الطغاة كثيرون، انتهوا وانقضوا.. وسيولدون و يمضون، قد يتفاوتون في وسائل الطغيان، لكنهم يتوحدون في البدايات و النهايات، أتوا إلى الحكم مسالمين ومستعطفين ليصيروا دمويين ومتجبرين، وينتهوا مغدورين ومقتولين. من نيرون الروماني، وكاليغولا الرومانيين، مرورا بالحجاج وعباس السفاح العربيين، وصولا إلى صدام حسين والقذافي القوميين، ظل الطاغية هو الطاغية، لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته ولا يهتم إلا لمصالحه. الطغاة وهم في أوج طغيانهم يمتلكهم الغرور والاستعلاء ولا يتعظون من دروس التاريخ ومن مصائر أمثالهم ممن سبقوهم من أصنام الطغاة. ولد أرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، في قرية كفار ملال بفلسطين أيام الانتداب البريطاني. كان اسم عائلته الأصلي شاينرمان، وكان والداه من اليهود الأشكناز، الذين هاجروا من شرق أوروبا. إذ ولد أبوه في بولندا بينما ولدت أمه في روسيا. كما تذكر بعض المصادر الأخرى بأنه يتحدر من أصول فارسية كانت تسكن مدينة أصفهان الإيرانية. يعدّ شارون من السياسيين والعسكريين المخضرمين في الساحة الإسرائيلية، والرئيس الحادي عشر للحكومة الإسرائيلية. هو شخصية مثيرة للجدل داخل إسرائيل وخارجها. إذ بينما يراه البعض بطلا قوميا، يراه آخرون عثرة في مسيرة السلام، بل ذهب البعض إلى وصفه بأنه مجرم حرب بالنظر إلى دوره العسكري في الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982. وقد اضطُرّ سنة 1983 إلى الاستقالة من منصب وزير الدفاع بعد أن قررت اللجنة الإسرائيلية القضائية الخاصة للتحقيق في مذبحة صبرا وشاتيلا بأنه لم يفعل ما يكفي للحيلولة دون وقوع هذه المجزرة. انخرط شارون في صفوف منظمة الهاجانا عام 1942 وكان عمره آنذاك 14 سنة، وانتقل للعمل في الجيش الإسرائيلي عقب تأسيس دولة إسرائيل. شارك في معركة القدس ضد الجيش الأردني ووقع أسيرا في يد الجيش العربي الأردني في معارك اللطرون عام 1948، وقد أسره يومها النقيب حابس المجالي -المشير فيما بعد- الذي عالجه ونقله إلى الخطوط الخلفية، ثم إلى المفرق في الأردن حيث أقيم معسكر اعتقال الأسرى اليهود، وتم تبديله بأسير عربي عندما تم تبادل الأسرى بعد الهدنة الثانية. وبعد فترة انقطاع عن الجيش قضاها على مقاعد الجامعة العبرية، عاود الجيش الإسرائيلي سؤاله للانضمام للجيش وترؤس الوحدة 101 ذات المهام الخاصّة. وقد أبلت الوحدة 101 بلاءً حسنا في استعادة الهيبة لدولة إسرائيل بعد خوضها مهمّات غاية في الخطورة، إلا أن وحدة شارون العسكرية أثارت الجدل بعد مذبحة قبية في خريف 1953، التي راح ضحيّتها 170 من المدنيين الأردنيين. كما قام بمجزرة بشعة في اللد عام 1948 وحصد خلالها أرواح 426 فلسطينيا بعد أن اعتقلهم داخل المساجد. وقد اتهم شارون بمسؤوليته عن جرائم عديدة، منها : مجزرة قتيبة سنة 1953، قتل وتعذيب الأسرى المصريين سنة 1967، مذبحة جنين سنة 2002... غير أن مجزرة صبرا وشاتيلا تبقى علامة ساطعة في مشوار هذا السفاح الدموي.إذ في منتصف سبتمبر عام 1982 وبعد أسبوعين على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية العاصمة اللبنانية، أقدم شارون على احتلال بيروت، ناقضًا بذلك وعودا كان قطعها للوسيط الأمريكي فيليب حبيب، الذي أشرف على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. وهذا ما جعل الوسيط الأمريكي يستشيط غضبا. إذ قال: «لقد قدمت ضمانات إلى عرفات بأنه لن يتم التعرض للفلسطينيين (الباقين في بيروت)، لكن شارون لم يحترم هذه الضمانات. إن وعدًا يعطيه هذا الرجل لا يساوي شيئًا». وقد وصف فيليب حبيب شارون بالسفاح بعد المجزرة الفظيعة التي ارتكبها في مخيمي صابرا وشاتيلا. إذ دخلت ميليشيا الكتائب المارونية اليمينية المتطرفة والحليفة لإسرائيل إلى المخيمين الموجودين بجنوب بيروت تحت أنظار الجيش الإسرائيلي, وبمساعدته ومباركة شارون، راح المجرمون يجهزون على السكان بشكل منظم. كان جنود شارون موجودين في محيط المخيمات حتى إن موقع قيادة العمليات الإسرائيلية كان يطل على مسرح المجزرة، وهي من أفظع المجازر في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي. وبعد انقضاء ساعتين على بداية المجزرة بدأت التقارير تصل إلى القيادة الإسرائيلية، لكن أحدا لم يتحرك لوقفها. ولم تتوقف المذبحة قبل 48 ساعة، فكانت المحصلة رهيبة: أكثر من ألف قتيل، غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ. كما عمد المهاجمون إلى اختطاف مئات غيرهم من سكان المخيم الذين لا يزالون في عداد «المفقودين» حتى اليوم. وخلصت لجنة تحقيق إسرائيلية إلى تحميل الجنرال الدموي شارون المسؤولية الشخصية عن المجزرة، وأوصت بسحب صلاحياته كوزير للدفاع، فاضطر إلى التخلي عن هذا المنصب الذي يسعى إليه العسكريون. ويبدو أن لعنة هذه المجزرة وغيرها من المجازر، التي ارتكبها شارون في حق الفلسطينيين، ستصيبه يوم الأربعاء 4 يناير 2006. إذ أصيب في هذا اليوم بجلطة نتيجة نزيف دماغي حاد سبب له فقدانا في الوعي، فأدخل إلى مستشفى هداسا عين كرم في القدس حيث أجريت له عملية أولى دامت 6 ساعات. ورغم استقرار حالته الصحية نتيجة العملية، لم يعد شارون إلى وعيه. بعد ذلك اضطر الأطباء إلى إعادته إلى غرفة العمليات بضع مرات بعد أن اكتشفوا وجود مناطق أخرى في الدماغ تعاني من النزيف، ومشاكل طبية أخرى تميز حالة عدم الوعي. في 28 ماي 2006 نُقل إلى مستشفى «شيبا» في رمات غان بجانب تل أبيب. وفي مقابلة صحافية مع إذاعة غالي تساهل في 17 سبتمبر 2008 قال الطبيب المسؤول عن شارون إنه في حالة «الوعي الأدنى» حيث يحس بالألم ويرد ردًا أساسيًا على سماع صوت أقربائه، لكنه ما زال في حالة خطيرة دون أن يطرأ تحسن ملموس على حالته الصحية منذ نقله إلى المستشفى. وفي يوم 12 نوفمبر 2010 تم نقله إلى منزله في مزرعة الجميز لمدة 48 ساعة كبداية لسلسلة من الزيارات لأجل إعادته إلى منزله.