منذ أسابيع، وفي أعقاب الإعلان عن التشكيل الأول للهيئة التأسيسية المنوط بها وضع مسودة الدستور الجديد، أشرت في هذا المكان إلى المقترحات التي أعدتها لجنة شكلها المجلس الأعلى للصحافة لصياغة المواد الخاصة بحرية الصحافة والإعلام في هذا الدستور، ووعدت بنشر نصوصها في الأسبوع التالي، لتكون بين يدي أعضاء «هيئة المائة» التي كانت على وشك القيام بمهمتها آنذاك، لكن حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان التشكيل الأول للهيئة أدركني، فوجدت من باب الملاءمة أن أؤجل النشر إلى الوقت الذي تستأنف فيه الهيئة الجديدة نشاطها. وبصرف النظر عن كون الطعن أمام محكمة القضاء الإداري في التشكيل الجديد للهيئة قد تكرر، فقد فضلت أن أنشر نص هذه المقترحات لتكون تحت نظر الحريصين على أن يتضمن الدستور الجديد مواد «تكفل تحرير الصحافة والإعلام». وتشمل مقترحات المجلس الأعلى للصحافة، التي وضعتها لجنة تضم 13 من أعضاء المجلس يشكلون ثلث عدد أعضائه، ويمثلون كل التيارات والأجيال، ثماني مواد تتعلق خمس منها بالصحافة والإعلام مباشرة، وهي: - المادة الأولى: حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، عامين أو خاصين، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتصدر الصحف بمجرد الإخطار. وتخضع الصحف في ملكيتها وإدارتها وأموالها والأموال المملوكة لها وإدارتها المالية لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك كله على الوجه المبين في القانون. وتضيف هذه المادة ثلاثة مبادئ جديدة غير منصوص عليها في الدستور القائم، هي حق الشخصيات الطبيعية «أي الأفراد» في ملكية وإصدار الصحف، وصدور الصحف بمجرد الإخطار وليس الترخيص، وحق جهاز المحاسبات في مراقبة ميزانيات كل الصحف وأجهزة الإعلام، سواء كانت عامة أو خاصة؛ - المادة الثانية: يحظر، بأي وجه، فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو إنذارها أو وقفها أو إلغاؤها.. ولا يجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم باستثناء ما يتعلق منها بالطعن في أعراض الأفراد والحض على الكراهية والتمييز بين المواطنين بسبب النوع أو الدين أو العرق. ويجوز استثناء في زمن الحرب، أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محدودة ومؤقتة، في الأمور التي تتصل بالسبب الذي أعلنت من أجله تلك الحالة. وتضيف هذه المادة أربعة مبادئ جديدة، هي حظر مصادرة الصحف أو وقفها أو إلغائها بالطريق القضائي، وقصر الحق في مقاضاة الصحفيين والإعلاميين على الادعاء المباشر، وقصر العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر على جريمتي الطعن في الأعراض والحض على التمييز، وقصر الرقابة على زمن الحرب الفعلية وفى حدود ما يتعلق بها؛ - المادة الثالثة: تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التي تملكها أو ترعاها، عن جميع السلطات والأحزاب السياسية، باعتبارها منبرا للحوار الوطني بين كل الآراء والاتجاهات السياسية والمصالح الاجتماعية، وينظم القانون إدارتها على أسس اقتصادية ومهنية وديمقراطية سليمة، ويؤمّن تعادل حقوق كل الجماعات السياسية في مخاطبة الرأي العام من خلالها. وهي مادة تتعلق بالصحف وأجهزة الإعلام القومية، تضمن لها الاستقلال عن كل السلطات، بما فيها السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة الإعلام والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى، وعن كل الأحزاب بما فيها حزب الأغلبية، لتكون منابر للحوار الوطني العام تعبر عن الجميع؛ - المادة الرابعة: يقوم على شؤون الصحافة والإعلام مجلس أعلى أو أكثر، لكل منها شخصيته الاعتبارية واستقلاله عن جميع السلطات، ويكون مسؤولا عن صيانة الحقوق والحريات الصحفية والإعلامية المقررة بالدستور، وعن متابعة التزام الصحف ووسائل الإعلام بأصول وتقاليد وأدبيات الممارسة المهنية، ويحدد القانون طريقة تشكيل هذه المجالس واختصاصات كل منها وعلاقاتها بسلطات الدولة؛ - المادة الخامسة: للمواطنين حق استقاء وتداول الأنباء والمعلومات، وينظم القانون حق الصحف ووسائل الإعلام في الاطلاع على الوثائق الرسمية التي تتعلق بالمصالح العامة، ونشرها، بما يضمن ممارسة هذا الحق، كما يحدد مجالات عدم الإفصاح عن المعلومات المتصلة بحماية الأمن القومي، وبصيانة المصالح الخاصة أو الحقوق المرعية والإجراءات التي تتخذ في حالة الامتناع عن إعمال هذا الحق. وتتضمن المقترحات، فضلا عن هذه المواد الخمس، الإبقاء على مادتين من دستور 1971، بنفس النص، هما المادة 47 التي تكفل حرية الرأي، والمادة 49 الخاصة بكفالة حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والفكري، كما تقترح إضافة مادة جديدة في نهاية الباب الخاص بالحريات العامة تنص على أنه: «لا يجوز إصدار تشريع أو قرار يترتب عنه المساس بأصل الحق». تلك هي مقترحات المجلس الأعلى للصحافة، بالنصوص الدستورية لتحرير الصحافة والإعلام، أتمنى أن تجد من يتحمس لها من بين أعضاء هيئة المائة، خاصة من الصحفيين والإعلاميين وأعضاء الأحزاب، أما وقد ضاقت المساحة عن مناقشة التعديل الخطير، الذي أدخلته الهيئة على المادة الثانية من الدستور، فلنؤجل ذلك إلى الأسبوع المقبل.. إذا عشنا.. أو عاشت اللجنة!