منذ مدة وأنا أحاول فهم إحدى الجمل التي يرددها السيد بنكيران، رئيس حكومة بلدنا، في كل مناسبة، والتي لا يمكن أن تسمعها إلا في المغرب طبعا: «إلى سياستي معجباتش الشعب ميصوتش عليا وغير تمشي هاد الشعبية الله يهنيها»... بمعنى آخر، السيد رئيس الحكومة، الذي أوصله الشعب إلى الحكومة، لا يكترث للشعب وآراء الشعب، أو بلغتنا الدارجة «ممصوقش ليكم وديرو لي بغيتو». طبعا، السيد رئيس الحكومة لا يوجه خطابه إلى كل المغاربة، بل إلى فئة من المغاربة فقط، لأنه من غير المعقول أن يعمل بنكيران على تضييع كرسي الحكم بسهولة وهو الذي عمل بكل الوسائل من قبل للوصول إليه. فالسيد رئيس الحكومة لا يكترث ولا يعير أي اهتمام لما يقوله المغاربة المثقفون الدارسون الواعون لأنهم لن يتفقوا معه يوما، إن في قراراته أو في اختياراته، بل هو يتحدث إلى المغاربة البسطاء الذين لم يستفيدوا يوما من حقٍّ من حقوقهم في هذا الوطن، ولا يفهمون معنى السياسة ولا معنى الدستور ولا معنى المناصفة، ويعيشون في ظروفٍ لا يمكن أن يتخيلها من ألف المكاتب المكيفة والسيارات الفارهة. هؤلاء الناس لا يعرفون من الدولة سوى كلمة «المخزن» التي تنصب للمجهول، فإذا أصيبوا بسوء فالمخزن هو السبب وإذا استفادوا من حق بسيط ف«الله يكثر خير المخزن»، بمعنى أن جزءا كبيرا من المغاربة لا يعرفون وزراءهم ولا حتى سبب وجودهم، ولا يعرفون رؤساء جماعاتهم ولا حتى سبب وجودهم، ولا يعرفون سوى «المخزن» الذي يعطي ويأخذ متى شاء. بنكيران عندما يتحدث تحت قبة البرلمان ويقول «ما تصوتوش عليا» فهو لا يخشى شيئا لأن من يفهمون لغته ويفهمون اللعبة السياسية في هذا البلد هم النخبة التي لم تصوت له أصلا ولم تتفق معه يوما، وهو يدرك تماما أن من صوتوا له فعلوا ذلك لأنهم ملوا ويئسوا من الوجوه التي سبقته، فقرروا تغييرها اليوم بمن يستعملون الدين في السياسة لعل وعسى «يتقاو الله فينا». عندما يتحدى السيد رئيس الحكومة الجميع أمام الملأ ومباشرةً على شاشة التلفاز فهو يفعل ذلك وهو متأكد تماما من أنه لا أحد من السياسيين المغاربة يمكنه منافسته في شعبيته، لأنه لا أحد من السياسيين يتوفر اليوم على القاعدة الشعبية التي تتوفر عليها حركة التوحيد والإصلاح والجماعات الإسلامية الأخرى. السيد رئيس الحكومة متأكد من أنه لا يوجد أي سياسي آخر غيره يستعمل لغة شعبية يفهمها الجميع ويتقنها الجميع. السيد بنكيران عندما يتحدث عن راتب غيريتس فهو يُسمِع الشعب ما يريد سماعه، لأن غالبية الشعب لا تدرك أن كل الصلاحيات اليوم بيد السيد بنكيران. رئيس الحكومة مرتاح البال اليوم لأنه يدرك أن التقييم في الأخير لن يكون تقييما لبرنامجه وإنجازاته بل لأقواله، وهو يدرك أكثر من أي شخص آخر أنه استطاع أن يرسخ في أذهان المغاربة «إلى ما درتش شي حاجة راه حيت مخلاونيش». يمكن أن يكون على صواب لأنه منذ أن أصبح رئيسا للحكومة وهو يعيش مع التماسيح والعفاريت والأشباح والكائنات الغيبية.. الله يخرج هاد الخمس سنوات على خير وصافي.. فهمتوني ولا لا.