المكتب الوطني للمطارات يعلن عن عودة الوضع إلى طبيعته في كافة مطارات المملكة    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    بعد انقطاع كهربائي غير مسبوق.. هكذا ساعد المغرب إسبانيا على الخروج من "الظلام"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    اختتام مشاركة وزارة العدل بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في نسخته الثلاثين    الصين: تسليط الضوء على دور القطاع البنكي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمغرب    التيار الكهربائي يعود بشكل شبه تام في إسبانيا والبرتغال    منظمة العفو الدولية: "العالم يشاهد عبر شاشاته إبادة جماعية مباشرة في غزة"    "البيجدي" يدعو إلى ترسيخ مصداقية الاختيار الديموقراطي وإصلاح شامل للمنظومة الانتخابية    كأس أفريقيا تحت 20 سنة.. المنتخب المغربي يواصل استعداداته لمواجهة كينيا    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    وزير التعليم يربط تفشي العنف المدرسي بالضغط النفسي    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    "الجمعية" تحذر من انفلات صحي واجتماعي بالفقيه بن صالح    كيوسك الثلاثاء | بنعلي تعلن قرب تحقيق الأهداف الطاقية قبل أربع سنوات من الموعد المحدد    الأمم المتحدة: عمر هلال يوجه رسالة لمجلس الأمن تدحض ادعاءات الجزائر بشأن الصحراء المغربية    عمر حجيرة يترأس الدورة العادية للمجلس الإقليمي بالجديدة    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال يربك خدمات الإنترنت في المغرب    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    إذاعة فرنسية: المغرب يؤكد ريادته الإفريقية مع تمديد الخط السككي فائق السرعة    طقس الثلاثاء .. أجواء حارة في عدد من المدن    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    عودة التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال بعد انقطاع واسع شل مرافق الحياة    لبؤات القاعة يبلغن النهائي على حساب أنغولا ويتأهلن للمونديال    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    إمدادات الكهرباء تعود في البرتغال    التيار الكهربائي يعود إلى معظم مناطق إسبانيا    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    ببلوغ نهائي كأس إفريقيا للأمم .. "لبؤات الفوتسال" يتأهلن إلى المونديال    فاتح ذي القعدة غدا الثلاثاء بالمغرب    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ضيّعتْ العدل والإحسان فرصةَ «الربيع العربي» في المغرب؟
نشر في المساء يوم 30 - 08 - 2012

-1 أعتقد أن فرصةَ «الربيع العربي» هي من الفرص النادرة التي قد لا يجود الزمان بأمثالها. وحتى إن سنحت فرصٌ أخرى، في المستقبل، فإنها، حتما، لن تكون بنفس القوة والعزم والتحدي والثورة على الفساد والاستبداد، وبنفس الخصائص «العجيبة» و«الخارقة» التي ميّزت فرصة «الربيع العربي»، وحولتها إلى زمنٍ متألّق واستثنائيّ في أزمنة الاستبداد العربي الراكدة المظلمة.
وإذا كان بعضُ الناس يُقدّرون أن فرصة «الربيع العربي» جاءت لكي تستقرَّ وتبقى، وبدأتْ لكي لا تنتهي، وانطلقتْ لكي تظلَّ في عنفوانها وعرامَتِها وقدرتِها على الاقتلاع والاكتساح والتغيير والتطهير، فإن هذا التقديرَ، في اعتقادي، لا يخلو من مبالغة وإسراف، إن لم يكن، أصلا، تقديرا نابعا من الأماني المُجنَّحَة والحماسة المُفْرِطة التي بات يركبُها، في هذه الأيام، كثيرٌ من المتكلمين من المؤهَّلين ومن غيرِ المؤهَّلين.
نعم، قد تكون هناك فرصٌ أخرى في الزمان العربي، لكنها ستكون، قَطْعا، فرصا مشروطة بظروفها وبرجالها وسائر أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما سيجعلها، بالضرورة، فرصا مختلفة، لأن تطابقَ الفرص في التاريخ هو من النادرات، إن لم يكن من المستحيلات، التي تعارضُ سنن تطورِ المجتمعات ونشوء الأمم واضمحلالها، وقيامِ الأنظمة وسقوطها. وهذا لا يتعارض، طبعا، مع وجود قوانين كليّةٍ تحكم العمرانَ البشري، ونواميسَ تُوجّهُ صيرورَته، تقدُّما وصلاحا أو تخلُّفا وفسادا.
2 – (الصيفَ ضيّعتِ اللبنَ) مثالٌ عربي مشهور، يُضرب لمن فاته أن يستفيد من الفرصة المتاحة في إبّانها.
لا يفوت المتتبعَ لتطور حياتنا السياسية أن يلاحظ ذُبولَ حركةِ الاحتجاجات التي تولدت من رحم «الربيع العربي»، والتي مثّلتها حركة 20 فبراير؛ كما لا يفوته أن يلاحظَ تقلصَ هذه الحركة، بعد أن استولت عليها فصائلُ من «الثوريين» المتطرفين من اليساريين ومن غيرهم، إلى اسمٍ وواجهةٍ وشعاراتٍ بلا فاعليّة ولا تأثير في الواقع، وخاصة بعد إعلان انسحابِ جماعة العدل والإحسان من الحركة، ونجاحِ نظامنا المخزني ومَنْ يسير في ركابه في فرض دستور ممنوح في نسخةٍ مُراجَعَة ومُرمَّمَة، وإجراءِ انتخابات، وتأليفِ حكومة جديدةٍ يترأسها حزب «العدالة والتنمية» المحسوبُ على الإسلاميين.
ومهما قال المحللون والمراقبون للشأن السياسي المغربي عن وضع جماعة العدل والإحسان اليوم، وبالتحديد بعد إعلان انسحابها من حركة 20 فبراير، فإن عينَ المتتَبِّع المهتمِّ المتفَطنِ لا يفوتها تسجيلُ هذا الانحسار الذي بات يطبع أنشطةَ الجماعة في معترك التدافع السياسي. أما هذه المناوشاتُ الأمنيّة والحقوقية، التي تظهر بين الفينة والأخرى والتي باتت عنوانا على المضمون الأساس للعلاقة التي تربط الجماعةَ بالنظام المخزني الحاكم، فلا يمكن، في تقديري، اعتبارُها عملا سياسيا، إلا إن كان المقصودُ من العمل السياسي هو إحداث جلبَةٍ إعلامية، وإثارة انتباه الفضوليين ممّن لا يجدون عملا جادا يشتغلون به، وهُمْ، مع الأسف، كثيرون في حياتنا.
إني حينما أستعرض شريط الأحداث السياسية في المغرب بعد اشتعال ثورة تونس العظيمة، وأنظر إلى ما آلت إليه الأوضاعُ اليوم، بعد أن استقرّت النفوسُ وهدأت الخواطرُ وبدأت الأمورُ ترجع، شيئا فشيئا، إلى طبيعتها، لا أرى إلا مستفيدا كبيرا واحدا من هذا الربيع العربي، هو النظام المخزني، يَتبَعُه مستفيدون صغارٌ، في مقدمتهم، حسب رأيي وتقديري، حزبُ العدالة والتنمية. أما جماعة العدل والإحسان، فإني أراها، بميزان الربح والخسارة السياسيّين، قد خرجَتْ خاليةَ الوِفاض من تجربة هذا الربيع العربي، وأظنُّ أن خسارتَها ستكون فادحة إن هي ظلتْ سائرة على نفس النهج السياسيّ، الذي نظرَتْ من خلاله قيادةُ الجماعة إلى فرصَة الربيع العربي في بلادنا.
إنَّ من أدبيات الإسلاميين، عموما، وجماعةِ العدل والإحسان خصوصا، أن الغلُوّ والتطرفَ، في الفكر والممارسة، لا يأتيان بخير، وليس وراءهما للإنسان والمجتمع أيُّ نوع من أنواع المصالح والمنافع.
وفي تقديري أن من التطرّف الذي لا خيرَ فيه هو أن تظلَّ جماعةُ العدل والإحسان تعالج أوضاعا مُستحدَثَةً، كالأوضاع الجديدة التي أنتجها الربيعُ العربي، بأدواتٍ واجتهادات تبلورت منذ أكثر من ثلاثين سنة، والتي لم تَعُد صالحة، في بعض جوانبها على الأقل، للنظر إلى القضايا الراهنة التي نشأت في سياقاتٍ وملابسات وظروف هي غيرُ السياقات والملابسات والظروف التي كانت سائدة قبل ثلاثين عاما.
إن الجمودَ على اجتهاد سياسي بات متجاوزا في كثير من تصوراتِه ومبرراتِه يُحوّل الممارسةَ السياسة، شئنا أم أبينا، إلى نوع من «الإيديولوجيا» الخانقة القاتلة التي تمنع كلَّ أشكال المرونة والتجديد والتأقلم ومراعاةِ الأحوال المستجدة والظروفِ الطارئة، والتي لا تحترم القواعدَ والمبادئ المعروفة والمطلوبة في العمل السياسي الذي هو عملٌ يقوم، في أساسه، على اعتبار متغيرات الواقع، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والنظر إلى المآلات.
لا شك أن جماعةَ العدل والإحسان قد كسبَتْ رصيدا إعلاميّا لا بأس به، وخاصة أثناء مشاركاتها النشيطةِ والمتميزة في فعاليّات حركة 20 فبراير، في المسيرات والاعتصامات، وفي الندوات والبيانات وسائر أشكال الاحتجاجات والاتصالات. لكن الأضواءَ الإعلامية شيء، والكسبَ السياسي «الواقعي»، الذي أزعم أن الجماعة كان لها منه صفرٌ، شيءٌ آخر.
لقد لاحظ كثيرٌ من المتتبّعين أن خطابَ الجماعة، من خلال بياناتها وتصريحات قيادييها، في فترة وجودها داخل حركة 20 فبراير، قد طرأ عليه شيء من التغيير، في المصطلحات المستعملةِ والأهداف السياسية المعلنة. ومن الأهداف التي كانت وراء هذا التغيّرِ في لغة خطابِ الجماعة ومضمونِه، هدفُ بناء الثقة ووضعِ أسسِ التقاربِ والتفاهم والتعاون مع المكونات الأخرى لحركة 20 فبراير، وخاصة من التيارات اليساريةِ المتطرفة، التي ما تزال لا تحمل في قلبها للإسلاميين إلا الحقد والكراهية.
لكن هذا التغيّرَ في اللهجة الخطابية، رغم أهميته الإعلامية والتواصلية، ظل، في جوهره، محكوما بالأطروحة الأساس في المنهاج السياسي للجماعة، وهي الأطروحةُ التي لا ترى مستقبلا سياسيا حقيقيا للمغرب إلا بزوال النظام المخزني القائمِ على الملكية الوراثية، أي بزوالِ النظام الجبري، حسب التعبير المنهاجي للجماعة.
وهذه الأطروحةُ التي انتهى إليها اجتهادُ الأستاذ عبد السلام ياسين في السبعينيّات من القرن الماضي، والتي كانت وليدةَ ظروف وأحوال أحاطت وقتئذ بصاحبها المجتهدِ، لم يَعُدْ لها من مسوّغ الآن بعد أن تغيرّت الظروفُ والأحوال تغيّرا كبيرا، ولم يَعُد الطريقُ سالكا إلى القومة الإسلامية، كما نظّر لها الأستاذ ياسين، وهي القومة/الثورة التي من أهدافها القضاءُ على النظام الجبري/الملكي الوراثي، لبناء الدولة الإسلامية القطرية تمهيدا للسير نحو الخلافة الثانية على منهاج النبوة، حسب اجتهاد الأستاذ ياسين في فهم حديث الخلافة المشهور وفقهه.
وقد وجَدَتِ الجماعةُ نفسَها في حرج ومأزق وهي تحاولُ أن تجد صيغة مقبولة ومفهومة ومُقنعة تجمعُ بين أطروحة القومة الإسلامية في منهاجها السياسي الأصلي، والتي لم تُعلن الجماعةُ التخليَ عنها وتجاوزَها، وبين الواقعِ داخل حركة 20 فبراير، الذي فرض على الجماعة أن تتبنى خطابا معتدلا تؤثثه عباراتٌ ومصطلحات وأهدافٌ الغايةُ منها مدّ جسور التقارب والتعارف والتفاهم والتعاون مع المكونات الأخرى لحركة 20 فبراير من غير الإسلاميين، وخاصة من اليساريين المتطرفين اللادينيّين.
وقد عانت الجماعةُ من هذا الوضع الصعب الذي فُرض عليها داخل حركة 20 فبراير، ثم انتهتْ بها المعاناة إلى إعلان الانسحاب من الحركة، لأن الجماعةَ لم تعد تجدُ فيها الفضاءَ المناسبَ لتصريف خطابها السياسي، نظرا إلى تناقضِ التوجهات وتضارب الإرادات وتباينِ الاتجاهات، وخاصة بين اختيارين اثنين، أحدُهما يمثله المعارضون الثوريون الذين لا يقبلون بأقلّ من زوال النظام، وعلى رأسهم جماعةُ العدل والإحسان وإن لم تعلنْ ذلك صراحةً، والثاني يمثلُّه المعارضون المُنادون بالملكية البرلمانية، وفي مقدمتهم الحزبُ الاشتراكي الموحدّ.
وأعتقد أن خروجَ الجماعة من حركة 20 فبراير كان إيذانا بانتهاء دور الجماعة في تجليّات الربيع العربي في المغرب، لأن الجماعة، في رأيي، ضيّعت عليها فرصةً ثمينة، حينما ركبَتْ مركبَ الخطابِ الثوري المتطرف، وانساقتْ مع العاطفة الجياشة والإيديولوجيا المُتعالية، وحبَسَتْ نفسها في لغةِ العناد والتحدي، بدلَ أن تسلك سلوكَ الحكمة والسياسة، وتزنَ الأمور بميزان الربح والخسارة، على المديَيْن القريب والبعيد، من غير أن تفقدَ شيئا من مصداقيتها السياسية، ولا أن تتنازل عن حرف من مبادئها وغاياتها.
وليس بين التهور السياسي وبين الحكمة السياسة إلا خيْطٌ دقيق قد لا يراه كثيرٌ ممن يرون أنفسَهم ويراهم الناسُ سياسيّين مُحَنّكِين.
عبد العالي مجذوب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.