في سنة 2009 احتضن كازينو «السعدي»، في مدينة مراكش، بشراكة مع «الدوري الدولي للبوكر»، المتخصص في تنظيم المسابقات الدولية، أكبرَ تظاهرة عالمية في قمار الكازينوهات، والتي عرفت مشاركة كبار «المقامرين» من مختلف أنحاء العالم.. وقد سبق تنظيم المسابقة الدولية آنذاك تظاهرات إقليمية مصغرة ومنافسات على الأنترنت، تمهيدا للنهائيات المنظمة في العاصمة الحمراء، والتي اعتبرها المنظمون الخطوة الأولى نحو جعل مدينة مراكش قبلة عالمية للاعبي «البوكر»، والذي تجري منافساته بعلم السلطات، من دون أن تحرّك الأخيرة ساكنا، على اعتبار أنه يدخل ضمن الخدمات المقدمة للسياح. تحققَ «الحلم» وأصبحت مراكش قبلة لمشاهير المقامرين، يحجّون في فترات مختلفة من السنة نحو بلاد «السبعة رجال»، ليتوجوا إقصائياتهم في الدوري السنوي العالمي للبوكر، الذي تفيد معلومات حصلت عليها «المساء» أنه من المزمع تنظيم الدورة السابعة والعشرين منه بين 17 و21 أكتوبر المقبل. لا تجري جميع المسابقات التي تتم في الكازينوهات خارج دائرة عيون السلطات أو أنها تقوم بغضّ الطرف عنها، فهذه المؤسسات تخضع لمراقبة مختلف الجهات وتحصل على تراخيص لافتتاح صالات اللعب، التي تسيّرها شركات عالمية متخصصصة في «قمار الكازينوهات»، حيث تفرض عليها مجموعة من الشروط من أجل الاستفادة من التراخيص. يتوفر المغرب على سبعة كازينوهات، تستأثر عاصمة منطقة سوس «أكادير» بثلاثة منها، فيما توجد البقية في مدن مراكش والجديدة وطنجة، في انتظار أن ترد السلطات على مجموعة من الطلبات لافتتاح كازينوهات أخرى بعد مفاوضات ماراطونية تجريها الشركات العالمية مع القطاعات الوصية على سوق قمار «الأثرياء». وتلقى «كازينوهات» المغرب شهرة دولية، حيث أصبحت المدن المحتضنة لها تستقطب عددا مُهمّا من «كبار المقاميرين» من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى الزبناء المحليين الذين يُشكّلون، حسب معطيات غير رسمية، أكثر من 90% من زبناء هذه الكايزنوهات المغربية، فيما يعتبر السياح الذين يحجون إليها «زوارا من نوع خاص».. وتستند الدولة في منحها تراخيص تشييد صالات القمار إلى مقولة أن كازينوهات اللعب هذه تقوم بتشجيع الاستثمار في المجال السياحي، خاصة في استقطاب شريحة معينة من السياح، التي تدرّ على الاقتصاد الوطني جزءاً مهمّاً من العملة الصعبة، ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يتمّ ضمان تردد هذا النوع من السياح على المغرب من دون توفير البنيات السياحية الضرورية، وعلى رأسها الكازينوهات. ورغم ما يثار حول قطاع القمار في المغرب، فإن الدولة لا تبدو قادرة على تغيير موقفها من هذه الكازينوهات، سواء في فترة حكم «الإسلاميين» أو غيرهم، ولا يمكنها، بأي حال من الأحوال، أن تمنع زبناء هذه الصالات من الولوج إليها، على اعتبار أن هذا القطاع يدرّ، بشكل أو بآخر، مداخيل على الاقتصاد الوطني ويساهم في انعاش السياحة. وتشير بعض الأرقام، غير الرسمية، إلى أن أرباح الكازينوهات في المغرب تصل إلى أكثر من خمسة مليارات سنتيم في الشهر الواحد، علما أن هذا الرقم يشهد تزايدا مستمرا رغم الأزمة الاقتصادية، التي لم يتأثر بها هذا القطاع، ما دام أنه يستقطب زبناء من نوع خاص، مهووسين باللعب داخل هذه الصالات، التي لا تعدو أن تكون بالنسبة إلى كثير منهم إلا مصدر تسلية وترفيه. يخضع قطاع الكازينوهات في المغرب لدفاتر تحملات خاصة بالشركات المنظمة لهذه الصالات، ويتم الترخيص لها من خلال مرسوم يصدره الوزير الأول أو رئيس الحكومة، عقب تحريات تقوم بها عدد من الأطراف، من أجل الخروج بقرار قبول طلب الترخيص لإنشاء كازينو أو رفضه. ولا تُجرّم الدولة عمليات المقامرة أو المراهنات، بل تقوم فقط بزجر الأشخاص المُخلّين بالقوانين المنظمة لهذا القطاع. وبغض النظر عن المرجعية العليا للبلاد، المنصوص عليها في الدستور، باعتبار الدولة المغربية دولة إسلامية، وما يترتب عن ذلك من تناقض مع واقع الممارسة، فإن القانون الجنائي المغربي، في الفصل ال282 منه، ينص على أنه «يعاقَب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة من ألف ومائتين إلى مائة ألف درهم الأشخاص الذين يديرون محلا لألعاب القمار ويقبلون فيه الجمهور(...) وينصبون في الطريق وفي الأماكن العمومية، ولاسيما في أماكن بيع المشروبات، أجهزة لتوزيع النقود والقطع المستعملة للأداء عن الاستهلاك وبصفة عامة أجهزة يرتكز استعمالها على المهارة في اللعب أو على الصدفة وتعد للحصول على ربح أو استهلاك مقابل رهان».. كما ينص الفصل ال286 على أنه «من أسس أو أدار محلا للتسليف على رهون أو ودائع مالية بدون ترخيص من السلطة العامة يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة ألف درهم»، وهذا يفيد أن المُشرّع المغربي لا يُجرّم التعاطي للقمار من حيث المبدأ، بل فقط الحالات التي يجري فيها التعاطي للقمار والمراهانات من دون علم السلطة وخارج القوانين المنظمة للمجال. وبحكم أن الكازينوهات تعمل في إطار القانون وتحت مراقبة مجموعة من الجهات الحكومية، فإن المتعاطين للقمار داخل صالات اللعب هذه لن يصبحوا، بأي حال من الأحوال، مُتابَعين قضائيا، ونفس الأمر بالنسبة إلى المشرفين على هذه الصالات، رغم تأثيرها على المجتمع، حيث إن نسبة زبنائها المغاربة تصل إلى حوالي 90 %. وتنقسم ألعاب الكازينو، بالأساس، إلى ألعاب الطاولة وأخرى تخص ألعاب الآلة، التي تعتمد على اللعب الفردي، خلافا لألعاب الطاولة، التي تنقسم إلى ما يصطلح عليه ب»البلاك جاك»، حيث يتقدم مسير اللعبة «الكروبيي» ويلعب النرد أمام «المُقامرين»، الذين يتوقف فوزهم باللعبة على الورقة الصحيحة، فيما يُخصَّص القسم الآخر لألعاب «الروليت»، والتي تخص استقرار الكرة في أحد الأرقام ال36 في الآلة التي تدور بسرعة عند انطلاقتها. وتشير بعض المعطيات المُتوصَّل إليها إلى أن معدل ما يمكن أن ينفقه الفرد في الرهان الواحد فقط يمكن أن يتجاوز 5000 درهم في اللعب على الطاولة، وقد تتجاوز أو تقلّ عن هذا القدْر حسب نوعية المراهنات، فيما يصل بما ينفقه الفرد في ألعاب الآلة إلى أكثر من 500 درهم، وهو ما يفسّر وجود بنك «الكازينو»، الذي يتكلف بتمويل زبناء صالات اللعب من دون انقطاع. وبحكم تسيير «كازينوهات» المغرب من طرف شركات عالمية متخصصة في المجال، فإن أغلب مُسيّري الألعاب هُم أجانب، إضافة إلى بعض المغاربة، الذين يشْكون من المَيز الذي يلحقهم، خاصة على مستوى الأجور، التي يمكن أن تصل بالنسبة لإلى مسيّرِ لعبٍ أجنبي إلى حوالي 12000 درهم أو أكثر في الشهر الواحد، فيما لا تتجاوز الأجور بالنسبة إلى المغاربة 3000 درهم كأجر أساسي، إضافة إلى إكراميات بعض الزبناء. وقد عمل أحد الكازينوهات في مدينة أكادير على إنشاء مدرسة تكوين، هي الأولى من نوعها، والتي تستهدف تكوين مُسيّري لعب مغاربة، من أجل سد الخصاص الموجود في الميدان، خاصة أن المسيّرين الأجانب يتلقَّون أجورا مرتفعة. وتأتي فكرة التكوين هذه في إطار إستراتيجية المؤسسات الدولية المسيّرة لقطاع الكازينوهات في المغرب، الهادف إلى تشكيل صورة المؤسسات المساهمة في تشغيل اليد العاملة المغربية، من خلال الاعتماد على العمالة المحلية، التي تبقى من حيث التكلفة أقل بكثير من العمالة الأجنبية، خاصة «الكوبيير» القادمين من دول أوربا الغربية.