عقد المنعشون العقاريون آمالا عريضة على مشروع قانون المالية من أجل إخراج القطاع من الركود الذي يعانيه، غير أنه يبدو أن الحكومة لم تستجب لجميع مطالبهم، في ظل الرأي السائد بأنهم يحققون أرباحا كبيرة مقارنة بالقطاعات الأخرى. في هذا الحوار الذي نجريه مع إدريس الفينة، الباحث في مجال اقتصاد السكن، نقف عند أهم الإجرءات التي خص بها مشروع قانون المالية قطاع العقار وتداعياتها - ما هي الإجراءات التي خص بها مشروع قانون المالية قطاع الإنعاش العقاري؟ < مشروع قانون المالية لسنة 2009 جاء بمعطيين أساسيين لفائدة قطاع الإنعاش العقاري، الأول مرتبط بتعبئة العقار العمومي والثاني مرتبط بتوسيع قاعدة الأجور المشمولة بضمانة الدولة في ما يخص الولوج إلى قروض السكن الممنوحة من قبل البنوك. فالإجراء المرتبط بتعبئة العقار العمومي يبقى، في رأيي، محدود الأثر على إنعاش السكن بكل أصنافه باعتبار تواجده في مناطق بعيدة تتطلب تعبئة أموال هائلة لإنجاز البنيات التحتية الضرورية، وهو الأمر الذي لا يمكن للقطاع الخاص إنجازه لوحده، كما أن هذا العقار العمومي لا يهم المدن التي تعرف ضغطا سكنيا كبيرا، وعلى رأسها مدن كالدارالبيضاء والرباط. أما الشق الثاني المرتبط بتوسيع قاعدة الأجور المشمولة بضمانة الدولة في ما يخص الولوج لقروض السكن الممنوحة من قبل البنوك، فهو كذلك إجراء محدود الأثر، في اعتقادي، باعتبار أن الإشكال اليوم بالنسبة إلى هذه الفئة ليس هو الولوج إلى القروض السكنية بقدر ما هو مرتبط بإيجاد المنتوج السكني الملائم لطاقتها الإقتراضية والإدخارية. من جهة أخرى، لم يترجم مشروع قانون المالية لسنة 2009، بالشكل الكافي محتوى الخطاب الملكي القاضي بالنهوض بالطبقة المتوسطة على مستوى تسهيل ولوجها إلى السكن، حيث كان ممكنا اعتماد الإجراء الضريبي القاضي بمراجعة النسبة المسترجعة من الفوائد على القروض برفعها إلى حدود 20% من الدخل الإجمالي الخاضع للضريبة بدل 10% المعمول بها حاليا، كما كان ممكنا التراجع عن الزيادة التي عرفتها، خلال السنة الماضية، الضريبة على القيمة المضافة التي ساهمت بشكل مباشر في رفع أسعار العقار بنسبة 6%، الأمر الذي ساهم، بشكل كبير، في تراجع الطلب على العقار، وهو التراجع الذي سيؤدي، لا محالة، إلى انخفاص حجم الاستثمارات المرتقبة، ولم يعط القانون المالي أي إشارة تجاه قطاع السكن الموجه إلى الكراء، حيث لا يعقل أن يستمر دعم الدولة للتملك فقط باعتباره توجها جد مكلف وله آثار اقتصادية ومالية سلبية. - هل تستجيب الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية لانتظارات المنعشين العقاريين؟ < لقد طرحت فيدرالية المنعشين العقاريين العديد من المقترحات الإيجابية التي تتماشى والتحولات التي عرفها القطاع مؤخرا، وهي المقترحات التي تتطلب بالفعل إجراءات عملية لمواكبتها، فارتفاع تكاليف الإنتاج، وعلى رأسها العقار، جعل السكن الاجتماعي منتوجا غير مغر للمنعشين الخواص في ظل الامتيازات الضريبية المقدمة في إطار الفصل 19، ورغم أن الأرقام أظهرت أن سنة 2008 بقيت سنة بيضاء، مما يعني ضياع ما يناهز 20 ألف وحدة على القطاع، فإن مشروع القانون المالي لسنة 2009 لم يتفاعل مع هذا المعطى، مما سيحرم الأسر المعنية بهذا المنتوج، للسنة الثانية على التوالي، من 20 ألف وحدة سكنية أخرى، أي أن ما مجموعه 40 ألف وحدة سكنية ستحرم منها الأسر المعنية واستثمارات مرتقبة في حدود 8 ملايير درهم مقابل إعفاء ضريبي لا يتعدى 1.3 مليار درهم. وهي الأسر التي ستلتحق، بكل تأكيد، في غياب منتوج سكني ملائم، بكل أشكال السكن العشوائي، بما فيه السكن الصفيحي، مما سيستدعي تدخلا للدولة لمعالجتها بوصفها عجزا سكنيا بتكاليف تتعدى الإعفاء الضريبي المفترض، أي أننا اليوم بصدد التراجع عن كل آليات السياسة السكنية الوقائية التي تمت مراكمتها خلال السنوات الأخيرة والتي سمحت، ولأول مرة، من وقف العجز السكني بل وتخفيضه ب10%. - ماهي تداعيات ذلك على القطاع العقاري بالمغرب ؟ < لتحديد التداعيات الممكنة لتراجع محتمل لقطاع العقار لا بد، أولا، من تقديم بعض الأرقام الكبرى التي توضح أهمية هذا القطاع داخل الاقتصاد الوطني، فهذا القطاع لوحده دون الأشغال العمومية، يضخ داخل الاقتصاد سنويا استثمارات تناهز 75 مليار درهم، أي ما يمثل 40% من التكوين الخام لرأس المال الثابت ويشغل 600 ألف من اليد العاملة، ويعطي خزينة الدولة ما مقداره 20 مليار درهم من الضرائب كما يجلب لوحده 7 مليارات درهم من الاستثمارات الأجنبية وسمح للأبناك من أن تضخ في الدورة الاقتصادية ما مجموعه 135 مليار درهم في شكل قروض رهنية، أي ما يمثل 24% من الدخل القومي، وسمح لقطاعي الإسمنت والحديد معا بتحقيق رقم معاملات إجمالي في حدود 20 مليار درهم؛ وهي للتذكير، إحدى الصناعات الأساسية والمتطورة المكونة للنسيج الصناعي الوطني. هذه الأرقام الماكرو اقتصادية هي التي يجب الانتباه إليها واستحضارها عند التهييء لمشروع قانون المالية المؤطر للسنة المقبلة وفي رسم كل سياسة تهم قطاع السكن؛ وهي بكل تأكيد، الأرقام التي يمكن أن تتداعى في حالة ما إذا عرف القطاع تراجعا محتملا. فعلى سبيل المثال، كل تراجع للاستثمارات بحجم مليار درهم سيفقد الاقتصاد 9 آلاف منصب شغل بشكل مباشر وسيضيع على الخزينة ما مجموعه 200 مليون درهم من المداخيل الضريبية. كما لا يمكن ألا نأخذ بعين الاعتبار المخاطر المرتقبة على النسيج الفتي للإنعاش العقاري الوطني الذي تمت مراكمته خلال السنوات الأخيرة، وهو النسيج الذي يتطلب الاستمرار في رعايته وتأطيره. فبالعودة إلى عشرين سنة الماضية، سنجد أن مجمل الإنتاج كانت تقوم به الأسر والدولة، أما اليوم، فإن الاستراتيجية السكنية المعتمدة سمحت للإنعاش الخاص بأن يصبح الرائد في الإنتاج، وهو النسيج الذي أصبحت له اليوم استراتيجية بعيدة المدى، تبرزها الأرصدة العقارية جد الهامة التي تم تكوينها (مايناهز 20 ألف هكتار) والأوراش التي تم فتحها والتي تهم آلاف الوحدات السكنية عبر مختلف المدن المغربية، وكل تراجع محتمل للقطاع ستكون له تداعيات سلبية على نسيج الإنعاش العقاري بشكل مباشر، وهي الآثار التي ستنعكس كذلك، وبكل تأكيد، على القطاع البنكي. - هل يمكن أن يخرج القطاع من الأزمة التي يعاني منها؟ < لقد تابعنا مؤخرا كيف تفاعلت العديد من الدول المتقدمة مع التطورات التي عرفها قطاع العقار، فحيويته واستراتيجيته وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية جعلته يحضى باهتمام مركزي وبمتابعة خاصة، سواء من قبل البنوك المركزية أو السلطات الاقتصادية والمالية في العديد من البلدان، وكلها تدخلات لها هدف واحد هو الحفاظ على دينامية هذا القطاع. فمشروع القانون المالي الفرنسي لسنة 2009 يتوقع تقديم دعم مباشر للقطاع في حدود 5 ملايير أورو لتيسير ولوج الأسر للسكن، كما اعتمد مشروع القانون المالي الإسباني دعما مباشرا لمقاولات الإنعاش في حدود ثلاثة مليارات أورو. إلا أن ما نلاحظه على مستوى المغرب هو أنه وكأننا ننتظر أن يقع الأسوأ لكي نبادر كالعادة إلى البحث عن الحلول البعدية وجد المكلفة. فما يعرفه القطاع اليوم من تواتر لموجة الركود هو بمثابة الهدوء الذي قد يسبق العاصفة، فمختلف المؤشرات أصبحت تؤكد منحى الركود الذي من المحتمل أن يتحول من ظرفي إلى معطى ثابت.