا حركة المعطلين التي يقبع العديد من أصحابها داخل السجون المغربية، حالة عبد المالك السالمي مثلا في اليوسفية، لكون هذه الحركة تطالب بالحق في الشغل الذي هو مطلب سياسي وحق دستوري؛ - وكذا معتقلي حزب التحرير الإسلامي الذي اعترفت وزارة العدل مؤخرا بكونهم معتقلين سياسيين، فهم -في نظرنا- معتقلو رأي مفاده استئناف الحياة الإسلامية على ضوء الخلافة الراشدة؛ - وكذا معتقلو الاحتجاجات السلمية، فهم معتقلو رأي لما يعبرون عن رأيهم ومعتقلون سياسيون لما يعرقلون السير أو يرتكبون عنفا ما؛ - ما بقي من معتقلين سياسيين في السجن حاليا في ملف بليرج للطبيعة السياسية للملف برمته وبعض ملفات الصحافة، يمكن تصنيف أصحابها في خانة معتقلي رأي والبعض الآخر عند ثبوت الفعل الجرمي يكون الدافع والباعث سياسيا فهم معتقلون سياسيون؛ - وكذلك القول بالنسبة إلى معتقلي الحركة الأمازيغية وبعض مغني «الراب» لما يعبرون عن أفكار سياسية، وكذلك بعض المدونين لما يعبرون عن رأيهم أمام وسائل الإعلام الالكترونية. وأعتقد أنه، عند دراسة الملفات، يمكن الرجوع إلى التصنيف الذي اعتمدته هيئة الإنصاف والمصالحة للاعتقال السياسي، فهو تراث حقوقي مغربي مرجع في المجال ولا يجوز القفز عليه، كما أنه يمكن الاحتكام إلى رأي السيد وزير العدل الحالي، ذلك أنه في مناقشاته السابقة واحتكاكي الفكري به كان يصرح دائما بأن الباعث والدافع السياسي معتبر في تصنيف المعتقلين. وتصنيف لائحة المعتقلين السياسيين عن معتقلي الرأي بات أمرا ضروريا، واعتبار معتقلي الرأي هم وحدهم المعتقلون السياسيون بالمغرب أمر غير منصف، فكثير من المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم معتقلو الرأي والعقيدة، فكثيرون منهم يعتبرون مجرد معتقلي رأي، منهم معتقلون سياسيون ارتكبوا جرائم صاحبها عنف. ولعل المقاربة التصالحية المعتمدة من طرف منتدى الكرامة هي التي يجب اعتمادها حاليا، وهي مقاربة حقوقية اجتماعية سياسية إنسانية لطي ملف الاعتقال السياسي أو الاعتقال بسبب الرأي. لذلك فإننا نرى، بصفتنا الحقوقية، أن الاعتقال السياسي اعتقال خارج عن القانون واعتقال تعسفي يعتبر مسا خطيرا بالدستور والتفافا على المواثيق الدولية وكثير من القوانين الوطنية، فليتوقف الاعتقال السياسي الملعون ببلادنا ولتحكم محاكم المملكة على كل المتابعين حاليا لأسباب سياسية بالبراءة وليشمل العفو مستقبلا كل معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين ولتسرع وزارة العدل وتستعن بالخبراء والمؤسسات الرسمية، ولكن لا تنس الجمعيات الحقوقية لأن لها رأيا في الموضوع، وهو رأي عندنا سيكون معتبرا، وإقصاؤها من ذلك فيه نقص للخبرة والاستشارة، وقد يجعل لائحة وزارة العدل المرتقبة يشوبها نقص وعوار وعيوب في حالة غياب الجمعيات الحقوقية من الحوار حول اللائحة والمعايير المعتمدة لإنجازها؛ ولتسرع وتسارع الجمعيات الحقوقية في النقاش، وعلى رأسها منتدى الكرامة، حول الاعتقال السياسي بالمغرب لتحديد المفهوم وضبط دلالات المصطلح بهدف التمييز بين المعتقل السياسي ومعتقل الحق العام، وذلك بعقد ندوات وموائد مستديرة، إثراء للنقاش وإغناء له. وليعلم الجميع بأن الحرية لا تطلب بل تمارس.