سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البشير بنبركة: لا أملك حقيقة مقتل المسعدي لكني أجزم بأن والدي بريء قال إن اتهام بنبركة بقتل المسعدي توقف سنة 1957 ثم عاد الحسن الثاني لإثارته سنة 1993 في كتابه «ذاكرة ملك»
يحكي البشير، نجل المهدي بنبركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني الذي تم اختطافه واغتياله سنة 1965، في اعترافاته ل«المساء»، عن تفاصيل حياة والده ونضاله ضد الاستعمار ومشاركته في اتفاقية «إيكس ليبان» قبل أن يعود ليقول إن هذه الاتفاقية كانت خطأ. كما يروي البشير تفاصيل أخرى حول المسؤوليات التي تقلدها والده بعد الاستقلال، وحول اختلافه مع تلميذه الحسن الثاني، وحول موقفه المساند للجزائر ضد المغرب في حرب الرمال، وكيف أصبحت عائلة المهدي تحمل جوازات سفر جزائرية وتقيم في مصر؛ كما يرد البشير بنبركة على اتهام والده باغتيال عباس المسعدي، ويتوقف طويلا عند واقعة الاختطاف بفرنسا، ويرد على تهمة «التخابر» مع المخابرات الإسرائيلية والتشيكوسلوفاكية الموجهة إلى والده، وكيف قررت أسرة المهدي بنبركة العودة إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، وكيف حز في نفس والدته ألا يستقبلها الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان صديقا للعائلة وكان يقيم في بيتها كلما حل بمصر، وكيف «تُماطل» الدولة المغربية ممثلة في حكوماتها، وضمنها وزيران للعدل من حزب الاتحاد الاشتراكي، هما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي، في الكشف عن حقيقة قضية المهدي بنبركة. - عندما خرج والدك المهدي بنبركة من السجن سنة 1954، التحق بالمفاوضات التي انطلقت بين حزب الاستقلال والفرنسيين وانتهت سنة 1955 باتفاقية «إيكس ليبان»؛ وفي نفس الوقت انخرط، كما أكدت ذلك أنت، في تأسيس «جيش التحرير» الذي سيعتبر هذه الاتفاقية خيانة؛ ألا ترى في هذا تناقضا؟ هذا ليس تناقضا، بل هو تكامل في العمل، وكما تعرف فإن كل الحركات الوطنية كانت تعمل بجناحين، جناح سياسي وآخر عسكري. الكل، طبعا، كان مقتنعا بأن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، لكن وسائل الوصول إليه قد تكون مختلفة. - هل كان في المسألة تقاسم للأدوار؟ بل تكامل، لأن التقاسم يعني أن كلا من الجناحين سائر في طريقه دون تنسيق مع الآخر، بينما الحال هو أن الجناحين كانا متفقين على هذا المسار، وبالتالي فالعمل كان متكاملا. وحتى نوضح الأمر أكثر، ففي سنة 1954 لم يكن قد تحدد بالضبط قرار الدخول في مفاوضات مع فرنسا، بل كان النقاش دائرا حول صعود حكومة جديدة في فرنسا، وهي التي فتحت باب النقاش مع التونسيين من أجل استقلال تونس، وبالتالي فقد كانت تلك فرصة سانحة لمن تمكنوا من تمثيل المغرب وطرح قضيته أمام المحافل الدولية. - لاحقا، سوف يقدم المهدي بنبركة نقدا ذاتيا حول اتفاقية «إيكس ليبان»، التي حضرها، غير عابئ بالنضال من أجل تحرير كل الأقطار المغاربية وبناء وطن.. بناء وطن مغاربي كان طموحا حينها، لكن الحديث عنه لم يتم بوضوح وتفصيل، ولم تتخذ الأشياء صبغتها السياسية الواضحة إلا سنة 1958، أي بعد استقلال المغرب وتونس. - ما الدور الذي لعبه المهدي بنبركة في ما يتعلق بدعم جيش التحرير؟ كان المهدي بنبركة، إلى جانب الفقيه البصري، صلة الربط بين جيش التحرير وحزب الاستقلال. - هناك نقطة لفها الكثير من الالتباس وأثير حولها نقاش كبير وتعكس عمق الصراع الذي نشأ بين قيادات جيش التحرير، أقصد اتهام المهدي بنبركة بقتل عباس المسعدي.. أنا دائما كنت أقول إن عائلة المهدي بنبركة ليست لديها أي عقدة من هذه المسألة، وإن مقتل عباس المسعدي يتطلب بحثا تاريخيا بدون تابوهات. طبعا، الحكايات التي نسجت حول موت عباس المسعدي كثيرة، وتوجيه الاتهام إلى المهدي بنبركة بالتورط في قتله كان في السنة التي مات فيها المسعدي، أي سنة 1957، لكن الاتهامات توقفت بعدها مباشرة، ولم يعد أحد يسمع عنها إلى غاية إثارتها مجددا من قبل الحسن الثاني في الحوار الذي أجراه معه الصحافي إريك لوران والذي ضمنه في كتاب بعنوان «ذاكرة ملك» سنة 1993. - كيف اعتبرت إعادة إحياء الحسن الثاني لهذه الاتهامات؟ سواء تعلق الأمر بقضية المسعدي أو باتهامات أخرى، فإن أي إشارة هي فقط محاولة للمس بذاكرة المهدي بنبركة. الحسن الثاني كان يتصرف كملك، إلا في كتاباته حيث يتحدث كطرف في الحياة السياسية المغربية وليس كحكم. كتبه الثلاثة التي قرأتها باهتمام كبير أعتبرها محاولة لإعادة كتابة تاريخ المغرب في مجمله، وليس فقط ما يتعلق بقضية المهدي بنبركة؛ فلننظر، مثلا، إلى الصورة التي قدمها الحسن الثاني عن محمد بن عبد الكريم الخطابي، إذ اعتبره مجرد متمرد على الحركة الوطنية. طبعا، كل هذا يدخل في إطار إعادة كتابة تاريخ المغرب وإفراغ هذا التاريخ من الدور الذي قام به الشعب المغربي والحركة الوطنية وعدة فعاليات داخل المغرب؛ والغاية من ذلك هي أن يظل تاريخ المغرب متمركزا حول النظام القائم وحول شخص الملك. في هذا الجانب، وفي ما يتعلق بقضية المهدي بنبركة، لم يستطع النظام المغربي أن يثنينا عن البحث عن الحقيقة. - يعني هذا أنك تعتبر أن إثارة قضية مقتل عباس المسعدي، التي تقول إنها طويت مباشرة بعد 1957، كانت فقط للتشويش على حقيقة اختطاف واغتيال المهدي بنبركة؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر فأنا أقول إن إصرارنا على كشف الحقيقة في ما يتعلق بقضية بنبركة نتج عنه بناء أطروحات أخرى غير تلك التي صرح بها النظام المغربي؛ وهذا الإصرار يجب أن يوازيه إصرار مماثل من جهات أو أشخاص للكشف عن حقيقة موت المسعدي وغيره وعدم الاكتفاء بالتفسيرات الرسمية التي أعطاها الحسن الثاني. - ما قولك، أنت شخصيا، في إمكانية أن يكون والدك المهدي بنبركة هو من قتل المسعدي أو هو من أصدر الأمر بقتله؟ أنا لا أملك أطروحة جاهزة حول مقتل المسعدي، كما أن كل الاحتمالات تبقى واردة في موضوع اغتياله، لكن لدي الثقة الكاملة في المهدي بنبركة، سواء تعلق الأمر بتصرفاته أو بمواقفه السياسية، وهو الأمر الذي يجعلني أجزم بأنه من غير الممكن أبدا أن يفكر في تصفية هذا الشخص أو ذاك مهما بلغت درجة خلافه معه. لقد عاش المغرب الفترة الممتدة ما بين 1957 و1959 ككل بلد به حركة وطنية تعيش تناقضات متعددة، وهذه التناقضات بالتأكيد أسفرت عن وقائع لا تزال طي الكتمان، ووحده البحث التاريخي كفيل بتسليط الضوء، بشكل أحسن، على هذه الفترة وما شهدته من أحداث.