سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زهرة البصري النقراشي: أنا معجبة بعبد الله العروي ومعلوف وبنجلون الكاتبة العصامية للمساء : حب القراءة يبدأ من الطفولة ونساؤنا منشغلات بالمسلسلات المكسيكية والتركية..
رغم انقطاع زهرة البصري النقراشي عن الدراسة مبكرا وزواجها وهي بعد صغيرة، فإن ذلك لم يحل دون تحقيقها رغبتها في أن تكون كاتبة وتغير الصورة النمطية عن المرأة المغربية، فقد ألفت كتبا، ورغم بلوغها سن السبعين، فهي مصرة على تعلم اللغة الإنجليزية وتحسين لغتها العربية.. في هذا الحوار مع «المساء» تكشف النقراشي عن مسار امرأة من الزمن الجميل - كيف كانت تجرتك مع الدراسة؟ كانت تجربيتي مع الدراسة صدفة، كان لأبي -رحمه الله- أصدقاء يستضيفهم في الضيعة التي كان يسكن فيها، في قبيلة الرحامنة بني احسن «الفايض». وذات مرة، جاءت عائلة السلاوي إلى بيتنا لقضاء عطلة الربيع، ولدى عودتهم أخذوني معهم لكي أقضي رفقتهم بعض الأيام. وحينما جاء الوالد ليعيدني وجدني في المدرسة مع بناتهم.. وقد قضيت عندهم سنتين، وبعد ذلك، تسجلتُ رفقة إحدى بناتهم في مدرسة «جسوس» في مدينة الرباط، وكانت فيها حينئد أحسن داخلية في المغرب. طبلب منهم أبي أن يدخلوني معها.. وقد قضيت أحسن سنوات طفولتي في تلك المؤسسة. - لماذا انقطعت عن الدراسة؟ كان الوالد يهتم كثيرا بدراستي ويريدني أن أكمل مشواري الدراسي وأطور ثقافتي. لكن رأي الجدة والأعمام كان أقوى من رغبته، فانقطعت عن الدراسة وعمري 15 سنة وكان مستواي هو الشهادة الابتدائية فقط.. كان ذلك سنة 1955. وقد حزنت لذلك كثيرا، لكنني كنت ضحية رأي الجدة والأعمام، الذين كانوا يرون أن الفتاة، وبالخصوص في البادية، حين تبلغ سن الخامسة عشرة فيجب أن تمكث في المنزل أو تتزوج.. بعدما «تعلمتْ» كيف تقرأ أو تكتب رسالة. - ماذا يمكنك أن تقولي كشهادة عن الزواج المبكر بالنسبة إلى الفتاة؟ تمت خطبتي وعمري 15 سنة، وتزوجت وعمري 17 سنة. وما يمكنني قوله عن الزواج المبكر هو أنه «كارثة» وصدمة كبرى للفتيات. لقد كان من حسن حظي شخصيا أنْ كان زوجي متفحا وساعدني على القراءة الذاتية في البيت.. وعندما انتقلنا إلى مدينة إفران، بحكم أنه كان دركيا هناك، وبعد سنتين، قدّم استقالته واستقررنا في هذه المدينة الجميلة. وقد اشترى زوجي مكتبة وصرت أشرف عليها. وكنت أقرأ كتابا كل ثلاثة أو أربعة أيام. وهكذا طورت ثقافتي واهتمامي بالكتاب وباللغة الفرنسية. - ماهي طبيعة الكتب التي كانت تثير اهتمامك؟ في المدرسة، كانت لدينا مكتبة، وكنت أنا المشرفة عليها. وقد كنت شغوفة بالكتب في الوقت الذي كانت قريناتي منشغلات باللعب.. كنت لا أفارق الكتاب. ومن هناك توطدت علاقتي بالكتب بصفة عامة. -كان وضعكم المادي، على ما يبدو، مريحا فلماذا بقيت مصرة على القراءة والتعلم؟ لا ترتبط المطالعة بأن يكون المرء ميسورا أو فقيرا، فالحديث النبوي يقول: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد». فالعلم زاد للعقل، وهو شيء لا يُقدَّر بثمن، فحينما آخذ الكتاب وأقرؤه أجد فيه متعة كبيرة لا يمكنني وصفها.. والآن لا يمكنني أن أسافر بدون أن يكون معي كتاب، فالكتاب رفيقي في الحياة.. - ماذا يمكنك قوله للناس الذين لا يهتمون بالقراءة؟ يجب أن نبث حب القراءة في الناس منذ الطفولة. يجب أن نجعل الأطفال يحبون الكتاب. أتذكر أنني حين زرت المعرض الدولي للكتاب الأخير ولاحظتُ أن الأطفال مهتمون بالكتاب فرحت كثيرا.. وهاتفت ابنتي في إفران وقلت لها عليك أن تأتي بالأطفال كي يعيشوا التجربة ويدخل حب الكتاب في تكوينهم. فحب الكتاب لا يمكن أن يأتي في الكبر، ما لم يغرَس في نفوسهم منذ الصغر. وعلينا نحن الكبار أن نلقن أطفالنا حب القراءة. - هل ما يزال شغفك بالقراءة قائما إلى الآن؟ ومن هم الكتاب الذين يعجبك القراءة لهم؟ أقرأ كثيرا باللغة الفرنسية، ومن بين الكتاب الذين يعجبونني أمين معلوف، ياسمينة خضرا، والطاهر بنجلون، بطبيعة الحال، وهو أولهم.. كما أقرأ لإدريس الشرايبي ويعجبني كثيرا عبد الله العروي. - وماذا يعجبك في عبد الله العري؟ شخصيته القوية واستقامته، كما أن زوجته لالة لطيفة صديقتي، وهو رجل «مْعقولْ بْزّاف».. وكتبه كلها تاريخية.. -وبخصوص الطاهر بنجلون؟ -كتبه كلها جميلة، ومنها ما كتب عن أمه. وإدريس الشريبي أيضا قرأت له كثيرا.. - وبالنسبة إلى الكاتبات؟ قرأت لفاطمة المرنيسي وقرأت لجسوس. - وما رأيك في المرأة الكاتبة؟ للأسف، ليس لدينا كاتبات كثيرات، أو بالأحرى إنهن يعملن في الخفاء.. حينما حصلت على «خميسة»، وكنت بين المتوجات، كنت أتساءل في قرارة نفسي: «ماذا أفعل وسط هؤلاء وأنا البسيطة صاحبة الشهادة الابتدائية؟».. وكانت الجائزة عن «مسار متميز» عن الكتابة بصفة عامة.. - كيف كان شعورك وأنت تعيشين تجربة إصدار كتابك الأول؟ حين أصدرتُ أول كتاب انتابني نفس الشعور الذي انتابني عند إنجاب ابني البكر، أمين.. تصفّحته صفحة، صفحة.. كان ذلك مثل اللحظة التي كنت ألمس فيها ابني. وبالنسبة إلى الكتاب الثاني فقد كان تراجيديا مغربية وقعت في الأطلس الكبير.. كان هناك ابنا العم «فضول وعطّوش» يحبان بعضهما، وفرقت بينهما الظروف، فجاء هو من أجل أن يهرّبها فثم القبض عليهما ورجمهما باسم الشريعة الإسلامية حتى ماتا . وهذه القصة هي التي غناها عبد الوهاب الدكالي في «كان يا ما كان».. وكل من قرأها تؤثر فيه. وقد أهديت الكتاب إلى أبي، الذي كان حريصا على أن تصير لي مكانة مميزة في المجتمع.. وإلى زوجي، الذي آزرني. ويقال إن القصة واقعية وكانت تحكى في جامع الفنا.. وقد انتهيت الآن من كتابة سيناريو لها في أفق في أن تتحول إلى فيلم سينمائي. - ما هي الرسالة التي يمكن أن تبعثي بها إلى النساء؟ قلتها مرارا وسأعيدها مرة أخرى: نساؤنا مهتمات بالمسلسلات المكسيكية وبالمسلسلات التركية أكثر من اهتمامهن بالكتاب.. وعليهن أن يُعدن النظر في هذا الوضع، فإن لم يقرأن كتابا فليقرأن، على الأقل، مجلة من المجلات.. أنا لم أكن أحسن اللغة العربية كثيرا. ونصحني ابني أن أقرأ الجرائد، فأصبحت أقتني «المساء» يوميا وأقرؤها من أجل تحسين مستوى لغتي العربية.. عمري الآن 72 سنة، وقد قررت في هذا الصيف أن أدخل جامعة الأخوين من أجل تعلم اللغة الإنجليزية.. فالعزيمة القوية والرغبة والشجاعة يمكن أن توصل الواحد منا إلى ما أراد.. إن نساءنا لا يقرأن، وعلى الدولة أن تشجعهن. إننا في عصر آخر ولم نعد في الماضي.. - كيف كان شعورك عندما تم إقرار كتابك «الطفولة بأحد رياضات مراكش» على مستويات الثانوي للمدارس الحرة في جهة مراكش وأنت الكاتبة التي لم تتجاوز الابتدائي؟ لقد انتابني شعور كبير وأصبح ذلك بالنسبة إلي مفخرة، وأتمنى أن تتطور. ومضمون الكتاب يحكي عن احترام الولدين وتقدير للشرفاء وحسن معاملة الجيران، وهو تربوي بمعنى الكلمة، إضافة إلى تناوله مسألة التقاليد في مجتمعنا، وفيه كثير من الأمور التي لا تعرفها الأجيال الصاعدة. - لماذا اخترت الكتابة عن إفران؟ خصصت كتابي لإفران لأنني أسكن فيها منذ 52 سنة.. وقد أحببتُ هذه المدينة كثيرا، أنا وزوجي وأيضا أبنائي.. إذ أقول لهم، باستمرار، إنني حينما أغادر إفران أشعر وكأنني مثل السمكة التي يتم إخراجها من الماء.. يعجبني كل شيء في إفران: نظافتها، هواؤها، جمال طبيعتها وسكانها.. ولهذا قررت أن أكتب هذا الكتاب عنها كي أقدم صورة عنها للذين لا يعرفونها. - وماذا عن النشر.. هل واجهتك صعوبات؟ في البداية، راسلتُ أحدَ الناشرين وأجابني برسالة ما أزال أحتفظ بها إلى الآن.. قالوا لي فيها عن الكتاب الأول إنه «لم يعجبهم».. وحين أرسلت صفحات منه إلى ناشر أجنبي، أجابني جوابا مشجعا، طالبا مني المزيد.. وهذا في الحقيقة ما دفعني إلى الاستمرار.