كان أحمد العراقي وزيرا للشؤون الخارجية وبعدها وزيرا أول ما بين سنتي 1967 و1978، مما جعل منه اليوم شاهدا مفضلا على غيره عن مغرب تلك الفترة. كشف مؤخرا عن رسالة سرية كان بعثها إلى الملك الراحل الحسن الثاني غداة المحاولة الانقلابية بالصخيرات، رسم فيها معالم مغرب على حافة الانفجار. - أثرت مؤخرا في استجواب صحافي مسألة الاطلاع على الأرشيفات الملكية. هل تعتقد أن هذا الأمر سيكون ممكنا ذات يوم؟ < ولم لا؟ من كان يظن يوما أننا سننعم بحرية الصحافة التي نعرفها اليوم، وإن كانت حرية مسموح بها فقط. من كان سيراهن على أن الحسن الثاني سينادي، حين أحس بالمرض، قياديا من المعارضة من أجل تشكيل حكومة التناوب؟ من كان سيراهن على أن المغرب سينشئ هيئة مثل هيئة الإنصاف والمصالحة بتعليمات من الملك محمد السادس؟ - تحملت المسؤولية خلال سبعينيات القرن الماضي. هل تتحمل مسؤولية الإرث الثقيل لنظام الحسن الثاني؟ < بالفعل، ارتكبت أخطاء إلى حدود حكومة التناوب، والجميع يتحمل مسؤولية ما وقع. كنت أعتقد شخصيا أننا سنحظى أخيرا ببرلمان تمثيلي بعد وضع حد لحالة الاستثناء، لكن أملي خاب بسبب اختيارات وزارة الداخلية والجنرال أوفقير، بل إنني طلبت من الملك أن يعفيني من مهامي عندما وقفت على طريقة الانتخاب. - لكنك كنت تعلم أن أغلبية البرلمان لن تنتخب وإنما ستعين.... < هذا صحيح، لكنني كنت أعتقد أننا سنختار على الأقل أناسا مناسبين قادمين من التعليم والمهن الحرة ومن بين المقاولين الشباب في الميدان الاقتصادي، وليس من الأوفياء لوزارة الداخلية. - وماذا يمكن أن يحسب للحسن الثاني إذا تم استثناء سياسة السدود؟ < منح الحسن الثاني لبلادنا صيتا على المستوى الدولي لم تكن تتمتع به في السابق، وكان إخواننا الفلسطينيون وعدد من رؤساء الدول العربية والإفريقية والغربية يفدون عليه لاستشارته. - من وجهة نظرك، ما هي الأخطاء التي يجب ألا يعيد المغرب ارتكابها حتى يتقدم على درب المسار الديمقراطي؟ < لا بد من حكومة منسجمة ومتضامنة مع برنامج محدد المعالم مسبقا. لم يربح المغرب شيئا من وراء مضاعفة عدد الأحزاب. ففي عهدي، كان هناك ثلاثة أحزاب ومع ذلك كانت جد كافية، واليوم لدينا حوالي ثلاثين حزبا. - كان الحسن الثاني يوصف بالمنظر الكبير. كيف كان بالإمكان ألا يعلم أن خلق كل هذه الأحزاب يؤثر على اللعبة السياسية؟ < تنسون إكراهات تلك الفترة، لكنه حقيقة منظر كبير. وأستحضر مرة أخرى المثال نفسه: ألم تكن حكومة التناوب طريقة للإعداد لحكم الملك محمد السادس؟ - هل كان الحسن الثاني ذا روح ديمقراطية؟ < نعم، لكن على طريقته. لم يكن يريد أو يقبل تقاسم السلط. - هل كان من الضروري فعل ذلك من وجهة نظرك؟ < من مصلحة الملكية ألا تبقى إلى الأبد مظلة بالنسبة إلى الولاة الذين لا يطبقون تعليمات الملك دائما، وذلك بمنح السلطات التقنينية للوزير الأول بطريقة دستورية. - كثيرا ما يقال إنه كان حول الحسن الثاني رجال مقبولون. ما قولك في هذا الأمر؟ < بكل بساطة، تمتع الوزراء دائما بحرية العمل والتحرك، ويبقى أن يتحملوا مسؤولية أخطائهم، ثم إن الذين كانوا بالأمس مقبولين لا يزالون كذلك اليوم. - تركت حزب الاستقلال في 1959. هل كنت ستحظى بنفس المسار لو بقيت في هذا الحزب؟ < تركت حزب الاستقلال لأنني شعرت بحزن عميق من جراء الصراعات الداخلية بين القادة التاريخيين للحزب، صدمت من الضربات التي وجهت إلى أحمد بلافريج، الذي كنت من أقرب معاونيه. وذات يوم عنونت جريدة الاتحاد المغربي للشغل صفحتها الأولى ب: «خدع حكومة بلافريج» بعد مرور أربعة أشهر فقط على تشكيل تلك الحكومة المنسجمة والمتضامنة التي كان يطالب بها حزب الاستقلال منذ حصول المغرب على استقلاله. - وأي ذكرى تحتفظ بها عن المهدي بن بركة الذي كان أيضا من قياديي حزب الاستقلال؟ < عرفته بعد الاستقلال. وعندما أفكر فيه أتذكر ذكاء فذا وقدرة كبيرة على العمل وروحا سلطوية لكنها تقبل المناقشة. وكان وطنيا كبيرا بشهادة كل الذين عرفوه. ترجمة - محمد بوهريد