قال محمد ساسي، مدير المركز الوطني للتقويم والامتحانات، في لقاء أجرته معه «المساء» إن المقاربة التطويرية، التي تم اعتمادها في معالجة ملف الامتحانات، ما كان لها أن تستقيم لولا الاستحضار القوي للتطورات الحاصلة في مجال التقويم التربوي كمجال علمي تخصصي قائم الذات، وأكد على ضرورة التحسيس بخطورة الغش، سواء على مستوى منظومة القيم التي تسعى المدرسة إلى ترسيخها أو على مستوى المسار الدراسي للمترشحين. - هل يمكن أن تقدم لنا ورقة تعريفية عن المهام التي يقوم بها المركز؟ أحدث المركز الوطني للامتحانات في الأصل للاضطلاع بمهمة تنظيم الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا سنة 2003 وفق النظام الجديد الذي نص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بعدما كانت امتحانات الباكالوريا تنظم، عبر جميع محطاتها، على مستوى الجهات. وبالإضافة إلى هذه المهمة الأساسية المسندة إلى المركز، اضطلع هذا الأخير بمهام موازية، لكنها ليست أقل أهمية، نذكر منها بصفة أساسية إرساء وتتبع إجراء الامتحانات الجهوية والإقليمية ذات الطابع الإشهادي في إطار نظام الامتحانات، الذي أقر وحدد معالمه الأساسية الميثاق الوطني للتربية والتكوين وشرعت وزارة التربية الوطنية في تنفيذه سنة 2001، لتشمل مهام المركز لاحقا، في إطار تنامي حاجيات ومطالب تطوير نظام الامتحانات، بلورة واعتماد معايير وطنية لجودة الامتحانات تضمن إرساء هذه الأخيرة على قاعدة التصريف الفعلي لمبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق مع ضمان حد أقصى لمصداقية النتائج. - ما هو تقويمك لنتائج عمل المركز في مجال التقويم والامتحانات ولآفاقه؟ بين «اللحظة الحالية» و«الوضع الذي يجب أن يكون عليه نظام التقويم والامتحانات» هناك بالطبع مسار يجب قطعه، وتحديات يتحتم رفعها في إطار الاستجابة للحاجة الملحة إلى تحديث هذا النظام وجعله يستجيب للمتطلبات المتجددة لمنظومة التربية والتكوين ولانتظارات الدولة والمجتمع والمواطنات والمواطنين من تلك المنظومة. لكن بين لحظة نشأة المركز الوطني للتقويم والامتحانات واللحظة الحالية هناك كذلك إنجازات ومكاسب وتراكمات أكيدة، خصوصا على مستوى التأسيس لنظام جديد للتقويم والامتحانات ينبني على منظور متطور للغايات والوظائف وللآليات، وعلى بناء القدرات والكفاءات، وكذا على تمتين علاقة الثقة بين المواطن ومؤسسة التقويم والامتحان. قد لا يسع المجال للتفصيل في تلك التراكمات، لكن، إجمالا، يمكن القول إننا تمكنا، في زمن قياسي نسبيا، من إرساء نظام الامتحانات المدرسية والمهنية على أساس تعاقدي وعلى مرجعيات موحدة وطنيا، وباعتماد مساطر تستند على التجارب الناجحة والممارسات الناجعة في مجال ضمان تكافؤ الفرص والاستحقاق للمترشحين والمترشحات وتحصين موثوقية نتائج الامتحانات ومصداقية الشهادات الوطنية. فأهم ما يميز الوضع الحالي لنظام الامتحانات هو كونه يدبر وفق مرجعيات وطنية متوافق حولها، وبناء على مساطر دقيقة وصارمة وملزمة بالنسبة لجميع المتدخلين، على صعيد كل مسارات صيرورة الامتحان، من إعداد الاختبارات إلى إجرائها، فإنجاز عملية التصحيح، ثم مسك المعطيات ومعالجتها في إطار التحضير للنتائج. ونعتقد بأننا بهذا الإنجاز نكون قد أنهينا مع جيل من الانشغالات التي استأثرت لأمد باهتمام جميع المعنيين بهذا الملف، وهو وضع يؤهلنا للانتقال إلى معالجة جيل جديد من القضايا، منها من لها ارتباط بمضمون نظام الامتحانات الحالي ذاته، من حيث اختلالاته التي أبانت عنها تجربة العمل به لمدة عشر سنوات، كاحتساب نقط المراقبة المستمرة والوزن المحدد لها بالنسبة للامتحانات المدرسية الإشهادية ووظيفة الامتحان الجهوي وأثره على النتائج النهائية للمترشحات والمترشحين لامتحانات البكالوريا إلى غير ذلك. بالإضافة إلى ذلك، هناك قضايا أخرى على درجة كبيرة من الأهمية وتتعلق بآفاق تطوير نظام الامتحانات في اتجاه الاستجابة للمتطلبات الجديدة لمنظومة التربية والتكوين ولمختلف انتظارات الأطراف المعنية به، خصوصا منها تحسين مردودية منظومتنا التربوية. ونحن نعتقد بأن مدخل ذلك يحدد في رفع حالة انحصار النظام الحالي في منطق ووظيفة الجزاء والإشهاد، بجعله يندرج في نظام أعم للتقويم يتيح الإمكانية للمجتمع المدرسي، بمختلف مكوناته، للتدخل، عبر محطات وعلى امتداد المسارات الدراسية للمتعلمين، من أجل معالجة تعثرات التحصيل وتمكين التلميذ من أن يتقدم في تحصيله على نحو دال، وبالتالي الرفع، عبر ذلك، من فرص النجاح المدرسي ومن تعميمه على نحو فعلي، بما قد يستتبع ذلك من تغيرات على مستوى الممارسات التدريسية وأساليب التدبير التربوي للمؤسسات التعليمية إلى غير ذلك. ويشكل موضوع تشخيص ومراجعة نظام الامتحانات المدرسية في شموليته ومن حيث مرتكزاته وما يجب يلزم القيام به لتحصين مصداقية نتائجه، أحد الانشغالات الأساسية وذات الأولوية بالنسبة للوزارة في المحطة الحالية، خصوصا بعد إنهاء هذا النظام دورة العشر سنوات من عمره. على مستوى آخر، يحضر موضوع مراجعة نظام امتحانات الكفاءة المهنية والكفاءة التربوية بنفس القوة ونفس درجة الأهمية ضمن الانشغالات ذات الأولوية للوزارة في اتجاه ربط تقويم الأداء المهني بالمهام المسندة وبالأداء الفعلي لمختلف العاملين في قطاع التربية الوطنية، في إطار نظام عام لتحفيز الموارد البشرية للقطاع على تحسين الأداء المهني ومردودية المنظومة الوطنية للتربية والتكوين. وسواء تعلق الأمر بالامتحانات المدرسية أو الامتحانات المهنية، يبقى موضوع حكامة نظام التقويم والامتحانات أحد الانشغالات الأساسية للمركز للوطني، عبر الرفع من وتيرة بناء القدرات المتخصصة أساسا على المستويات الجهوية والإقليمية والمحلية، وكذا تسريع صيرورة إرساء البنيات الجهوية والإقليمية للتقويم والامتحانات. - ما هي أهم التدابير والإجراءات التي اتخذتها الوزارة فيما يتعلق بمحاربة ظاهرة الغش؟ يجدر التأكيد أولا، وبهذا الخصوص، أن الأمر لا يتعلق بظاهرة يمكن استساغتها بكثرة الحديث عنها إلى حد الابتذال الذي قد يحولها إلى واقع عادي، بل يتعلق الأمر بممارسة على درجة كبيرة من الخطورة بالنسبة لنظام القيم، الذي تتأسس عليه قواعد السلوك بين الأفراد والجماعات والمؤسسات.فالغش هو إخلال خطير بالتعاقد القائم بين المؤسسة التربوية وبين التلميذ، وهو نسف من الأساس لمبادئ الاستحقاق وتكافؤ الفرص والإنصاف كمبادئ يقوم عليها وجود الامتحان. ولذلك فقد جرمه القانون وحدد عقوبات صارمة إزاء ممارسيه خلال الامتحان. ولهذه الأسباب كلها وجب على المؤسسة التربوية، التي من المفروض أن تشكل المجال الأنسب للتصريف الفعلي للقيم المذكورة، أن تكون حازمة في محاربة هذا السلوك، وأي تساهل في ذلك يشكل إخلالا بالأدوار والوظائف التي أوكلها المجتمع للمؤسسة التربوية. لكل هذه الاعتبارات، عملت الوزارة على بلورة واعتماد استراتيجية تستند إلى أربعة محاور هي: - التحسيس بخطورة الغش، سواء على مستوى منظومة القيم التي تسعى المدرسة إلى ترسيخها أو على المسار الدراسي للمترشحين، باعتماد وسائط متعددة، منها الدليل الخاص بالمترشح (ة) لامتحانات البكالوريا، الذي تم تضمينه فقرات من النصوص القانونية والتشريعية الصادرة في مجال محاربة الغش، ومنها على الخصوص الظهير الشريف رقم 1.58.060 الصادر بتاريخ 25 يونيو 1958، والذي حدد أنواع الغش في الامتحانات والمباريات العمومية والعقوبات المقابلة لكل نوع منها. كما عملت الوزارة على إعداد وتنفيذ خطة للتتبع اليومي لسير إجراء امتحانات مع إطلاع عموم المواطنين على الأجواء التي يمر فيها والمعطيات الخاصة بالغش وبالإجراءات المتخذة من أجل الحد منه. - إحكام وضبط أكبر لظروف إجراء الامتحان، من خلال تقنين توزيع المترشحين على القاعات وتوفير المراقبة اللازمة وتأمين الفضاءات المخصصة لإجراء الامتحانات ولمحيطها وإرساء آليات للتتبع ومراقبة الإجراء ولظروفه.كما تم تشكيل لجنة جهوية توكل إليها مهمة البت في حالات الغش بالاستناد إلى التقارير الواردة عليها من المكلفين بالحراسة ومن رئيس مركز الامتحان ومراقبي جودة إجراء الامتحان. وتعتبر قرارات اللجنة الجهوية للبت في حالة الغش إلزامية وتتولى الأكاديميات الجهوية مهمة تنفيذها وتتبعها. - تعزيز العدة القانونية بإصدار القرار الوزاري رقم 2111.12 بتاريخ 31 ماي 2012 في شأن تعزيز آليات ضبط كيفيات إجراء امتحانات شهادة البكالوريا، والذي يمنع على المترشحات والمترشحين وبشكل قطعي حيازة الهاتف المحمول أو الحاسوب المحمول بكل أشكاله أو اللوحة الإلكترونية (iphone, ipod, ipad)…، وكل ما يرتبط بها من معدات، أو أي وسيلة أخرى من وسائل الخداع والغش، سواء داخل فضاء مركز الامتحان أو قاعات إجراء الاختبارات. - الحرص على انعقاد اللجن الجهوية للبت في حالات الغش التي تم ضبطها مع اتخاذ القرارات التأديبية المناسبة في حق الغاشين، والتي تتولى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مهمة تعميمها وتتبع تنفيذها. وما تجدر الإشارة إليه هو أن مواجهة ظاهرة الغش على نحو ناجع يتوقف في جانب مهم منه على مدى مساهمة وانخراط جميع الأطراف من متدخلين ومعنيين وشركاء. - هل تعتزم الوزارة مراجعة نظام البكالوريا السنة القادمة؟ وما هي أهم التعديلات؟ ولماذا؟ أولا تجب الإشارة إلى أن المعالم الأساسية لنظام البكالوريا الحالي تم تحديدها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بما يعني ذلك من حصول توافق بصدده بين الأطراف التي ساهمت في بلورة الميثاق المذكور بتلاوينها التربوية والاجتماعية والسياسية والعلمية، بالاستناد على نتائج تشخيص النظام الذي سبقه. وبطبيعة الحال، فنظام الامتحان هو ككل نظام يولد ويتطور، وطبيعي أن يخضع للتعديل أو التغيير في لحظة ما لكي يوضع نظام جديد يستجيب للحاجيات الجديدة ضمن المطالب والانتظارات الجديدة. وبطبيعة الحال كذلك، وفي سياق التفكير في نظام بديل، لا بد من استحضار نقط قوة النظام الحالي، وهي عديدة، مع استلهام التجارب الناجحة وتعبئة الذكاء الجماعي واستحضار مختلف الانشغالات لبلورة الصيغ الأنسب للمتطلبات الحالية والمستقبلية لمنظومة التربية والتكوين الوطنية.