كشفت مصادر مطلعة أن مجموعة من الأشخاص من مختلف الدوائر الأمنية والنيابة العامة دخلوا خلال الأسبوع الجاري في حوار مع شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية في السجون، في مبادرة أولى من نوعها قالت المصادر إنها ترمي إلى «طي صفحة الماضي» وفتح صفحة جديدة بين الدولة وبين هذا التيار، الذي يقدر عدد المعتقلين منه بنحو ألف شخص، يقضون عقوبات بالسجن محدد المدة أو بالمؤبد أو بالإعدام. وأوضحت المصادر أن الحوار انطلق هذه المرة بقناعة ثابتة لدى الدولة بضرورة الوصول إلى نتائج من ورائه، خصوصا وأنه تمت إحاطته بالسرية والتكتم حتى يصل إلى أهدافه النهائية، كما أن النيابة العامة كانت حاضرة في جميع أطوار الحوار مع شيوخ السلفية المعتقلين، بحيث تم وضع محاضر بمجريات الحوار أولا بأول، لإضفاء الصفة الرسمية عليه، مقارنة بالمحاولات السابقة التي كان الهدف منها فقط جس نبض الشيوخ ومعرفة مدى استعدادهم للتحاور. وقالت نفس المصادر ل«المساء» إن الدولة، ومن أجل الدفع بالحوار إلى الأمام وإنجاحه، قررت وضع شيوخ السلفية الجهادية، وهم محمد رفيقي المعروف بأبو حفص وعمر الحدوشي ومحمد الفيزازي وحسن الكتاني الذين يقضون عقوبات بالسجن بين 20 و 30 سنة، في زنزانة واحدة لمنحهم فرصة التباحث في ما بينهم وإيجاد صيغة معينة للحوار مع الدولة، والتقدم بمبادرة بعد ذلك من شأنها أن تلقى تجاوب كافة المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب. وأكدت نفس المعطيات أن الحدوشي، الموجود بسجن تطوان، رفض الدخول في حوار مع ممثلي الأجهزة الأمنية والنيابة العامة، لتزامنه مع وفاة والده المقيم بنفس المدينة، وقال لهم: «كيف أتحاور معكم اليوم ووالدي مات؟»، فسمحوا له بمغادرة السجن وحضور جنازة والده والصلاة عليه في المقبرة، واعتبر أحد المعتقلين من سجن القنيطرة تلك المبادرة «عربونا على حسن نية الدولة في هذا الحوار ومبادرة جيدة». ورأى مصدر مطلع، رفض الكشف عن هويته في اتصال مع «المساء»، أن خطوة الحوار مع شيوخ السلفية بشكل خاص ومعتقلي التيار السلفي بشكل عام في هذا التوقيت لا يمكن فصلها عن النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأمريكية بفوز الديمقراطي باراك أوباما ونهاية ولاية جورج بوش الذي قضى ثماني سنوات في البيت الأبيض، معتبرا أن ملف السلفية الجهادية في بدايته كان ملفا أمريكا، وقال إنه ربما بات في حكم المؤكد أن واشنطن تريد رفع يدها عن هذا الملف، خاصة بعد تصريحات أوباما التي لمح فيها إلى احتمال إغلاق سجن غوانتانامو الشهير. وأضاف نفس المصدر أنه بعد ذهاب بوش فقد أصبح ملف السلفية الجهادية في المغرب ملفا مغربيا مغربيا، وأن الدولة تريد البحث عن حل له في إطار داخلي «بعدما أصبح معتقلو هذا التيار يشكلون عبئا حقيقيا على الدولة، فماذا تفعل بحوالي ألف معتقل لديها في مختلف السجون يأكلون ويشربون ويزدادون تطرفا؟». وحسب مصادر قريبة من الملف، فإن الحوار مع شيوخ السلفية هم عددا من النقاط، من بينها على الخصوص الآفاق المستقبلية لأفراد هذا التيار بعد مغادرة السجون، لأن خروج المئات من أتباع تيار السلفية الجهادية، الذين يحمل بعضهم أفكارا متطرفة ويكفرون الدولة، قد يشكل خطرا على أمن المجتمع والدولة، ولذا تريد هذه الأخيرة الحصول من الشيوخ على ضمانات، في الوقت الذي تقدم هي الأخرى ضمانات لهم. وبحسب بعض المصادر فإن الأحكام التي صدرت مؤخرا في خلية الرايضي، والتي لم تتجاوز فيها الأحكام بالسجن عامين إلى أربع سنوات وكانت بينها حالات حصلت على البراءة، تشكل دليلا على أن الدولة أصبحت تريد إيجاد مخرج لهذا الملف، لأن هذه الأحكام كانت بعيدة جدا عن الأحكام السابقة التي دأبت المحاكم على إصدارها في حق المتهمين في قضايا الإرهاب، والتي كانت تتجاوز عشر سنوات إلى 20 أو 30 سنة، بما في ذلك أحكام بالمؤبد والإعدام.