في ما مضى كانت الكشفية تنجب رجالا أثّروا إيجابا في التاريخ المغربي المعاصر، ويكفي ذكر مهدي بن عبود وعبد الكريم الخطيب وعلال الفاسي وعبد الكريم فلوس وغيرهم، وكان الآباء والأمهات «يتسابقون» لكي يكون أبناؤهم ضمن «الكشافة»، حتى يكونوا من أمثال هؤلاء الرجال، فقد كانت الكشفية المدرسة الأولى في الحياة التي تُلقّن الأطفالَ المبادئَ الأولى لتحمل المسؤولية في عالم مليئ بالمفاجآت والمتاعب المضنية. عودة الماضي في السنوات الأخيرة، بدأ البعض يحاولون أن يرسموا صورة أخرى للكشفية ويوهمزا الجميع أن «الزمن الجميل لن يعود» وأن كل ما كان مجرد ذكريات من ماضٍ سيكون من المستحيل أن يرجع في يوم من الأيام، لكنّ الحقيقة عكس ذلك تماما، فهناك الكثير من «الكشافة» ما يزالون يؤمنون جيدا أن الكشفية وسيلة لتأهيل مواطنين صالحين ومصلحين وطريقة مثلى بالنسبة إلى الأطفال للاعتماد على النفس، في زمن أصبح الاهتمام، لدى جميع الأمم، منصبا حول الإنسان، لأنه هو أساس كل تقدم وتطور وتنمية.. وأنها وسيلة لتأهيل مواطنين قادرين على الانخراط الفعّال في تطوير المجتمع، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مؤكدين أن «الكشفية» تكون حاضرة في جميع الأحداث التاريخية التي يجتازها المغرب. فهل صحيحٌ أن زمن الكشفية صار مجرّدَ ذكريات جميلة؟ ومن يتحمل غياب الإشعاع الإعلامي للدور الذي تقوم به جمعيات «الكشافة»، على المستوى الوطني والدولي؟ وما نوع العلاقة بين جمعيات الكشفية والجامعة الوطنية للكشفية المغربية؟ وما أسرار الصراع بين الطرفين؟.. الإحساس بالظلم بالحديث مع بعض منخرطي جمعيات الكشفية، تدرك أنهم يشعرون بظلم كبير يُمارَس في حقهم، فرغم أنهم يجتهدون، في الليل وفي النهار، ويعشقون جيدا هذا المجال، فإن ذلك لم يشفع لهم بأن يكونوا أعضاء ضمن الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، ليس لأنهم غير مُؤهَّلين لهذه العملية أو لأن أنشطتهم لا تتوازى والانظمام ضمن جمعيات الجامعة الوطنية أو أن الاعتراف بهم في الجامعة يتطلب حضورا قاريا ودوليا، ولكنْ بكل بساطة، وكما يقول أحد رؤساء هذه الجمعيات، لأن الجامعة الوطنية للكشفية المغربية لا تريد أبدا أن تفتح لأي جمعية أخرى باب الانخراط فيها، فهي (الجامعة) تحرص على أن يبقى عددها محصورا في ثلاث جمعيات لا أقلّ ولا أكثر، وهي منظمات الكشفية الحسنية المغربية، منظمة الكشافة المغربي والكشافة المغربية الاسلامية، والتي كان يطلق عليها اسم المنظمة المغربية للكشافة والمرشدات. «حصار» من نوع آخر لا يعرف المتحدث إلى «المساء» الأسباب الحقيقية لما يصفه ب»الحصار» المفروض على هذه الجمعيات من قبل الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، حيث قال: «في الحقيقة، نجهل، إلى حد الساعة، الأسباب التي تجعل الجامعة الوطنية تتمادى في إغلاق الأبواب في وجه الجمعيات الكشفية، رغم الكثير من المراسلات وطلبات الانخراط الموجهة لها، فنحن نشعر كأن هناك من يريدوتن أن ينصبوا العراقيل أمامنا حتى لا نكون فعّالين ضمن هذه الجامعة».. ويتساءل المتحدث نفسه: «هل يعقل أن تكون الجامعة الملكية لكرة القدم أو المضرب أو المسايفة ممثلة فقط بثلاثة أندية أو أربعة في حين أن الأندية الأخرى غير مُعترَف بها، فهذا أمر من باب المستحيلات، وهو ما ينطبق على الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، فعدم انخراط الجمعيات مسألة غير معقولة». الحضور الدولي سألنا محدثَنا: «ما هي القيمة المضافة لانخراط الجمعيات في هذه الجامعة؟» ليرد قائلا إن «القيمة المضافة تكمن في الاعتراف على المستوى الدولي وفي المساعدة على إحداث علاقات إقليمية دولية مع جميع جامعات الكشفية على المستوى الدولي، ويتابع: «رغم أن الانخراط في الجامعة يُسهّل عملية التواجد على المستوى الدولي، فإن مجموعة من الجمعيات تسجل حضورا قويا دوليا، وإن مطالبتنا بالانخراط في الجامعة مسألة مبدأ وتنظيم للعملية، لأنه لا يعقل أن تبقى ثلاث منظمات فقط هي التي تمثّل الجامعة، في حين أنه ليس هناك اعتراف بباقي الجمعيات الأخرى، فهذه أمور أصبحت مُتجاوَزة في ظل الدستور الجديد، الذي يدعو إلى انخراط الجميع في بناء المغرب الجديد».. الأمير مولاي رشيد تعتبر مجموعة من جمعيات الكشفية على المستوى الوطني مسألة الانخراط ضمن منظمات الجامعة الوطنية حقا لا بد من تحقيقه في يوم من الأيام، وتدق بعض هذه الجمعيات باب الأمير مولاي رشيد، بصفته الرئيسَ الشرفيَّ ل»الجامعة الوطنية للكشفية المغربية»، من أجل التدخل لقبولهم ضمن أعضائها، كما قال متحدث «المساء»: بعد المراسلات الكثيرة التي بعثنا بها من أجل الانضمام إلى الجماعة الوطنية للكشفية المغربية وعدم تلفينا أيَّ رد على هذه المراسلات، فإننا ندق باب الأمير مولاي رشيد، بصفته الرئيس الشرفي للجامعة، قصد التدخل لكي تصبح الجامعة الوطنية حاضنة لكل الجمعيات من مناطق مختلفة في المغرب وحتى لا يبقى ذلك منحصرا على عدد قليل من الجمعيات، خاصة أن الجامعات التي تطالب حاليا بالانضمام إلى الجامعة ليست جمعيات «نكِرة» أوليس لها وجود، بل يتعلق الأمر بجمعيات لها حضور في تنظيم أنشطة كثيرة طيلة السنة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي». وأضاف المتحدثُ نفسه أن الانخراط في الجامعة الوطنية للكشفية المغربية سيزيد هذه الجمعيات قوة، نظرا إلى التجربة الكبيرة التي راكمتها الجمعيات الموجودة خارج هذا الاطار، خلال التجربة السابقة وسياهم هذا الأمر في تنظيم العمل الكشفي ويزيد من إشعاعه ويعيد إليه الاعتبار. الجامعة تدافع عن نفسها لمعرفة رأي الجامعة الوطنية للكشفية المغربية في عدم السماح للجمعيات بالانخراط فيها، اتصلت «المساء» بالرئيس المنتدب، خالد فارس، الذي أكد أنه ليس هناك أي إقصاء أو رفض لقبول جمعيات الكشفية في الجامعة الوطنية، ولكنّ كل ما في الأمر، حسب قوله، أن ذلك يحتاج إلى البحث عن الصيّغ المناسبة لتحقيق هذا الأمر، حيث قال فارس: «لقد سبق لي أن أكدتُ للجمعيات الراغبة في الانخراط في الجامعة الوطنية أنه لا بد من البحث عن الصيّغ المناسبة للانخراط في الجامعة، انسجاما مع المتغيرات التي يعرفها المغرب حاليا»، مضيفا أن العمل في الجامعة يقتضي تنسيقا أفقيا وأن قاعدة اتخاذ القرار تتطلب وجود توافق مع المنظمتين الأخريين الموجودتين في الجامعة، وتابع قائلا: «إنني بصدد البحت عن الفرصة المناسبة من أجل أن يُطوى هذا الملف، ومبدئيا أنا مقتنع باستيعاب كل مكونات العمل الكشفي لإعطاء دعم لهذه الحركة». واعترف محمد فارس بأن «التشتت» بين الجمعيات هو فقط مضيعة للجهود، في حين أن التوحد يعطي قوة للجامعة وقال: «ندرك جيدا أن توحيد الجهود يعطي قوة للجامعة، ولكن موقف المنظمة التي أمثّلها مرتبط بالمنظمتين الأخريين ولا يمكن، في أي حال، الانفراد باتخاذ القرار، لأنني إذا لم أكن حريصا على التوافق بين جميع المنظمات الممثلة للجامعة فسأكون مخالفا للقانون الأساسي، وخاصة المادة ال19 منه، التي تتحدث عن شروط انضمام الجمعيات إلى الجامعة الوطنية للكشفية المغربية». الركائز الثلاث بعيدا عن هموم ومشاكل الانخراط في الجامعة الوطنية للكشفية المغربية، فإن من يعشقون هذا النوع من العمل الجمعوي يؤكدون أنه يتطور، يوما عن يوم، وأنه قادر على تحقيق مجموعة من المكتسبات، فالعمل الكشفي ينبني على ثلاث ركائز أساسية وهي الواجب نحو الله والذات والآخرين، وهذه مبادئ عالمية لا تقتصر على منطقة دون أخرى، بمعنى أن أي منتسِب إلى هذه الكشفية عليه أن يؤمن جيدا بهذه الركائز الأساسية، كما يقول أحد الكشفيين: «إلى جانب الواجبات الثلاث التي ينبني عليها العمل الكشفي عالميا، وهي الواجب نحو الله والذات والآخر، فإن مميزاته هي التعلم بالممارسة، وهو أمر يساعد الطفل والناشئ على الاندماج الفوري في المجتمع والواقع بشكل كبير».. وأضاف أن هناك حرصا شديدا في عالم الكشفية على أن يتعلم الطفل الأبجديات الأولى لتحمل المسؤولية، فجميع أهداف أنشطة الكشفية تركز، بشكل كبير، على أن يتدرج المستفيد منها على سلم المسؤوليات منذ الصغر. ويفتخر عدد من «الكشفية» بهذا العمل الجمعوي، لأنه يجعل أي منتسب إلى النشاط الكشفي فاعلا أساسيا في المجتمع الذي يعيش فيه، ويكون صالحا لنفسه ومصلحا للآخرين.. وإذا كانت الكشفية تعتبر عملا جمعويا، فإن لها مميزات خاصة بها، وقلما نجدها في باقي الأنشطة الجمعوية الأخرى. ويقول الخبراء في هذا المجال إن العمل الكشفي عبارة عن منظومة تربوية تتميز عن العمل الجمعوي من حيث مجموعة من الخصوصيات التي تهدف إلى تربية الشخص النافع تلامس ما هو ديني ومهاري وعلمي، وتقدم هذه المناهج في ثلاث حصص أسبوعية، على الأقل. للصيف طعم آخر.. هل يقتصر العمل الكشفي على فترة الصيف والعطل البينية فقط؟.. «لا»، يرد محدثنا.. فهناك مجموعة من الأنشطة المنظمة طيلة السنة كلها، ولا تتوقف هذه الأنشطة على الصيف وحده، بل هناك مساهمات متعدد للكشفية في عدة محطات وأحداث، مؤكدا أن هناك مواكبة دائمة لحياة الطفل أو الشاب الدراسية، عن طريق الدعم وإعادة برامج مكملة لما هو دراسي، كتقوية الذاكرة والتذكر وكيفية تنظيم الوقت.. وقال المتحدث في هذا الإطار: «هناك العديد من المشاريع المواكبة لدراسة المستفيد، وتهدف الكشفية إلى تتبع خطوات الطفل الدراسية عبر بعض البرامج المواكبة، وقد تمكّنّا من إدخال برامج جديدة إلى المغرب، كمهارات التفكير مثلا، وهذه أمور شديدة الأهمية». ويبقى للصيف «طعم خاص» بالنسبة إلى العمل الكشفي، إذ لا يمكن أن يمر الصيف دون تنظيم مخيمات صيفية، في الغابات والشواطئ والجبال، ويحرص المنظمون في هذه الفترة على تبني برامج ذات طابع مختلف لما هو معمول به طيلة السنة. الإشعاع الإعلامي الغائب لا تتردد بعض الجمعيات في تحميل مسؤولية غياب الإشعاع الاعلامي للدور الذي يقومون به للجامعة الوطنية للكشفية المغربية، إذ يؤكد بعض الكشفيين أنه في الوقت الذي يجب أن تنسق الجامعة مع باقي الجمعيات لإبراز مكانة العمل الكشفي، فإن ما يشغل بال بعض أعضائها هو الحفاظ على العدد القليل من الجمعيات الذي تتكون منها، وهذا أمر غير معقول، في نظره، لكن رئيس الجامعة، محمد فارس، يرفض هذا الطرح ويؤكد أنْ لا أحد ينفي أن العمل الكشفي يحتاج إلى تضافر جهود الجميع، لأن ذلك سيقوّي الجامعة الوطنية للكشفية المغربية.