في عملية هي الأولى من نوعها منذ حرب السادس من أكتوبر 1973، دشنت القوات المسلحة المصرية عملية عسكرية من أجل "تطهير منطقة سيناء من المجموعات الإرهابية". وعملت القوات المصرية على إغلاق فتحات الأنفاق المحاذية لسيناء، حيث بدأت بالأنفاق البعيدة عن التجمعات السكنية بالقرب من مدينة رفح، وذلك في إطار حملة أمنية كبيرة من أجل تمشيط وتطهير المنطقة الحدودية، بعد حادث الهجوم المسلح الذي أودى بحياة 16 جنديا مصريا. وذكرت تقارير إعلامية أن العملية العسكرية، التي وصفت بالأضخم منذ الحرب العربية-الإسرائيلية الرابعة لسنة 1973، تعرف مشاركة واسعة للقوات المسلحة المصرية وقوات الأمن العسكري، والتي يتم فيها استعمال طائرات الهيلوكبتر من طراز "أباتشي" والمدافع والمدرعات وقاذفات الصواريخ، في ظل تعزيزات عسكرية تتقاطر على سيناء. وقد تجدد الهجوم المسلح على منطقة سيناء مرات متكررة بعد حادث يوم الأحد الماضي، حيث تعرضت مولدات الكهرباء في شمال المنطقة لإطلاق نار كثيف من قبل مجهولين، تسبب في انقطاع التيار الكهرباء عن مناطق متفرقة، فيما دخل الجيش المصري وقوات الأمن في اشتباكات مسلحة مع المجموعات "الإرهابية"، بعد حالة من الهدوء الذي يسبق العاصفة. تعزيزات عسكرية واصل الجيش المصري حملته الأمنية لاستعادة السيطرة والأمن على منطقة سيناء، بعد حادث الهجوم المسلح على أفراد من القوات المسلحة، والذي ذهب ضحيته أكثر من عشرين جنديا مصريا. وتشارك في الحملة العسكرية الموسعة وحدات من القوات الجوية والبرية والقوات الخاصة، مستعملة المدرعات والمروحيات القتالية التي حولت مطار العريش إلى ثكنة عسكري، في انتظار إطلاق المرحلة الثانية من الحملة العسكرية في المنطقة الحدودية مع إسرائيل. ووصلت تعزيزات عسكرية وأمنية كبيرة إلى المنطقة التي يتمركز فيها الجيش والأمن المصري، وتم نشر نقاط تفتيش على طول الطريق الدولي العريش- الشيخ زويد، حيث يُخضع الجيش المصري السائقين والمارة لتفتيش دقيق للتعرف على هوياتهم، في محاولة لإيقاف المجموعات المسلحة المتهمة بالهجوم على المعسكر المصري. وعلى مشارف مدينة العريش المصرية وصلت تعزيزات كبيرة تحت قيادة الجيش الثاني الميداني، المكلف بالعملية العسكرية في المنطقة، حيث تم إرسال المدرعات والدبابات وقاذفات الصواريخ، في مشهد يحيل على رحى حرب طاحنة يقودها الجيش المصري بعد صعود الرئيس محمد مرسي، فيما عرفت الطريق المؤدية إلى سيناء موكبا عسكريا كبيرا لمئات الجنود والضباط المتوجهين إلى مدينة العريش شمال سيناء. وقد أعلن الجيش المصري، في وقت سابق، عن بدء خطة لتطهير سيناء من الذين وصفهم ب"العناصر الإرهابية المسلحة" بالتعاون مع وزارة الداخلية، وهي العمليات التي أكد على نجاحها وتواصلها "من أجل استعادة الاستقرار والسيطرة الأمنية على سيناء"، حيث قتل الجيش المصري حوالي 20 مسلحا من التنظيمات "الإرهابية" المتهمة بتنفيذ الهجوم المسلح على عناصره. وحسب تقارير إعلامية، فإن مصر طلبت من حركة حماس تسليمها ثلاثة من رموز "جيش الإسلام" السلفي، بعدما عثرت على جثة أحد عناصره السابقين ضمن المجموعة التي هاجمت الجيش المصري. لكن رد حركة حماس على الطلب لم يتضح بعد، خاصة أنها تحاول أن تخرج من الحادث الأخير بأقل الخسائر، دون أن يؤدي ذلك إلى المس بسمعتها وهيبتها، خاصة في الجانب الأمني. وقد أصدر الرئيس المصري محمد مرسي قرارات، وصفت بالجريئة، تهم إحالة مدير المخابرات المصرية، مراد موافي، على التقاعد وتعيين اللواء محمد رأفت عبد الواحد شحاتة مكانه. كما قام بتعيين اللواء أحمد زكي قائدا للحرس الجمهوري بدلا من اللواء محمد نجيب، إضافة إلى إقالته لمحافظ سيناء عبد الوهاب مبروك، فيما كلف وزيره في الدفاع، محمد حسين الطنطاوي، بتعيين قائد لإدارة الشرطة العسكرية خلفا لحمدي بدين. ولقيت هذه الخطوة ترحيبا في الشارع المصري، حيث خرجت مظاهرات شعبية، شارك فيها حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وعدد من قوى الثورة المصري، تأييدا لقرارات الرئيس المصري، فيما عبرت أطراف أخرى عن تخوفها من تسرع الرئيس في اتخاذ مثل هذه القرارات الجذرية، التي يمكن أن تكون استجابة لإملاءات خارجية، خاصة من الجانب الإسرائيلي. وفيما تستمر العملية العسكرية الواسعة التي يقودها الجيش المصري في المنطقة، تواصل النيابة العامة المصرية التحقيق في الهجوم المسلح ضد الجيش المصري، والذي حدث في وقت متزامن على مجموعة من المراكز الأمنية شمال منطقة سيناء. غزة.. تدفع الثمن أدت العمليات العسكرية في منطقة سيناء، وما أعقبها من إغلاق لمعبر رفح الحدودي وهدم للأنفاق الحدودية، إلى أزمة حقيقية لساكني قطاع غزة، خاصة المرضى الذين يتوافدون بشكل يومي على المعبر من أجل الاستشفاء. وقد حذرت وزارة الصحة في غزة من أن استمرار إغلاق معبر رفح البري سيؤدي إلى تأزيم وضعية المرضى بشكل خطير، قد ينذر بكارثة إنسانية وصحية إذا ما استمر الإغلاق في الساعات المقبلة. وأكدت وزارة الصحة في الحكومة الفلسطينية المقالة أن المعبر يشكل شريان الحياة لمئات المرضى الذين يتدفقون بشكل يومي على الحدود المصرية قصد الاستشفاء خارج القطاع، فيما أعلنت وزارة الأوقاف في غزة أن آلاف الفلسطينيين الراغبين في أداء مناسك العمرة مازالوا عالقين في المعبر، مما يهدد بحرمانهم من السفر إلى الديار المقدسة، والتسبب في خسائر كبير للمؤسسات المشرفة على عمليات الحج والعمرة. وقد علل الجانب المصري إقدامه على غلق معبر رفح البري بتسلل بعض المسلحين، الذين شاركوا في الهجوم على القوات المسلحة المصرية، من قطاع غزة، وهو الأمر الذي نفته بشكل قاطع حركة حماس، حيث أقدمت حكومتها في قطاع غزة على إغلاق كافة الأنفاق الموجودة على طول الحدود مع الجانب المصري، والتي يبلغ عددها حوالي 1000 نفق تشكل وسيلة أساسية لتهريب المواد الأساسية إلى القطاع المحاصر. وقد وجه إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، أول أمس الخميس، نداء إلى الرئيس المصري محمد مرسي للتراجع عن قرار إغلاق معبر رفح البري، من أجل استعادة الحياة فيه، مشددا على أن قطاع غزة بريء من أحداث الهجوم المسلح على الجيش المصري، لأن قطاع غزة لا يمكن أن يكون إلا مصدر استقرار بالنسبة إلى مصر، حسب هنية. وأشار هنية إلى أن التحريات الأمنية تؤكد عدم ضلوع أي من أبناء قطاع غزة أو الشعب الفلسطيني في العملية، و"من يشارك في قتل الجيش المصري ليس لا عربيا ولا فلسطينيا، والمستفيد من هذا الوضع هو الاحتلال الإسرائيلي". وجدد هنية التأكيد على الموقف ذاته في اتصال مع الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، والذي كان قد ألمح إلى إمكانية وجود مسلحين من داخل قطاع غزة ضمن العناصر التي هاجمت الجيش المصري، عندما صرح بأن منظمات المقاومة يجب ألا تكرر استخدام سيناء في المواجهة مع إسرائيل، دون الاهتمام بالسيادة المصرية. وقد أعلنت السلطات المصرية عن فتح المعبر ليوم واحد، أمس الجمعة، من أجل عودة الفلسطينيين العالقين في المعبر إلى غزة، وهو ما يعني أن المعبر سيعاد إغلاقه من جديد، بسبب استمرار العمليات العسكرية، والاتهامات المبطنة للجانب الفلسطيني بالتورط في تسلل مسلحين إلى منطقة سيناء، ومشاركتهم في العملية المسلحة ضد الجيش المصري. خرق لكامب ديفيد؟ العملية العسكرية التي يقودها الجيش المصري تعتبر الأولى من نوعها منذ 1973، ويمكن اعتبارها من الناحية العملية خرقا لاتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والمصري سنة 1978، والتي تقيد بشكل كبير تواجد القوات المسلحة على شبه جزيرة سيناء، مما يعيد طرح إشكالية البنود الواردة في اتفاقية السلام هذه، خاصة في شقها الأمني. لكن تقارير إعلامية إسرائيلية ذكرت أن العملية العسكرية التي يقودها الجيش المصري جاءت بناء على طلب مصري لاستخدام المروحيات العسكرية في تعقب المجموعات المسلحة، على اعتبار أن اتفاقية كامب ديفيد تنص على الاستخدام المحدود لطائرات الاستطلاع، وهو الأمر الذي سارع الجانب الإسرائيلي إلى مناقشته من خلال اجتماع أمني مستعجل، حيث جاء رد إسرائيل بالإيجاب على أساس أن يكون الهدف من العملية محددا، ولأيام محددة. وبدا أن الجانب الإسرائيلي شجع الجهاز العسكري المصري على الاستمرار في العملية، حيث دعت تل أبيب السلطات المصرية إلى إرسال قوات خاصة "كوموندوز" إلى الحدود في سيناء، وكذا الحدود مع ليبيا والسودان، من أجل منع المجموعات المسلحة من تهريب السلاح أو التسلل إلى سيناء. وقد أدت الأحداث الأخيرة إلى ارتفاع أصوات تنادي بضرورة تعديل بنود اتفاقية كامب ديفيد، خاصة في الشق الأمني، بهدف الرفع من أعداد القوات المسلحة المصرية على الحدود، تأمينا لها من الجماعات المسلحة، خاصة أن الجانب الإسرائيلي وافق، عقب تفجيرات طابا وشرم الشيخ، بنشر 2500 جندي مصري، بدل 700 كانوا متواجدين قبل تلك التفجيرات. إلى ذلك، عبرت الخارجية الأمريكية عن دعمها ل"جهود الحكومة المصرية الجارية الآن، من أجل حماية الشعب المصري والآخرين في منطقة سيناء، من الجماعات الإرهابية والفوضى في سيناء، وأكدت على تأييدها لجهود مصر لتقديم مرتكبي الهجوم إلى العدالة، والتصدي لمختلف التهديدات. اتهامات عشوائية لم تتردد جماعة الإخوان المسلمين في توجيه أصابع الاتهام إلى الجانب الإسرائيلي في الضلوع في الاعتداء المسلح على الجيش المصري، واتهمت جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" بالمسؤولية عن الحادث، وهو الأمر الذي وصفته الخارجية الإسرائيلية ب"الهراء". واعتبرت الجماعة، في بيان لها، أن "إسرائيل هي من دبرت الهجوم في محاولة منها لتقويض حكومة الرئيس المصري محمد مرسي، إذ إن الجريمة يمكن أن تنسب للموساد الذي يسعى لإجهاض الثورة منذ قيامها ويدل على هذا أنه أصدر تعليماته لمواطنيه الصهاينة الموجودين في سيناء إلى مغادرتها على الفور منذ أيام". وفيما أشارت جماعة الإخوان المسلمين إلى أن القوات الموجودة في سيناء لا تكفي لحمايتها، ولا حماية الحدود، وهو الأمر الذي يحتم إعادة النظر في بنود الاتفاقية المبرمة بين مصر والكيان الصهوني، اتهمت حركة حماس بدورها، على لسان رئيس الحكومة الفلسطينية المصرية، إسرائيل بالمسؤولية عن هذا الهجوم الذي يهدف إلى إحراج القيادة المصرية، وخلق مشاكل على الحدود من أجل تقويض الجهود المبذولة لفك الحصار المفروض على قطاع غزة. وقد أخذت دائرة الاتهامات تتسع منذ حادث الأحد الماضي، فمن اتهام الجماعات الإرهابية في سيناء بضلوعها في الحادث، إلى اتهام الجانب الإسرائيلي بالتورط في الهجوم، مرورا بتوجيه أصابع الاتهام إلى حركة حماس من خلال الحديث عن وجود مسلحين قادمين من قطاع غزة. واقع يجعل الجهاز الأمني والمخابراتي المصري تائها في ظل ملف أمني معقد، أحدث نوعا من الصدمة لصناع القرار في مصر، وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي، الذي يحاول تقوية الجسد الداخلي لمواجهة تهديدات الجماعات المسلحة، التي يبدو أنها وجدت لنفسها مكانا في صحراء سيناء، بفعل انشغال المصريين بثورتهم. ويزداد الملف الأمني تعقدا عندما يتعلق الأمر بالبنود الواردة في اتفاقية كامب ديفيد، ونوعية العلاقة التي ستحكم النظام الجديد في مصر بالجانب الإسرائيلي.