ظهرت أخيرا حكومة بنكيران، وتنفس الناس الصعداء لأنهم اعتقدوا في فترة ما أن هذه الحكومة لن تظهر، مع أنه سواء ظهرت أو لم تظهر فإن الظاهر والباطن يعلم به الله وحده. في كل الأحوال لا يجب البدء في انتقاد حكومة لم تبدأ عملها بعد، ورئيس الوزراء طلب مهلة، في وقت تغلي فيه الشوارع العربية بعد أن مسحت من قاموسها مصطلح مهلة، لكن السياسيين المغاربة سعداء بما يسمونه «الاستثناء المغربي»، وسيرى الجميع إلى أي حد سيصل هذا الاستثناء في وقت لم يتم فيه تقديم أي فاسد إلى المحكمة حتى الآن. بنكيران «تهرّس له الراسْ» حتى قبل أن يبدأ الحكم. فعندما كان رأسه مشتعلا بالحماس بعد حصول حزبه على الأغلبية المقلقة، وعد بتشكيل حكومة لا يتعدى أعضاؤها 15 وزيرا. كان الرجل حالما في بلد لا يصح فيه الحلم. بعد ذلك اكتشف أن حكومة من 15 وزيرا ممكنة جدا، لكن من دون وزراء العدالة والتنمية. الرجل يقود اليوم حكومة من ثلاثين وزيرا، وخلفهم امرأة. ومن غريب الصدف أن تكون حكومة الثلاثين تأتي متزامنة مع الحكومة رقم 30 في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال. الأرقام عادة لا تكون مجانية، وفي كثير من الأحيان تخفي خلفها بعض المعاني التي يدركها الناس متأخرين. وفي كل الحالات فإن حكومة الثلاثين لن تكون لها أي علاقة مع أغنية محسن جمال «الزّينْ فالثلاثين». بنكيران، وقبل أن يفهم الواقع جيدا، وعد حزبه بمقاومة ما يسمى وزراء السيادة. لكن، بعدما كان عدد هؤلاء الوزراء لا يتعدون الأربعة، أصبحوا اليوم ستة. ربما هذا نوع من التغيير على الطريقة المغربية. قبل الآن، وعد بنكيران بعدم استوزار وجوه سبق أن شاركت في حكومات سابقة. اليوم اكتشف الناس أنه كان يتحدث عن حزبه فقط، وهذه نكتة، لأن حزبه لم يسبق له أن شارك يوما في الحكم، لذلك ينظر الناس اليوم إلى وجوه الكثير من الوزراء ويعتقدون بأن هذه الحكومة سقطت من قفة عباس الفاسي. حزب بنكيران ظل ينتقد باستمرار وجود وزراء بلا حقيبة، لأنها تبذير لمال الشعب ومهمة بلا معنى. لكن رئيس الحكومة الملتحية يقف إلى جانبه باستمرار وزير بلا حقيبة. ربما فهم بنكيران أخيرا حكمة الحقائب الفارغة. حزب العدالة والتنمية كان من قبل متشبثا بأن تكون وزارة المالية من نصيبه، وفي النهاية منحها لحزب الاستقلال. كان هذا تنازلا خطيرا لأن الناس كانوا ينتظرون من بنكيران أن يحرك تلك البركة العفنة في وزارة المالية، ويفضح أولئك المتهربين من أداء الضرائب، وهم من كبار القوم وسادة المجتمع، مع أنهم في الحقيقة أنذال القوم ورعاع المجتمع لأنهم لصوص كبار. خلال الحملة الانتخابية، عولت كل الأحزاب على أصوات النساء، وشوهد زعماء حزبيون يحتكون بالنساء، انتخابيا طبعا، وبعد تشكيل الحكومة شاهد الناس وزيرة واحدة في حالة شرود واضح كأنها نعجة شاردة وسط سرب من الثيران. وجود امرأة واحدة في حكومة بنكيران ليس سيئا جدا، لأن رجال السياسة في المغرب يدركون بغريزتهم أن حكومة بنكيران هي فرصتهم الأخيرة، وأنه لا وقت لمجاملة الناس، وأن زمن «نفسي نفسي» قد أتى، لذلك كل وزير يردد «أنا الوزير ومن بعدي الطوفان». المشكلة الآن هي كالتالي: إذا كان بنكيران قد عدّل كل هذه المواقف وقدم كل هذه التنازلات حتى قبل تشكيل الحكومة، فماذا سيفعله خلال السنوات الخمس المقبلة؟ يقال إن هذه الحكومة هي حكومة عبد الإله بنكيران، لكن الحقيقة أنها حكومة الجميع، يعني حكومة عباس الفاسي ونبيل بنعبد الله وامحند العنصر وفؤاد عالي الهمة، وآخرين. وإذا كان لا بد من اللجوء إلى المصطلحات التجارية فيمكن أن نسميها «حكومة بنكيران وشركاؤه». لذلك حتى لو توفرت لهذا الرجل الكثير من الطاقة للعمل، فإنه سيضيع نصفها في الصراع مع شركائه في الحكومة، وهو يعلم جيدا أن مسامير جحا موجودة في كل زمان ومكان. ورغم كل ذلك فالناس يقولون: «ماذا سنخسر لو تفاءلنا؟». بقي على حزب العدالة والتنمية أن يسأل نفسه: ماذا سأخسر لو فشلت؟ سيخسر كل شيء... وسيخسر معه المغاربة جميعا.