جاء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد الربيع العربي وحركة 20 فبراير لامتصاص الاحتقان الحاصل في البلد، وهو الذي كان قبل ذلك مباشرة يُحارب بشتى الوسائل كان آخرها اعتقال القيادي جامع المعتصم الذي بدأ الحزب ينظم احتجاجات من أجل إطلاق سراحه. ومباشرة بعد خروج حركة 20 فبراير وحتى لا ينضم الحزب إلى هذه الحركة التي خرجت فيها جماعة العدل والإحسان بكل ثقلها وكذا اليسار وجمعيات حقوقية وهيئات من المجتمع المدني علاوة على بعض قيادات العدالة والتنمية، أطلق سراح جامع المعتصم، وبعدها عين في المجلس الاجتماعي والاقتصادي، وهو يشغل حاليا منصب مدير ديوان رئيس الوزراء. وتأتي هذه القراءة لتسليط الضوء على خطاب حزب العدالة والتنمية بين موقع المعارضة والتسيير الحكومي. اعتمد الحزب شعارا عريضا كان عنوان وصلب حملته الانتخابية وهو «محاربة الفساد». ولأنه لا فساد بدون مفسدين، فقد حدد عبد الإله بنكيران بعض رموزه في خطاباته، وطلب من الملك إبعاد كل من الهمة والماجدي وإلياس العماري لأنهم -حسب بنكيران- «يفسدون في الأرض ولا يصلحون». وبمجرد ما عين بنكيران رئيسا للحكومة وغدا الهمة مستشارا للملك كان بنكيران أول من اتصل به ليهنئه بالمنصب الجديد، واعتبر ذلك خروجا للهمة من الساحة السياسية وهو الذي كان ينتقد تدخل المستشارين في الشأن السياسي وأعلن أنه لن يتعامل معهم، لكن بعد ذلك وصف بنكيران الهمة بالرجل اللطيف بعد أن كان ينعته بالمفسد في الأرض. حزب العدالة والتنمية، الذي كان ضد حكومة ب30 وزيرا وكان يعطي الأمثلة بدول متقدمة لا يتجاوز عدد وزرائها 14 وزيرا، لما شكل حكومته شكلها بنفس العدد الذي كان ينتقده؛ وكان ضد وزراء تيكنوقراط فإذا به يرفع عددهم في حكومته إلى 5 وزراء؛ واستنكر حزب العدالة والتنمية أيضا على الحكومات السابقة منصب وزير بدون حقيبة لكنه احتفظ بها. وقد تحمل كل هذا الإحراج لإرضاء رغبة أمينه العام في استوزار صديق العمر عبد الله باها، الشيء الذي برره بعض أعضاء هذا الحزب بكون الأخير هو بالنسبة إلى بنكيران بمثابة هارون بالنسبة إلى موسى «واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري» (سورة طه 29-35). وفي برنامجه الانتخابي، حدد حزب العدالة والتنمية مستوى نمو يصل إلى 7 في المائة معتمدا على نقطتين سيكسبهما من خلال محاربته للفساد ونقطة أو نقطتين من خلال التعاون المغاربي. لكن هذه النسبة ستتحول في التصريح الحكومي إلى 5,5 في المائة في السنة؛ وقد برر بنكيران وقياديون في الحزب ذلك بأن هذه النسبة أكثر طموحا من نسبة 7 في المائة نهاية سنة 2016 دون أن يشرحوا للمواطن كيف ذلك، لكن قيادات أخرى بررت ذلك بأن الحزب ليس وحده في الحكومة حتى يطبق كل ما جاء في برنامجه الانتخابي وكأن الحزب وضع برنامجه الانتخابي على أساس أن يحكم لوحده. وهذه النسبة المدرجة في التصريح الحكومي ستتراجع بدورها إلى 4,2 في المائة في قانون المالية قبل أن تصبح على لسان والي بنك المغرب 2,5 في المائة، ولن تتجاوز 3 في المائة، الشيء الذي أثار حفيظة إدريس الأزمي، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، والذي اعتبر ما صرح به والي بنك المغرب تدخلا في عمل الحكومة؛ والآن يعلن وزير الاقتصاد والمالية أن نسبة النمو هي 3.4 في المائة، في حين أن المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن 2.4 في المائة. وللذين يتذرعون بالأزمة العالمية نقول إنها كانت موجودة قبل تهييئ البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية. كل هذا ينم عن كون هذا الحزب بلور ما هو ثقافة نظرية وانطباعية في برنامج انتخابي المفروض فيه أن يكون واقعيا، فقد أعلن في برنامجه الانتخابي أنه سيكسب نقطتين على مستوى النمو بمحاربته للفساد، ولم يُعَرف كل قادة الحزب ما هو الفساد الذي إذا ما حاربوه سيكسبون هاتين النقطتين. كما جاء في هذا البرنامج أنه سيتم كسب نقطة أو اثنين من تفعيل التعاون المغاربي؛ ونحن نتساءل من ضَمِن لهم هذا التعاون الذي افترضوا أنه سيكسبهم نقطة أخرى أو نقطتين، فهم لم يراعوا الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أوربا، كما لم يراعوا الاقتصاد الوطني المرتبط بالتساقطات المطرية. إن الحزب حدد أهدافا أدرك، مع وضع أول رجل له في موقع التسيير، أن الطريق إليها غير سالك أو أنه لم يكن يتوقع أن يسير الحكومة، وبالتالي يعجز عن تطبيق برنامج أنجز للاستهلاك الانتخابي. إلى حد الآن كل ما قامت به الحكومة هو نشرها للائحة الكريمات المتعلقة بالحافلات ولائحة المستفيدين من الدعم الإعلامي والمستفيدين من الدعم الخارجي والجمعيات المستفيدة من دعم وزارة المرأة والتضامن. وهنا نطرح السؤال التالي: هل المواطن في حاجة فقط إلى أسماء هؤلاء المستفيدين أم هو في حاجة إلى تحقيق العدل وتطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين دون تمييز؟ ولازالت الحكومة إلى حد الآن لم تنشر لائحة المستفيدين من مقالع الرمال والصيد بأعالي البحار، فهل هو تردد في اتخاذ القرار لهول ما وُجد أم إن الوجوه المستفيدة لو اطلعت عليها لوليت منها فرارا ولملئت منها رعبا أم إن الأمر فقط يرتبط بتحديد الوقت الملائم لخلق نقاش سياسي جديد وجدالات إعلامية بغية تنشيط الحياة السياسية لخلق الإثارة والتشويق. فلما يعلن السيد بنكيران أنه مع إعطاء هذه المأذونيات للأرامل والرياضيين والعلماء، أليس في هذا تناقض مع مبدأ العدالة التي سمي بها حزبه، إذا كان هؤلاء استطاعوا الوصول إلى من مكنهم منها فما ذنب من لم يجد من يوصله؟ كان مصطفى الرميد قد جاء إلى القناة الثانية يصرخ ويستنكر إخفاء حجم راتب مدرب المنتخب الوطني على الشعب المغربي ونواب الأمة. ولما تولى حزبه تسيير الحكومة، أعلنت الأخيرة على لسان وزير الشباب والرياضة أن بندا في العقد ينص على المحافظة على سرية راتب المدرب وأننا معرضون للعقوبة من لدن الفيفا إذا ما كشفنا عنه، الشيء الذي نفته هذه الأخيرة. الرميد، المحامي والحقوقي الذي يعتبر من صقور العدالة والتنمية، هو نفسه الذي صرح بأن المغرب ليس به معتقلون سياسيون بالمعنى «المضبوط» ولم يحضر أثناء إعطائه التصريح أي معتقل للرأي. نجد أيضا أن الحكومة قد تراجعت عن الحق في الاحتجاج السلمي الذي مافتئ ينادي به حزب العدالة والتنمية، إذ لوحظ اللجوء إلى التعنيف وارتكاب تجاوزات في التعامل مع الاحتجاجات السلمية وغير المعرقلة للسير الطبيعي للمؤسسات أو المتسببة في احتلال الشارع العام، وشمل ذلك التدخل لتكريس الأمن في بعض المدن؛ كما تم التراجع عن الحق في الإضراب عبر تقنينه وتهديد المضربين بالاقتطاع من الأجور في غياب مقاربة شمولية لهذه المسألة. من ناحية أخرى وبعد أن عارض حزب العدالة والتنمية مشروع «تي جي في» معارضة قوية على لسان لحسن الداودي الذي قال إنه ليست هناك ضمانات لوفاء دول الخليج بتعهداتها فكم من مشروع تم التخلي عن دعمه، نجده الآن وهو في الحكم يؤثر السكوت والانحناء للعاصفة بعد أن أعلن، على لسان الداودي دائما، عن إمكانية تأجيله نظرا إلى الوضعية الاقتصادية الصعبة؛ لكن يبدو أن فرنسا على عجلة من أمرها، حيث بعثت بوزير خارجيتها «ألان جوبي» للدفاع عن هذا المشروع الذي وصفته مرشحة جبهة اليسار الفرنسي «ليتيا سوتشيكي»، في المقابل، بكونه سرقة وليس مساعدة لأن المغرب سيرجع هذه الأموال بفوائد عالية، مضيفة أنها مع المشاريع التي تكون في صالح الشعوب وليست مع تلك التي تتم من خلالها سرقتها. وبينما كان حزب العدالة والتنمية ضد بيع الخمور ويطالب بتطبيق القانون في هذا الشأن لكونه يرفع من نسبة حوادث السير ولكون شاربه يعتدي على زوجته وأولاده ولكونه من ضمن أسباب ارتفاع نسبة العنف ضد النساء إلى غير ذلك، يأتي بنكيران بعد أن أصبح رئيسا للوزراء ليصرح بأن لديه أولويات أخرى، كالصحة والتعليم والبطالة، وكأن الإصلاح هنا يمنع من الإصلاح هناك. وإذا كان حزب العدالة والتنمية قد استنكر على وزراء الحكومات السابقة الحديث بالفرنسية في وسائل الإعلام العمومية التي تمول من أموال الشعب الذي ترتفع فيه نسبة الأمية، فإن وزراءه، وعلى رأسهم بنكيران، قد مارسوا نفس ما استنكروه على الآخرين. نجد أيضا أن حزب العدالة والتنمية، الذي كان ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني وكان ينظم وقفات احتجاجية ويعبئ لها قواعده والمتعاطفين معه، هو الذي سمح، لما تولى تسيير الحكومة، بحضور عضو من الكنيست الإسرائيلي إلى برلمان يمثل فيه نوابُه الأغلبية، كما دعا الصهيوني «عوفير برانشتاين» إلى حضور فعاليات مؤتمره الوطني، هذا الأخير الذي كان حزب العدالة والتنمية يحتج على حضوره ملتقى «أماديوس». وعن أجرته كرئيس للوزراء، صرح عبد الإله بنكيران لوسائل الإعلام بأنها محددة في 50 000 درهم، مع أن هناك الظهير الشريف رقم 1.74.331 الصادر في 23 أبريل 1975 المتعلق بوضعية أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم والذي يحدد أجر الوزير الأول آنذاك بجميع التعويضات في 90 000 درهم، مع العلم بأنه لم يعلن تنازله عن أي جزء من هذا الأجر، كما أن عامة الناس يعلمون بأن راتب الوزير هو 70 000 درهم وأن راتب رئيس الوزراء هو 90 000 درهم، وهو ما يطابق ما جاء في الظهير سالف الذكر؛ فلماذا يصرح السيد بنكيران بخلاف ما هو متعارف عليه دون أن يفسر ذلك؟ كل هذا يبين لنا الفرق الشاسع بين الخطاب والممارسة في حزب العدالة التنمية وتناقضات بالجملة، لذلك نعتقد أنه إذا تحققت نجاحات هنا أو هناك فإنما ستكون مبادرات فردية لهذا الوزير أو ذاك أكثر منها برامج حزبية أو حكومية.