يحكي البشير، نجل المهدي بنبركة، أكبر معارضي نظام الحسن الثاني الذي تم اختطافه واغتياله سنة 1965، في اعترافاته ل«المساء»، عن تفاصيل حياة والده ونضاله ضد الاستعمار ومشاركته في اتفاقية «إيكس ليبان» قبل أن يعود ليقول إن هذه الاتفاقية كانت خطأ. كما يروي البشير تفاصيل أخرى حول المسؤوليات التي تقلدها والده بعد الاستقلال، وحول اختلافه مع تلميذه الحسن الثاني، وحول موقفه المساند للجزائر ضد المغرب في حرب الرمال، وكيف أصبحت عائلة المهدي تحمل جوازات سفر جزائرية وتقيم في مصر؛ كما يرد البشير بنبركة على اتهام والده باغتيال عباس المسعدي، ويتوقف طويلا عند واقعة الاختطاف بفرنسا، ويرد على تهمة «التخابر» مع المخابرات الإسرائيلية والتشيكوسلوفاكية الموجهة إلى والده، وكيف قررت أسرة المهدي بنبركة العودة إلى المغرب بعد وفاة الحسن الثاني، وكيف حز في نفس والدته ألا يستقبلها الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان صديقا للعائلة وكان يقيم في بيتها كلما حل بمصر، وكيف «تُماطل» الدولة المغربية ممثلة في حكوماتها، وضمنها وزيران للعدل من حزب الاتحاد الاشتراكي، هما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي، في الكشف عن حقيقة قضية المهدي بنبركة. - المعروف أن تربية والدك المهدي بنبركة، الذي سيعرف لاحقا كأبرز وجه تقدمي مغربي، كانت تربية تقليدية، بحيث كان يرتاد الزاوية لتلاوة القرآن و«إخراج» الأوراد؟ هذا كان في البداية، عندما كان المهدي طفلا. وبعدما ولج المدرسة الفرنسية، امتد ارتباطه بالتراث المغربي والإسلامي، لكن فكره أصبح فكرا علمانيا، كما سيصبح تصرفه في الحياة العمومية تصرفا علمانيا. - في المرحلة الثانوية، اتضحت الميولات العلمية للمهدي بنبركة، بالرغم من أن ارتباطه بفكر الحركة الوطنية في بداية الثلاثينيات كان يفترض أن يدفعه إلى دراسة الآداب أو القانون؟ نتوفر على نسخ من نتائج امتحانات المهدي خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية، وهي تؤكد أنه كان يحتل المرتبة الأولى في أغلب المواد، العلمية والأدبية، ما عدا الرياضة (يضحك). وللتذكير، فقد درس والدي سنوات التعليم الإعدادي وما تبقى من سنوات التعليم الثانوي في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، حيث كان يدرس المغاربة إلى جانب الفرنسيين؛ وفي السنة النهائية من الطور الثانوي (الباكلوريا) انتقل إلى «ليسي غورو» الذي كانت الدراسة فيه حكرا على الفرنسيين وقلة قليلة من التلاميذ المغاربة المتفوقين، وفي هذا «الليسي» حصل المهدي على الباكلوريا بامتياز. - أين يوجد «ليسي غورو» الآن؟ هو الذي يعرف اليوم بثانوية الحسن الثاني في الرباط، وفيه درست أنا بدوري المرحلة الثانوية قبل أن أتوجه بعد إقفاله إلى «ليسي ديكارت»، لأنه في سنة 1963 كانت هناك اتفاقية بين الحكومتين المغربية والفرنسية، سلمت بمقتضاها هذه الأخيرة «ليسي غورو» إلى المغرب بعد أن شيدت البعثة الفرنسية «ليسي ديكارت» في الرباط، وهكذا تحول اسم «ليسي غورو» إلى ثانوية الحسن الثاني. وبالعودة إلى تفوق والدي المهدي في جل المواد، الأدبية منها والعلمية، حسب ما يحكيه أفراد عائلتي، فقد كان المقيم العام الفرنسي هو الذي يشرف على حفل نهاية الموسم الدراسي ويسلم الطلبة المتفوقين في كل مادة جوائز عبارة عن كتب. وفي إحدى تلك السنوات، وبما أن المهدي كان قد تفوق تقريبا في كل المواد فقد اضطرت الأسرة إلى تأجير عربة جر لتحميل الكتب الكثيرة التي حصل عليها لقاء تفوقه في كل مادة من المواد. - بعد حصول المهدي بنبركة على الباكلوريا سوف يتوجه إلى الجزائر من أجل الدراسة؛ كيف جاء هذا الاختيار؟ بعد حصول المهدي على الباكلوريا خلال موسم 1938-1939 تسجل بالأقسام التحضيرية ب«ليسي ليوطي» في الدارالبيضاء، وكان يحضر لدخول مدارس المهندسين الفرنسية مثل «بولي تيكنيك» وغيرها، فقد كان يطمح إلى الذهاب بعيدا في دراسته العلمية، ويحكى وسط العائلة أنه كان حينذاك يقول إنه يتمنى أن يكون من تلامذة أينشتاين. في سنة 1940، وكان المهدي قد أتم دراسته في السنة الثانية من الأقسام التحضيرية وبصدد الاستعداد لاجتياز مباريات الولوج إلى كبرى المدارس الفرنسية للمهندسين، أعلنت الحرب في فرنسا، بعد احتلالها من طرف النازية الألمانية، وبالتالي تعذر على المهدي التسجيل في المعاهد الفرنسية، فاختار الجزائر حيث تسجل في كلية العلوم هناك، وهذا أتاح له الفرصة للاستفادة من منحة الحركة الوطنية، كما أعطاه فرصة للانفتاح على الحركات الوطنية التحررية المغاربية. في هذا الوقت، طرح نقاش في أوساط الوطنيين المغاربيين الذين كانوا يتابعون دراستهم في الجزائر، حول إمكانية التحالف مع الألمان ضد فرنسا التي تستعمر بلدهم أو اعتبار أن النازية هي أفظع من الاستعمار الفرنسي وأنها العدو الأساسي للشعوب. - كيف كان موقف المهدي بنبركة في هذا النقاش؟ المهدي من الذين أقنعوا بعض النخب المغاربية التي كانت تنادي بالتحالف مع النازية، بالعدول عن هذا الموقف. في هذه الفترة، أصبح المهدي، في الجزائر، رئيسا لجمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا المعروفة ب«لاإيمنا»، وهي جمعية تأسست سنة 1927 وكان مقرها في فرنسا، كما كانت لها فروع في عدد من الدول التي يوجد فيها طلبة شمال إفريقيين ينحدرون من المستعمرات الفرنسية، ومازال مقرها إلى الآن في باريس، وبالضبط في 115 شارع سان ميشيل، وهو المقر الذي وهبه محمد الخامس للجمعية، نظرا إلى دورها الكبير في تجنيد الطلبة لمواجهة الاستعمار في المغرب وتونس والجزائر. - كم هي المدة الزمنية التي قضاها المهدي في الجزائر؟ بقي هناك سنتين إلى حين حصوله على الإجازة في الرياضيات، ثم عاد إلى المغرب سنة 1942. وبما أن المهدي كان قد بدأ عمله الوطني في المغرب بداية من سنة 1934 ضمن خلايا الحركة الوطنية في الرباط وسلا، فإنه عاد إلى ممارسة نشاطه الوطني هذا بمجرد عودته من الجزائر. - وعلى المستوى المهني؟ اشتغل المهدي أستاذا للرياضيات في «ليسي غورو» الذي سبق أن درس فيه، وفي نفس الوقت أصبح يعطي دروسا في الرياضيات في مدارس الحركة الوطنية التي بدأت تنتشر في الرباط، ثم أصبح أستاذا في المدرسة المولوية التي تأسست ليتمكن ولي العهد الحسن من الدراسة فيها. - هذا كان أول لقاء للأستاذ المهدي بنبركة بالتلميذ الحسن الثاني، بالرغم من أن فارق السن بينهما لا يتعدى 9 سنوات. كيف تم اختيار والدك لتقلد هذه المهمة؟ لأنه كان أستاذ الرياضيات المغربي الوحيد في هذه الفترة وحتى بالنسبة إلى «ليسي غورو»، ونحن نتوفر على نسخ من تقارير البوليس الفرنسي يحذرون فيها مدير الثانوية، الفرنسي، من المهدي الذي كانوا يقولون عنه في هذه التقارير إنه أستاذ يقوم بالتشويش والتحريض والسياسة، فكان المدير يرد عليهم بقوله إن المهدي هو الأستاذ المغربي الوحيد الموجود بالثانوية، ولا يمكنه بالتالي التخلي عنه.