ألقت ليلى طرابلسي، زوجة الدكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي، هذا الأسبوع، بصخرة من العيار الثقيل في بِركة تونس الهائجة، إذ طلعت على التونسيين بكتاب بعنوان «حقيقتي» (منشورات دي مومون -180 صفحة) وهي شهادة مُوجَّهة للتاريخ ولعائلتها، كما ورد في استهلال الكتاب. لكنّ من يعرف مسار ليلى الطرابلسي يدرك جيدا أن «حاكمة قرطاج» سابقا لم تتجاوز قسم الثانوي وأنها امتهنت، في حياة أخرى، حرفة الحلاقة وتوضيب الشعر والتفنن في التسريحات.. وأنها غير قادرة على كتابة ولو جملة مفيدة واحدة.. وعليه فقد اكترت بثمن نجهل قيمته قلم صحافي سبق أن وقّع العديد من السير السجالية عن كارلا بروني ساركوزي، دومينيك دو فيلبان، جاك شيراك ورشيدة داتي، ويشرف منذ 2006 على منشورات «دي مومون»، التي أصدرت الكتاب. وبالفعل، أنجز إيف دوراي، بطلب من ليلى طرابلسي، هذا الكتاب بتنظيمه سلسلة لقاءات عبر «سكايب» من مقر إقامة ليلى الطرابلسي في السعودية. زُيِّن غلاف الكتاب بصورة ليلى «الجديدة»، وهي ترتدي حجابا ناصع البياض. تركت السيدة البذلات الأنيقة بتوقيعات «شانيل»، «إيف سان-لوران» و«بالينسياغا».. لارتداء لباس إحرام، كما لو أنّها أرادت بعث رسالة مفادها أنها عادت إلى الأصول.. وقد جاءت النظارات السوداء لستر عيونها وإضفاء نكهة عصرية على الهندام. لكنْ ثمة شيئ ما تغيّرَ في ملامح «سيدة تونس الأولى» في العهد البائد.. هو أن قسمات الوجه خضعت ل«التعديل»، اي أنها أجرت عملية تجميل أو «شفط» على وجهها.. فإمارات ذلك واضحة على الشفتين وعلى الخدَّيْن. من منفاها السعودي تكلمت الطرابلسي، إذن، لتقدم «حقيقتها» عن الوقائع التي هزّت تونس، والتي عجّلت برحيل عائلتها إثر مؤامرة حيكت في الخفاء ضد زوجها، كما تقول. لوّحت ليلى الطرابلسي بالأطروحة «التآمرية»، وهي طريقة غالبا ما يلجأ إليها الطغاة لتفسير الانتفاضات ولقمعها، بالتشديد على مسؤولية العناصر الدخيلة أو على «الإرهابيين».. ومن بين ما جاء في هذه الشهادة أن «زوجها لم يفِرَّ من تونس، بل غادرها مجبرا تحت الضغط والتهديد».. وأن «مغادرته القسرية لتونس هي محصلة انقلاب». أما هي «فقد قصدت الديار المقدسة لأداء العمرة ولم تهرب من تونس ولا هرّبت الأموال والذهب، كما أشيع». وأشارت، في معرض حديثها، إلى أن الأحداث هي من صنع مجموعة من المشاغبين وضع الانقلابيّون رهن إشارتهم السلاح والمخدرات.. كما جنّد الانقلابيون «القناصة» مقابل مبالغ مالية ضخمة لقتل المزيد من الأبرياء.. وتباكت ليلى طرابلسي على مصير أفراد عائلتها، الذين لم يتمكنوا من مغادرة تونس، والذين «يتعرضون يوميا للمضايَقات والتحرشات دون أن تحرك الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان ساكنا».. والمفارقة هي أن ليلى طرابلسي تطالب بتدخل المنظمات الحقوقية في الوقت الذي تطالب هذه المنظمات بحاكمتها!.ويقف الكتاب، أيضا، عند الدور الحاسم الذي أدّاه علي سرياتي، مدير الحرس الرئاسي، في فرار بنعلي. وقد ورد في شهادتها أن هذا الأخير هو العقل المدبر للمؤامرة: «ألحّ علينا، أنا وزوجي، بالالتحاق فورا بمطار «لعوينة»، العسكري. من دون إلحاح علي سرياتي لن يكون الرئيس قد صعد إلى الطائرة»، تقول ليلى طرابلسي، التي شكّكت في نيته إنقاذ الرئيس. أما في ما يخص نهب خيرات تونس وتقاسمها بين أفراد عشيرتها فتحدثت عن «زيغ بعض من هؤلاء، وبالأخص منهم الشباب، الذين استسلم بعضهم للجشع». وهددت «ناهبي المال الحاليين الذين يوجدون على رأس السلطة»، بالكشف عن «فضائحهم». وأضافت أن «بنعلي يعرف جيدا ملفاتهم».. واسترسلت ليلى بنعلي في الكشف عن حقيقتها لمّا أشارت إلى أنّ زوجها كان سيسلم مقاليد السلطة لكمال مرجان، آخر وزير للخارجية في عهده. على أي، ملأ الكتاب «فيسبوك» و«تويتر» وشغل التونسيين.. فقد استُنسِخت فصول منه وطُرِحت على المدونات قبل أن يطرح الكتاب في المكتبات.. وجاءت التعليقات نارية ونابية في حق سيدة أرادت قول «حقيقة» تبقى كلها كذبا في أعين التونسيين..