حملت تقارير «العمران» خبرا صادما تمثل في إعلانها فشل برنامج «مدن بدون صفيح»، الذي انطلق سنة 2004 وبشرنا باجتثاث آخر «براكة» سنة 2010، لكن تناسل «البراريك» وعجز الحكومة عن إيجاد لقاح حقيقي لتحديد النسل القصديري حال دون إعلان المغرب بلدا بدون مدن صفيح. ولأن الاعتراف بالفشل فضيلة، فإن الدولة مطالبة بتحديد مسببات الفشل، قبل أن نستيقظ يوما على عمران صفيحي متكامل: سكن صفيحي ومدرسة صفيحية ومستوصف غير لائق وملعب نصفه مطرح نفايات والنصف الآخر لممارسة لعبة كرة القدم، ومقاطعة آيلة للسقوط تراقب الولادات الصفيحية وتزكيها بشواهد إدارية. لن تنسحب «الكاريانات» من خريطة مدننا، لأن المضاربين لا يريدون تخليصنا من القصدير، ولأن عين السلطة البلاستيكية تنظر بعين الرحمة إلى سكان دور الصفيح، لذا غالبا ما تقوم بترحيلهم إلى شقق لا فرق بينها وبين «الكاريانات» إلا بالإسمنت غير المسلح. ومن المفارقات الغريبة أن تبني الدولة سكنا لمحاربة مدن الصفيح بالقرب من المقابر؛ فبجوار مقبرة الغفران بالدار البيضاء ظهرت مستوطنة تؤوي الفارين من «الكاريانات» العريقة، وبالقرب من مقبرة الرحمة تقطن أسر تخلصت من حياة الصفيح، لتعيش ما تبقى من حياتها أمام السكن الدائم، فما تدري نفس بأي أرض تقطن بعد ترحيلها. اعترفت «العمران» بفشلها في التصدي ل«الكاريانات»، وتبين أن الحرب على مدن الصفيح ليست مجرد تدابير يعدها خبراء في مكاتب مكيفة، بل هي إرادة جماعية تنطلق من المواطن الذي يحول «البراكة» إلى أصل تجاري ويجعل منها كائنا قادرا على الإنجاب، وتنتهي بالتصريح الحكومي الذي يبيع وهم السكن الكريم في علب ملفوفة في ملصقات إشهارية، كما حصل في مدينة «تامسنا» التي يفضل ضحاياها أن يطلقوا عليها لقب مدينة «تامتنا». لكن لا يمكن فصل الفشل العمراني عن الفشل المعرفي، فالعجز عن التصدي لظاهرة الأمية يتسبب في كثير من أوجه الفشل، والأمية تتغذى من الهدر المدرسي، لذا لن نحتفل بوفاة آخر أمي في المغرب إلا إذا «ورث الله الأرض ومن عليها» كما كان يقول الملك الراحل الحسن الثاني في خطبه، رغم أن محاربة المستوى التعليمي غير اللائق لم تعد شأن وزارة التربية الوطنية فقط بل انضمت إلى هذا المجهود وزارات أخرى كالشؤون الإسلامية والشؤون الاجتماعية والشؤون العامة، دون أن تتمكن هذه القطاعات من بلوغ «مليون مستفيد كل سنة»، فهل وصفة الإصلاح تتطلب وزيرا تيقنوقراطيا قادرا على الوفاء بالالتزامات التي يحملها التصريح الحكومي، قبل أن تحولها الأيام إلى سراب؟ الفشل طال الرؤية السياحية 2012، ولم يستغل المغرب، الأقل تأثيرا بالحراك العربي، وضعية تونس ومصر وسوريا لاستقطاب زبائن هذه البلدان، بل إن المغاربة وأمام غياب سياحة داخلية ركضوا جماعيا صوب تركيا، بلد العشق الممنوع وسمر وخلود؛ ورغم ذلك لازال وزيرنا في السياحة يقول، بلا استحياء، إن المغرب يركز على السياحة الراقية وإن أكبر نسبة من السياح تأتي إلى المغرب لأسباب ثقافية، ربما يقصد «الثقاف» بمفهومه الشعبي. وامتد الفشل ليضرب مدونة غلاب، حيث تحولت الطرقات إلى ساحات للإبادة الجماعية، وأصبح المسافرون يقرؤون الشهادة قبل أن تدور عجلات الحافلة، بعد أن يكتبوا وصيتهم الأخيرة. وعجزت الحكومة عن محاربة الرشوة ولجأت إلى مكافحتها بشراكات تبعث على الضحك، حين وقع رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، ووزير النقل والتجهيز عبد العزيز الرباح، اتفاقية شراكة وتعاون للوقاية من الرشوة، وعجزت الحكومة عن تنظيم تظاهرات كروية رصدنا لها ملايين الدولارات، وفشل مشروع المصالحة الوطنية مع الإعلام في بلد لا يؤمن بأن المشاريع تبدأ بفكرة ثم بخطة مدروسة تحتمل النجاح أو الفشل، وليس الفشل ولا شيء سوى الفشل.