ارتبطت منطقة قواسم دكالة بمدينة الجديدة برياضة الصيد بالصقور منذ زمن طويل، وأصبح ذكر الصقر بالمنطقة مرتبطا ارتباطا شديدا بهذا الطائر، في هذه الحلقات التي نقدمها بين أيديكم، حاولنا تقريب قراء الجريدة من عوالم هذا «الطائر الحر»، وطقوس رياضة الصيد بمنطقة القواسم الممتدة إلى أولاد عمران. كما حاولنا تتبع جزء من المسار التاريخي لرياضة الصيد بالصقور من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب ومنطقة قواسم دكالة بالخصوص. وقد اعتمدنا في إنجاز هذه الحلقات على بعض الكتب والوثائق التاريخية، التي تطرقت لموضوع رياضة الصيد بالصقور، كما حاولنا الاقتراب أكثر من الصقر والصقارين بمنطقة القواسم القريبة من أولاد افرج، واستقينا رواياتهم المباشرة حول هذا الطائر ورياضة الصيد به. قبل أن نخلص إلى المشاكل التي تتخبط فيها هذه الرياضة بالمنطقة وسبل تجاوزها مستقبلا. جاء في كتاب رياضة الصيد بالصقور لزايد بن سلطان آل نهيان أن أحد أصدقاء الخليفة وشعرائه كان متعلقا بالصيد وكان يبوح أمام الخليفة دون أن يتحرج، إذ جاء في كتاب صاحب الجمهرة في علوم البيزرة أن أبا جعفر المنصور قال لأبي دلامة : كيف حبك للصيد ؟ فقال : كحب المسجون للخلاص من القيد . فقال : وأي الأشياء أحب إليك من الضواري ؟ فقال : أحب الصقر الطويل النفس الأسود الجنس، إذا صاد أشبع، و إذا أمات أوجع، يصيد الكبير، و يعفو على الصغير، و ثمنه يا أمير المؤمنين حقير. فقال المنصور : و لم لا تحب البازي، وهو خير منه، وألذ وأحسن إصابة و أسرع...؟ فقال : يا أمير المؤمنين البازي ملك ... ولا أقدر أن أتشبه بالملوك، وإنما يحمل الملوك الملوك ... فقال : فالشاهين ؟ فقال: إنه يا أمير المؤمنين كبير القدر كثير الغدر. فقال : فالباشق ؟ فقال : ملعوب الصبيان وقد فاتني ذلك الزمان .. قال :فاليائي ؟ فقال : ملعوب الخدم وأولاد الحشم ولا أحب يا أمير المؤمنين أن أشتم ... فقال : وما تصنع بلحم الصيد وعندنا ما هو أطيب ؟ فقال : صدقت يا أمير المؤمنين، غير أني أجد فيه لذة، و هو الذي أتعبت فيه جوادي، وأجهدت فيه مرادي. « يؤكد هذا الحوار الذي دار بين الخليفة المنصور والشاعر أبي دلامة المولع بالصيد من جديد المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها رياضة الصيد بالصقور عند العرب في عهد بني العباس، ومدى تمكنهم من التمييز بين أنواع الطيور الجوارح، جيدها وضعيفها، كما يؤكد الكلام اعتزاز العرب المسلمين بالصقر والبازي على وجه الخصوص . وكان الخليفة الرشيد كذلك متعلقا بحب الصيد، فقد روى صاحب البيزرة» أن الرشيد كان ذا حظ في الصيد، وأنه كان يرتاح له ارتياحا شديدا ...حتى تحمله الأريحية على ركض فرسه والشد به في أثر الطريدة» وكان إذا بلغه خبر متفنن في الصيد، استقدمه إليه، واصطفاه لنفسه، و كان للرشيد رحلات صيد رائعة يقوم بها، و معه عدد من أصدقائه ورجال دولته، وبعض شعرائه من أمثال أبي نواس، وكان الخليفة يساير أصدقاءه ومن معه في التمتع بالصيد وفنونه. وجاء في كتاب «الصيد عند العرب» أن الخليفة المعتصم كان أشد خلفاء بني العباس ولعا بالصيد والفروسية، وكانت له رحلات صيد يمضي فيها الأيام الطوال، ومن شدة ولعه بالصيد اختار منطقة «سامرا» (مدينة في العراق أمر ببنائها المعتصم ) مكانا لممارسة نشاطه في الصيد، لما وجد فيها من طيب المناخ واعتدال الجو، وكان المعتصم كثير الحديث عن الصيد ومغامراته ورحلاته، وتبعه في ذلك ابنه المتوكل الذي تولى الخلافة من بعده، وكان مغرما بالصيد بالعقاب، بالرغم من كونه طائرا صعب المنال، يختار قمم الجبال للإقامة، وكان عسير الترويض ومتوحشا ونادرا ما يروضه الصيادون. وجاء في كتب التاريخ كذلك أن الأمراء والخلفاء كانوا ينفقون أموالا كثيرة في سبيل الحفاظ على استمرارية رياضة الصيد بكل أنواعها؛ وكمثال على ذلك، فقد كان المعتصم في عهد بني العباس يخصص سبعين دينارا في اليوم من نفقات بيت المال لأصحاب الصيد والمدربين وهو مبلغ كان يعادل واحدا في المائة من نفقات الدولة اليومية على باقي المجالات، وهذا دليل آخر عن المكانة التي كان يحظى بها الصيد في المجتمع العباسي في القرن الثالث الهجري.