كان أحمد العراقي وزيرا للشؤون الخارجية وبعدها وزيرا أول ما بين سنتي 1967 و1978، مما جعل منه اليوم شاهدا مفضلا على غيره عن مغرب تلك الفترة. كشف مؤخرا عن رسالة سرية كان بعثها إلى الملك الراحل الحسن الثاني غداة المحاولة الانقلابية بالصخيرات، رسم فيها معالم مغرب على حافة الانفجار. - تركت تدبير الشأن العمومي في سنة 1978. هل انقطع الاتصال بينك وبين الملك الراحل الحسن الثاني؟ < لا، كنت دائما أدعى إلى الاستقبالات الرسمية بالقصر الملكي وأحيانا إلى بعض حفلات العشاء التي كان الملك يقيمها. لم تتوقف الاقتراحات لأعود إلى تقديم خدماتي إلا بعد استقراري في باريس التي اخترتها مقرا لسكناي في أكتوبر 1979، اعتقدت أنني خدمت بما فيه الكفاية وطني وملكي وأنه يتوجب علي أن أتفرغ لأطفالي. وفضلا عن ذلك، كانت ابنتي البكر قد التحقت لتكمل دراستها بكلية «أساس». - هل كنت صديقا للحسن الثاني؟ < ليس للملوك أصدقاء. - تلقيت تكوينك كطبيب ورغم ذلك انتقلت إلى الوساطة البترولية. كيف تم ذلك؟ < مارست الطب خلال فترتين قصيرتين من حياتي، لكن بعد كل فترة بالمصحات الباريسية، مرة أولى عندما عوض مولاي عبد الله إبراهيم أحمد بلافريج على رأس الحكومة ومرة أخرى عندما تركت الوزارة الأولى. وقررت، حين غادرت الشؤون الخارجية في نهاية 1979، أن أترك الطب وأتصل بشركتين أمريكيتين متعددتي الجنسية لأكون مستشارا لهما، وهو ما تم إلى حدود 1992، تاريخ عودتي إلى مسقط رأسي الدارالبيضاء للاستقرار بها. كنت مكلفا في تلك الشركتين بالعلاقات مع الدول الأسيوية والإفريقية وكثيرا ما كانوا يطلبون مني تحاليل جيوسياسية حول موضوع معين، أو تمثيلهم في حال تعلق الأمر بالوساطة. - رسالتك السرية التي كتبت في 1971 لم تنفع في تفادي المحاولة الانقلابية الثانية. ألم يأخذ الحسن الثاني تشخيصك للوضعية على محمل الجد؟ < كان الحسن الثاني يضع أحيانا ثقة عمياء في بعض معاونيه، كما كان الشأن مع أوفقير على سبيل المثال. لم يفكر لحظة بأن الجنرال كان بالإمكان أن يكون متورطا في المحاولة الانقلابية الأولى، وإلا ما عهد إليه بوزارة الداخلية وقيادة القوات المسلحة. - ما كان رأيك بخصوص الجنرال أوفقير؟ < كان محافظا وقليل الكلام ويحمل دائما نظارات سوداء حتى في الليل. عموما، أحتاط من الناس ذوي النظرات الغامضة الذين لا ينظرون أبدا إلى العيون. كان يصل أحيانا متأخرا عن الاجتماعات الوزارية، لكنه لم يكن أبدا متغطرسا. - هل كان يحتفظ بنظاراته في حضرة الملك الحسن الثاني؟ < دائما. لم يوجه إليه الحسن الثاني أي ملاحظة بخصوص هذا الموضوع، في حضوري على الأقل. - ألم تحاول أن تحذر الحسن الثاني من أوفقير؟ < نعم، مرة في مارس 1971 عندما كنت وزيرا أول. قدم إطار عال بوزارة الداخلية مبكرا بدون موعد مسبق كما لو أنه كان يريد ألا يرى وأخبرني أنه يتوفر على وثائق خطيرة لأوفقير وأنه لن يسلمها لأحد غير الملك. قلت ذلك للملك فأخبر أوفقير ولا أعلم ماذا حل بذلك الشخص. وعندما كان الملك يقوم برحلة خاصة إلى باريس في غشت 1972، طلب مني الالتحاق به في العاصمة الفرنسية لحضور حفل عشاء على شرف بعض الأطباء الذين كانوا جميعهم أصدقاء لي. وجدت أولئك الأطباء هناك حين وصلت إلى مستشفى كريون الذي كان يقيم فيه. وبعد لحظات وصل الحسن الثاني مبتسما وقال لنا: «أحمل لكم خبرا سعيدا، تركت للتو الرئيس بامبيدو، وقال لي إنه سيعفو عن الجنرالات الأربعة المتمردين بالعاصمة الجزائر وأن هذا العفو سيشمل أيضا الجنرال أوفقير الذي خدم أيضا في القوات المسلحة الفرنسية في وقت سابق»، وأضاف: «سيكون أخيرا بإمكان المسكين أوفقير أن يتنقل إلى باريس التي يحبها كثيرا». وفي اليوم الموالي، دعانا الحسن الثاني لتناول وجبة الغداء في قصر «بيتز» وطلب من كل الحاضرين ما هي الهدية التي قد تسعد أوفقير، واختار له، من سخرية التاريخ، مجموعة من الأسلحة، وفي طريق العودة من فرنسا، هاجم أوفقير طائرة الحسن الثاني. - هل تؤمن بنظرية انتحار أوفقير؟ < إنها النظرية الرسمية. ترجمة - محمد بوهريد