لأول مرة في التاريخ، انتخب الأمريكيون أسود رئيسا في بلد لم يقطع مع العبيد إلا في 1965 ولم يحصل فيه السود على حقوقهم المدنية إلا في 1964 مع «سيفيل رايت أكت»، القانون الذي يمنع كل أشكال التمييز في الأماكن العمومية، وكذا في 1965 مع «فوتينغ رايت أكت» التي ألغت الامتحانات وضرائب أخرى كانت ضرورية لكي يصبح الإنسان ناخبا في الولاياتالمتحدةالأمريكية. هذا أكثر من تطور، بل إنه قطيعة مع أشياء لا تحصى سواء في داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو على الصعيد الكوني. إنها سابقة ستضع الأغلبية البيضاء أمام تحد لا تبدو على الأقل في الوقت الحالي قادرة على كسب رهانه. فلن نرى غدا أو بعد غد، على سبيل المثال، مغاربيا أو رئيسا أسود للجمهورية الفرنسية. هل سيقدم الرئيس الأمريكي الجديد على تغيير في العمق على السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية، خاصة ما تعلق منها بالشرق الأوسط؟ اعتقاد ذلك سيؤول إلى خيبة أمل لأسباب متعددة. زار باراك أوباما، خلال حملته الانتخابية عددا من الكنائس ومعابد اليهود، ولم يضع رجله قط في أي مسجد رغم أنه يوجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية قرابة 5 ملايين مسلم. كما أنه لم يكن يفوت أي فرصة لكي يؤكد بأنه ليس مسلما، وأنه اعتنق المسيحية في السادسة والعشرين، ويعمل في الوقت نفسه على إخفاء اسمه الثاني، حسين، خوفا من تشبيهه بعربي كما أن كون الإنسان عربيا أو, مسلما هو شيء لا يغتفر، وذلك على عكس الجنرال كولن باول الذي دافع في برنامج التلفزيوني عن الأمريكيين المسلمين ولا يتردد في التصريح بذلك علنا: «هل هناك عيب في أن يكون الإنسان مسلما في هذا البلد؟ الجواب طبعا هو لا. هذه هي أمريكا. هل من عيب في أن يؤمن مسلم أو مسلمة في السابعة من عمره بأنه بإمكانه أن يصبح رئيسا؟ لا. وفي المقابل، استمعت لقياديين من حزبي يلمحون إلى أن باراك أوباما مسلم ويمكن أن تكون له علاقات مع الإرهابيين. لا ينبغي أن يحدث هذا في أمريكا». وبالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فلم يتوقف الرئيس الجديد عن تأكيد دعمه الكامل لإسرائيل. وتجب الإشارة كذلك إلى أن اسمه الشخصي، باراك، الذي يعني في اللغة السواحلية (لغة إفريقية بتأثيرات عربية) «مقدس» مرتبط بالاسم العبري باروخ. وقد التزم في الخطاب الذي ألقاه في 5 يونيو الماضي أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائلية بالحفاظ على التفوق العسكري لدولة إسرائيل من أجل مواجهة «أي تهديد قادم من غزة أو طهران»، واعدا بتخصيص 30 مليار دولار كمساعدات عسكرية إضافية للدولة العبرية مع التأكيد على أن «القدس ستبقى عاصمة لدولة إسرائيل». وبعد ذلك أعلن اعتراضه على حكومة فلسطينية توحد بين فتح وحماس، وبخصوص حق العودة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين، أكد أوباما في مناسبات عديدة على أن تأسيس دولة فلسطينية سيتم بالموازاة مع الحفاظ على «الطابع اليهودي» لإسرائيل. وبخصوص الانتفاضة، فقد قال في أكتوبر 2004 قبل الانتخابات البرلمانية بقليل إن: «السياسة الأمريكية يجب أن تعترف بالتهديدات التي تحذق بإسرائيل وأن تدعم حاجة إسرائيل لأن تحدد بنفسها الوسائل الكفيلة بضمان أمنها. إذا كنت أخشى أن يذهب طفلي ضحية لانفجار حافلته المدرسية، فإنني سأقوم بكل الإجراءات الضرورية لتفادي هذا الخطر». وكان رد فعل اليهود قويا عندما تم الإعلان عن أن زبيكناو بريزينسكي كان أحد مستشاري أوباما في السياسة الخارجية. وكان اسم المستشار السابق لجيمي كارتر، الذي لا يزال في الثمانين من عمره يدرس في جامعة جون هوبكينس أثير في علاقة بكتاب لوالت وميرشايمر حول «اللوبي اليهودي»، وذلك في مقال نشر في مجلة «السياسة الخارجية، مما زاد الأمور تعقيدا، وبعد ذلك أبدى بريزينسكي معارضته لذلك الكتاب. غير أن فريق أوباما بادر، من جهته، إلى التأكيد على أن بريزينسكي ليس من مستشاري حملته الانتخابية وأنه لا يتحدث باسم الحملة» وأن السيناتور أوباما لا يتفق مع ما عبر عنه بريزينسكي. فمستشاره الرئيس في قضايا الشرق الأوسط ليس إلا دينيس روس المعروف بدعمه اللامحدود لإسرائيل. تتحدر، بيني بريتزكر، المسؤولة عن مالية حملته الوطنية، من عائلة ليبرالية، لكنها صهيونية حتى النخاع تملك سلسلة فنادق حياة، بما فيها ذلك المشيد على جزء من أرض الفلسطينيين الذين تم طردهم بالقوة بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في 1967. لم ينطق أوباما أبدا بكلمتي فلسطين وفلسطيني في كل نقاشاته مع خصمه الجمهوري. وهذا ما ذكره به عملاقا هوليود: جورج كلوني الذي دعا إلى تبني مقاربة أكثر توازنا تجاه الفلسطينيين وسين بين التي نشرت مقالا في موقع على الانترنيت انتقدت فيه بشدة المرشحين معا لعدم ذكرهما كلمتي فلسطين وفلسطيني ولو مرة واحدة في حواراتهما الخاصة بالسياسة الخارجية. فهل سيكون باراك أوباما «أول رئيس يهودي» على غرار بيل كلينتون الذي اعْتُبر «أول رئيس أسود». لقد عين الرئيس الأمريكي الجديد رام أمانييل في منصب الكاتب العام للبيت الأبيض، الذي يتمتع بالجنسية الإسرائيلية وعمل في الجيش الإسرائيلي عدة مرات، وقد كان أبوه بنجمان أمانييل عضوا في المنظمة الصهيونية الإرهابية الأركون التي كان يترأسها منحيم بكين، وقد شارك في اغتيال الكونت برنديت التي كان مبعوثا للأمم المتحدة في فلسطين عام 1948، كما شارك في قتل عشرات الفلسطينيين الأبرياء. «إلا بان المعنى فلا فائدة فالتكرار»